الرواية الحقيقية للفيول المضروب: ما علاقة ندى بستاني بالبواخر التركية؟

مدة القراءة 6 د

 

كلّ الدروب هنا تؤدّي إلى بواخر توليد الكهرباء. فالطريق إلى إنشاء معامل دائمة بتكلفة أقل على الخزينة والمواطن، يبدو أنه لا يزال مقفلاً. إذ إن التسويات تتقدّم على تأمين كهرباء للمواطن 24 ساعة على 24، أي توفير ملياري دولار أعباء إضافية على المالية العامة للدولة.

ناضل التيار الوطني الحر ومعه حلفاؤه أجمعون، المتقاسمون لأموال “صفقة” الكهرباء، للحؤول دون تحقيق أيّ تقدّم في ملف إنشاء معامل دائمة لإنتاج الكهرباء، تحت حجج لا تسمن ولا تغني من جوع.

أكثر من 40 مليار دولار هي التكلفة التراكمية للكهرباء من مجموع الدين العام في لبنان البالغ 92 ملياراً. إلا أننا إلى اليوم لا نزال نعيش تحت رحمة ومزاجية العقود المبرمة مع شركة “كارادينيز” المالكة للبواخر وغيرها من عقود تحقّق ما يريده موقّعيها، ما عدا الكهرباء للمواطنين.

إقرأ أيضاً: الكورونا يطيّر الحفر النفطي في لبنان ولا إرتفاع لأسعار النفط عالمياً

منتصف شهر آذار الماضي، غرّدت وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني على حسابها على “تويتر”، بأن الفيول المستورد من شركة “سوناطراك” الجزائرية غير مطابق للمواصفات، ما تسبّب في خفض التغذية بالتيار الكهربائي.

في الشكل والمضمون. هذه التغريدة مستغربة. فوزارة الطاقة هي في عهدة التيار الوطني الحر، وهي من أبرمت عقود استيراد النفط من “سوناطراك”. فهل تحمل هذه التغريدة أبعاداً أخرى؟ وهل بدأت صياغة الحجج المبرّرة عبر هذه التغريدة كي تغادر بواخر “كارادينيز” لبنان بعد تغيّر سعر الصرف  وعقدها الموقّع مع الدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، أم انها تسعى عبر الضغط بالتوقّف عن العمل لأسباب تقنية لتغيير “عملة” العقد أو طبيعته بسبب شح الدولار في السوق اللبناني؟

لم تستغرب أوساط وزارية هذا المخطط لتفسير دخول ندى البستاني على خط باخرة الفيول.

المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة، أورور فغالي، تروي لـ”أساس ميديا” ما حصل منذ انطلاق حمولة الفيول من مرفأ مالطا إلى مرفأي الجية والزوق. وتشرح أن الحمولة خضعت لأول اختبار للجودة من قبل شركة Bureau veritas بيّن أنها مطابقة للمواصفات. وعندما وصلت إلى بيروت في 16 من الشهر الماضي، كلّفت وزارة الطاقة شركة yello tech كمراقب لإجراء اختبار الجودة في حين كلّفت “سوناطراك” شركة pst للقيام بالمهمة نفسها عند وصول الشحنة إلى مرفأي الجية والزوق حيث تبين أنها أيضاً مطابقة للمواصفات. وبعد أن فتح مصرف لبنان اعتماد السداد لـ”سوناطراك”، أي بعد حوالى 10 أيام على حدّ تعبير فغالي، أخذت عيّنة لفحصها من قبل شركة Bureau veritas فرع دبي فتبيّن أنها غير مطابقة للمواصفات.

هنا، راسلت وزارة الطاقة شركة “سوناطراك” وأبلغتها بما حصل. لكن “سوناطراك” رفضت في بادئ الأمر الاعتراف بعدم صلاحية الفيول المرسل من قبلها، وكلّفت شركة pst مجدداً إجراء فحص العينات ليتبيّن أنه أصبح فعلاً غير مطابق للمواصفات.

