في بداية الثمانينات وبعد مرور سنوات على تأسيس حزب الله، كتب العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله سلسلة مقالاتٍ في مجلات “المنطلق” و”العرفان” و”الحكمة”، حول الحركات الاسلامية وتحدّياتها. وقد نشرت لاحقاً في كتاب مستقلّ تحت عنوان: “الحركات الإسلامية :هموم وقضايا”. دعا السيّد فضل الله هذه الحركات لاعتماد الواقعية في مقاربة الأحداث ووضع خارطة طريق عملانية للعلاقة مع الأنظمة والغرب والعالم. ورفع آنذاك شعاراً أثار الكثير من ردود الفعل السلبية في أوساط حزب الله والجهات الإيرانية الداعمة له وهو: “عقلنة الثورة”. واعتبر بعض قياديي الحزب آنذاك أنّ هذا الشعار غير ثوري و”يمهّد لنهاية الحزب”.
إقرأ أيضاً: حزب الله بعد 6/6: تموضع جديد وترتيب التحالفات
اليوم، وبعد مرور 35 سنة على هذا الكلام، أصبح حزب الله يعتمد الواقعية في مقاربة التطوّرات والمتغيّرات السياسية المتسارعة داخلياً وخارجياً، وفي مواجهة الضغوط والأوضاع الصعبة التي يواجهها. فهو يعتمد سياسة استيعاب الضغوط والنَّفَس الطويل ورفض الانزلاق لأيّ اتجاهات ثورية أو جذرية تؤدّي للإطاحة بالبلد او تدفعه للفراغ والفوضى.
وخلال الأيام القليلة الماضية، ورغم التطوّرات المتسارعة على صعيد الوضع المالي والمعيشي والاقتصادي، ونزول الآلاف من أنصار الحزب ومؤيّديه وأبناء بيئته إلى الشارع للاحتجاج على هذه الأوضاع، فإنّ الحزب كان حريصاً على التعاطي الهادىء مع الأوضاع وعدم السماح بالانزلاق إلى خيارات قاتلة.
وبعكس ما تمّ الترويج له من وجود اتجاه لدى الحزب للضغط لاستقالة حكومة أو إقالة حاكم مصرف لبنان، فإنّ المسؤولين في الحزب أكدوا عدم صحة هذه الأخبار والإشاعات. وأوضحوا في بعض المواقف العلنية وخلال لقاءات خاصة، أنّ الأولوية اليوم لاستيعاب الضغوط الأميركية المتزايدة على لبنان وسوريا ودول المنطقة وضبط الأوضاع المالية والتخفيف من المشاكل الاجتماعية والمعيشية سواء عبر تطبيق القرارات الحكومية أو مواصلة الحوار مع صندوق النقد الدولي واستكمال خطة الحكومة الإنقاذية وخصوصاً على صعيد تعزيز القطاع الصناعي والزراعي وتقديم المساعدات لكافة القطاعات المنتجة، مع السعي للبحث عن خيارات أخرى في حال وصلت الأوضاع إلى حائط مسدود.
ليس لدى قادة الحزب أوهام كبيرة في إمكانية حدوث تغييرات جذرية في هذه المرحلة لا على صعيد النظام ولا على صعيد المواجهة في المنطقة
يدرك المسؤولون في الحزب حجم التحدّيات الداخلية والخارجية سواء في العلاقة مع الحلفاء أو المعارضين. وهم يعملون ليل نهار من أجل معالجة الخلافات الآنية أو العمل لتأمين خيارات سياسية جديدة وبديلة عند الضرورة. وليس لدى قادة الحزب أوهام كبيرة في إمكانية حدوث تغييرات جذرية في هذه المرحلة لا على صعيد النظام ولا على صعيد المواجهة في المنطقة.
عنوان المرحلة اليوم هو الصمود وإمساك الوضع الداخلي بانتظار وضوح الصورة إقليمياً ودولياً، سواء على صعيد استكمال تطبيق صفقة القرن والقرارات الإسرائيلية لضمّ الضفة الغربية وغور الأردن، أو ما يجري في سوريا والعراق، وصولاً لمستقبل المواجهة أو التسوية بين الإيرانيين والأميركيين.
أما إذا فرضت الأوضاع تسوية جديدة داخلية أو خارجية، فالحزب، بحسب مصادره، سيكون جاهزاً للانخراط في المواجهة الشاملة أو التسويات من موقع القوّة، وليس من موقع الضعف أو الخوف.
“الواقعية” هي شعار المرحلة اليوم، بالنسبة لحزب الله، وكأنه يطبّق وصايا السيد محمد حسين فضل الله من خلال الحرص على أن يكون الحزب قوياً من داخل النظام وليس فقط من خارجه، وأن ينفتح على كلّ الخيارات في علاقاته الداخلية والخارجية دون التراجع عن شعاراته وأهدافه الأساسية.