قدّمت الحكومة سلّة التعيينات الإدارية والمالية على أنّها إنجاز عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقه بسبب الخلافات بين مكوّناتها. لكنّ الحكومة الحالية تناست أو تجاهلت أنّ انجازها لم يكن سوى حصيلة تسوية تحاصصية بين كبار مكوّناتها، وتحديداً مع “التيار الوطني الحر” الذي بلع “بيضة التعيينات وتقشيرتها”، ليس فقط تلك المسيحية، وإنّما أيضاً السنيّة منها، وسمّى الثنائي الشيعي المواقع الشيعية، فيما ترك مقعداً واحداً لـ”تيار المردة” الذي قاطع جلسة التعيينات اعتراضاً على غياب الآلية، ومقعداً لحزب الطاشناق، وآخر للحزب القومي (نجل الوزير الراحل علي قانصو).
إقرأ أيضاً: لا تعيينات في مجلس الوزراء اليوم
أكثر من مرة تأجّلت تلك الجلسة التي كان ينتظر خلالها بتّ التعيينات، بحجّة رفض رئيس الحكومة منطق المحاصصة، وإذ بالسلّة تنزل على رؤوس اللبنانيين كالصاعقة: تغلّبت التبعية على معيار الكفاءة، وتمّ فرز الأسماء المعيّنة على أساس انتمائها لا وفقاً لسيرتها الذاتية، لدرجة تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء إلى يوم الأربعاء بدلاً من الخميس لكي لا تضيّع الفرصة على تعيين محمد أبو حيدر في موقع مدير عام وزارة الاقتصاد، قبل أن يصير عمره 39 عاماً يوم الخميس. وقد صدر مرسوم التعيين في نفس اليوم الذي اتخّذ فيه مجلس الوزراء قرار تعيينه تأميناً لبقائه في الإدارة لمدة 25 عاماً بموجب القانون .
ورغم كلّ الانتقادات التي تعرّضت لها الحكومة بفعل هذا التعيين، لم يتردّد المدير العام الجديد بالاحتفال بعيد ميلاده في أوّل يوم له في وزارة الاقتصاد ليقصّ قالب الحلوى بمشاركة الوزير راوول نعمة، في صورة وقحة كان يمكن أن تشعل ثورة وحدها. إضافة إلى أنّه “معالج فيزيائي” لا علاقة له بالاقتصاد ولا بالإدارة.
بالتفصيل يتبيّن أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “قشّ” التعيينات المسيحية برمّتها، حتّى عضو لجنة الرقابة على المصارف عادل دريق الذي طُرح اسمه في بداية وضع الطبخة على النار، على أنّه محسوب على “تيار المردة”، يُقال إنّه تقاطع بين الفريقين كون عائلة دريق اشتغلت في الانتخابات الأخيرة لمصلحة “التيار الوطني الحر”.
وما يزيد من الطين بلّة، طريقة اختيار الأسماء: فعلى سبيل المثال، وبالنسبة إلى مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، وهو منصب على قدر عالٍ من الأهمية خصوصاً في هذه الظروف، اختيرت كريستال وليد واكيم التي كانت تشغل منصباً في بنك “سيدروس”، بعد جلسة تعارف مع باسيل قبل نحو خمسة أشهر، لم تستمرّ أكثر من نصف ساعة. أما “لينكها” الأساسي فهو الوزير السابق نقولا صحناوي بعد أن عملت كمساعدة له في مرحلة سابقة، فوقع الخيار عليها.
ليس هذا فقط، فقد وسّع باسيل بيكار نفوذه في التعيينات ليطال المواقع السنية، وتحديداً النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين، ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ. فقد صودف أنّ الاثنين كانا ضمن مجلس إدارة “مصرف البحر المتوسط”، وقد امتحن باسيل الأثنين في مكتبه الذي التقاهما، كلّ على حدة، قبل تبنّي تعيينهما. مع العلم أنّ شاهين أستاذ في الجامعة الأميركية وتربطه علاقة زمالة مع رئيس الحكومة.
اهتمّت الحكومة بأمور التعيينات، لكنّها أغفلت المطلوب: معيار الكفاءة. وها هو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان يسير على الطريق ذاته
أخيراً وليس آخراُ تعيين كامل وزني عضواً في هيئة الرقابة على المصارف بتسميته من حركة أمل ، في حين تؤكّد مصادر موثوقة أنه أقرب بكثير انتماءً الى حزب الله من الحركة.
فوق هذا، سجّل الكثير من الحقوقيين مخالفات وقعت فيها الحكومة جرّاء هذه التعيينات، أهمها:
– تعيين محافظ لمحافظة “كسروان – جبيل”، وذلك قبيل صدور المراسيم التطبيقية لقانون إنشائها، أي قبل إنشاء ملاك إداري لهذه المحافظة يحدّد جهازها الوظيفي البشري والفني. فيما المادة 13 من قانون الموظفين تنصّ على أنّه لا يعيّن أحد إلا في وظيفة شاغرة في الملاك، ولها اعتماد مرصود في الموازنة. وقد سجّل منذ اللحظة الأولى للحديث عن المحافظ اعتراض وزير الداخلية محمد فهمي إلى درجة المواجهة بينه وبين رئيس الوزراء. وكانت التسوية هي تعيين المحافظ دون ممارسته لوظيفته حتى صدور المراسيم التطبيقية للمحافظة الجديدة.
– تعيين نسرين مشموشي رئيسة لمجلس الخدمة المدنية وهي موظفة من الفئة الثانية وذلك خلافاً للقانون الناظم والمنشئ لمجلس الخدمة المدنية. فقد أوجبت المادة السادسة منه أن يكون للمُعيّن في هذا المنصب خبرة إدارية اكتسبها إمَّا في خدمة الدولة مدّة 15 سنة فما فوق، منها خمس سنوات على الأقل في وظيفة من الفئة الأولى، وإمَّا في إدارة مؤسسة خاصة كبرى مدّة 10 سنوات على الأقل، وهو شرط غير متوفّر في السيّدة التي عيّنها مجلس الوزراء لهذا المنصب.
– فؤاد شقير المعيّن في هيئة الأوراق المالية وهو موظّف صيانة متقاعد في البنك المركزي .
بالنتيجة، اهتمّت الحكومة بأمور التعيينات، لكنّها أغفلت المطلوب: معيار الكفاءة. وها هو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان يسير على الطريق ذاته. فقد أشار وزير الطاقة ريمون غجر منذ مدّة إلى “توجّه لتعيين مجلس إدارة جديد لكهرباء لبنان، ووصَلَنا أكثر من 200 طلب، وبقي في التصفية 23، وسأقابلهم شخصياً لأرفع فيما بعد الأسماء الى الحكومة”.
هذا في الوقت الذي يزداد تعنّت الوزير السابق جبران باسيل لمنع تعيين هيئة ناظمة مستقلّة للكهرباء . ورغم معرفة الرئيس دياب بأن هذه الهيئة هي المفتاح الوحيد للمساعدات في قطاع الكهرباء، سواء في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومع الدول الداعمة لمؤتمر “سيدر”.
يقول المواكبون لهذا الملف إنّ عشرات السير الذاتية التي قدمت، تُرفع لها القبعة، لكنّ معياراً واحداً جرى الركون اليه في اختيار لائحة الـ23، هو “الهوى البرتقالي”.