في اليومين الماضيّين قيل إنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حلّ ضيفاً على الرئيس نبيه بري فور نزوله من طائرته الخاصة “حيث تباحثا في أطر تفعيل الحكومة”. ومساء اليوم نفسه، انتشر فيديو عن “تظاهرات شعبية غاضبة أمام منزل رئيس الحكومة حسان دياب”. فيديو “الثوار” انتشر كالفطر على غروبات واتساب، ووقعت ضحيته إحدى قنوات التلفزة المشهود بمهنيتها. فيديو آخر لمتظاهرين ثائرين يتمايلون على أنغام الموسيقى في طرابلس، وآخرين يقتحمون أحياء صور وصيدا هاتفين “ثورة ثورة”… فجأة هناك من خطّط لفبركات في كلّ مكان، توحي بانفجار بركان الغضب الشعبي مجدّداً. السيناريو الافتراضي بدأ في خبر لقاء برّي – الحريري ووصل إلى حدّ تطيير وزراء من طاقم العمل بفعل “التوجّه لإجراء تعديل حكومي”، و”تلاقت مساعي بري والحريري لوضع حدّ لإخفاق دياب في إدارة مرحلة الانهيار”… وغيرها من الفبركات والشائعات خلال ساعات قليلة رافقت عودة الحريري إلى بيروت على متن طائرة خاصّة خرقت الحظر الجوّي. وكلّ ذلك بكبسة زرّ من غرفة عمليات، من هواة أو محترفين لا فرق، حاولت الإيحاء بأن خصوم رئيس الحكومة وصلوا الى غرفة نومه… والبديل جاهز!
إقرأ أيضاً: دياب يرث الحريري في تنازلاته…
بالتوازي مع العالم الافتراضي ظهرت صورة الحريري داخلاً إلى منزل وليد جنبلاط في كليمنصو. بالتأكيد ليست حكومة حسان دياب في أفضل أحوالها. في مقابل وزير صحة رفع خصوم دياب القبعة له، وهناك وزير اقتصاد يبدو كمن نفّذ إنزالاً بالباراشوت من “كوكب” ما على اللبنانيين.
وفي مقابل نجاح الحكومة، مقارنة بكثير من الدول، في السيطرة على تفشّي فيروس كورونا والمواكبة الواعية لوفود العائدين من الخارج، ثمّة فجوة باتت تكشف أنّ الاستثمار المستمرّ للحكومة الحالية في ارتكابات الحكومات المتعاقبة كدرع واقٍ لها من الانتقادات وكصكّ براءة لأدائها، لم يعد ورقة صالحة في سوق صرف الإنجازات المنتظرة.
يقول فريق من دعاة منح الحكومة فترة سماح: “قد تُفهم حاجة الحكومة إلى المزيد من الوقت للإعلان رسمياً عن خطتها المالية والاقتصادية ودخولها حيّز التنفيذ خصوصاً أنّ إرث الانيهار المالي كبير جداً وخطير، لكن كيف يمكن تبرير التقصير على مستوى اتخاذ خطوات عملانية سريعة قادرة على تنفيس غضب الشارع والفئات المنكوبة بتدهور الأوضاع إلى حدّ الاختناق”.
ويتساءل هذا الفريق: “ما الذي يَمنع الحكومة من تسجيل نقطة في رصيد وقف الهدر المالي التاريخي في الكهرباء عبر تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان وهيئة ناظمة للقطاع؟ ولماذا لم تتخذ قرارات عملية حتى اللحظة تلزم حاكم مصرف لبنان بالكشف عن لائحة مهرّبي الأموال الى الخارج، أو لجم الارتفاع الجنوني في سعر الدولار؟ كيف يمكن تبرير عدم وجود تاجر واحد يخالف قوانين حماية المستهلك داخل الزنزانة؟ أو ضبط منظومة التواطؤ الوسخ بين أصحاب المصارف والصرّافين التي تتاجر بمصير اللبنانيين وجنى عمرهم؟ وهل ستكون حكومة دياب رقم 3، بعد حكومتين للحريري في عهد ميشال عون، التي تقف عاجزة أمام محاسبة المرتكبين فيما تكثر من الكلام حول المحاسبة والمساءلة؟!
وفق المعلومات، ورغم تسريب أجواء توحي باحتمال ركون الحكومة الى تعديل في بعض وجوهها، فإنّ هذا الأمر لم يطرح من جانب الرئيس دياب أو أيّ جهة سياسية لها حصتها داخل مجلس الوزراء. لا بل إنّ هذا التوجه يصبّ، برأي أوساط رئيس الحكومة، “في إطار حملة مركّزة بدأت تتضح مؤشراتها وهي تدخل على المراهنين على أمر عمليات خارجي للإطاحة بالحكومة. كما أن من شأن حصولها إضعاف صورة الحكومة بعد مئة يوم من عملها وفتح باب السجال حول أيّ اسم جديد”.
تحيّد الأوساطُ الرئيسَ الحريري عن مشروع محاولة إسقاط الحكومة ليس تعفّفاً ولكن كون معركة الحريري الأساسية هي مع مزاحميه في بيته السياسي والمحيط القريب بدءًا من شقيقه بهاء الذي بدأت صوره ترفع في بعض معاقل تيار المستقبل
الأوساط عينها ترى “النائب السابق وليد جنبلاط أحد أكثر المعبّرين عن هذا الاتجاه، فكلّ ما ستفعله الحكومة لن يصبّ في مصلحته السياسية والشخصية لا في الموضوع المالي ولا في إطار حصصه التي تعوّد على حجزها لنفسه في كافة الحكومات السابقة. وهذا ما ترجم جلياً من خلال ردّة فعله على تعيين قائد الشرطة القضائية”، متسائلة: “كيف يمكن أن يجمع جنبلاط بين مطالبته سابقاً باعتماد الأقدمية لدى تعيين رئيس أركان الجيش كون الضابط المقصود محسوباً عليه، ثم ينقلب على هذا المبدأ حين يتعلّق الأمر اليوم بتعيين قائد الشرطة القضائية ، والأكثر ملاءمة لهذا الموقع من المرشّح الآخر المطروح من قبله”.
وبدرجة أقلّ، تحيّد الأوساطُ الرئيسَ الحريري عن مشروع محاولة إسقاط الحكومة “ليس تعفّفاً ولكن كون معركة الحريري الأساسية هي مع مزاحميه في بيته السياسي والمحيط القريب بدءًا من شقيقه بهاء الذي بدأت صوره ترفع في بعض معاقل تيار المستقبل، قبل أن تكون معركة شخصية مع حسان دياب، فيما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يتحرّك وفق ما تمليه عليه بوصلة الرئاسة مع تسجيل حدّة أقلّ في انتقاد الحكومة مقارنة بجنبلاط”.
أما لجهة ضرورة اتخاذ الحكومة بعض الإجراءات المتعلّقة إما بضبط الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار أو ضبط التفلّت غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية، خصوصاً على أبواب شهر رمضان، تقول الأوساط: “في اليومين الماضيين عقدت اجتماعات عدّة في هذا السياق ويفترض في الأيام المقبلة أن يشهد اللبنانيون إجراءات ردعية في أكثر من ملف قد تؤدي إلى توقيفات”.
هل نصدّق ؟؟