بسبب بقاء الحمولة من دون تفريغ لأيام، قد تكون الزيوت المحروقة الموجودة في الخليط الذي أخذ عند التحميل تحتوي على زيادة في المعادن. كما أنه لم يتمّ الاحتفاظ على الحمولة كما يجب خلال فترة الانتظار، ومع حرارة الشحن، تسبّبت كلّ هذه العوامل بارتفاع نسبة الحموضة

ثم أرسلت “سوناطراك” باخرة فيول بديلة عن تلك التي أثبت عدم مطابقتها للمواصفات. وكلّفت وزارة الطاقة شركتي veritas  و pst لإعداد تقرير تقني يبيّن ما حصل للحمولة، وتسبب بأن تصبح غير مطابقة للمواصفات. وفي المقابل، كلفت شركة “سوناطراك” شركتين بريطانيتين هما: Minton trehane & davies وOil bulq & quality services للغاية نفسها. وستقوم “سوناطراك” باستعادة الفيول غير المطابق للمواصفات.

ياغي

الخبير والمستشار في الشؤون النفطية، الدكتور ربيع ياغي، يشرح الأسباب التقنية التي أدّت إلى أن يصبح الفيول غير مطابق للمواصفات. ويقول إن “الفيول المستعمل في لبنان هو عبارة عن خليط من الـAtmospheric وvacuum distillation fuel. وتضاف إليه زيوت محروقة لأن هذا الخليط ملائم لنظام الحرق الموجود في معملي الزوق والجية. أما في ما يتعلّق بالبواخر التركية، فإن الفيول الذي يستخدم لأجلها يعتمد على ما يسمى الـinjection system وليس حرقاً مباشراً. وهذا النظام يتأثر كثيراً إذا كانت الحموضة عالية في الفيول، أي إذا احتوت على نسبة معادن أكثر من تلك المسموح بها، طبقاً لمواصفات Iso 8217. علماً أنه في العقود المبرمة، سواء مع سوناطراك الجزائرية أو مع كارادينيز، شدّدت الاخيرة على أن يكون الفيول مطابقاً لمواصفات الـIso 8217”. ويتابع “في 16 حزيران من العام 2013، تعطّلت كلّ مولدات باخرة فاطمة غول التي كانت ترسو أمام معمل الزوق، والبالغ عددها عشرة بعد أسبوع على تشغيلها، وذلك نتيجة الحموضة العالية للفيول.عندها التزم لبنان بمدّها بالفيول المطابق للمواصفات، المنصوص عنها في العقود”.

ويرى ياغي، أنه “بسبب بقاء الحمولة من دون تفريغ لأيام، قد تكون الزيوت المحروقة الموجودة في الخليط الذي أخذ عند التحميل تحتوي على زيادة في المعادن. كما أنه لم يتمّ الاحتفاظ على الحمولة كما يجب خلال فترة الانتظار، ومع حرارة الشحن، تسبّبت كلّ هذه العوامل بارتفاع نسبة الحموضة، نظراً لتفاعل المعادن مع الهيدروجين، وهي عملية كيميائية أدت إلى زيادة الحموضة. وتصحيح هذا الخطأ يكون بإعادة الخليط، وإلا ستُضرب كلّ محرّكات البواخر. والمسؤولية تقع على الشركة المصدّرة للبضاعة. صحيح أن العقد هو مع سوناطراك، لكن الفيول المصدّر من قبلها هو فيول أميركي. إذ إن الفيول الجزائري هو عالي الجودة يباع إلى الولايات المتحدة وفي مقابله تحصل الشركة على فيول هو عبارة عن خليط غير مطابق لأيّ موصفات عالمية لا يستعمل في الولايات المتحدة، وتصدّرها إلى دول العالم، ومنها لبنان ولكن بأسعار عالمية عالية أكثر مما يستحقه سعر الفيول. وهي لعبة مستمرة منذ العام 2010 إلى اليوم”.

كما يرى ياغي أن المسؤولية في الأساس تقع على من صنع الخليط عند التحميل، إذاً “لا أهمية للشهادة أن الحمولة مطابقة للمواصفات عند التحميل، بل يجب أن تكون مطابقة للمواصفات عند التفريغ”.

 

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…