ليست المرّة الأولى التي يهاجم النساء، وسام سعد، المعروف بـ”أبو طلال”، وبشكل خاص ضمن برنامجه الذي يُعرض على قناة “الجديد”، وبمحتوى يمكن وصفه بـ”الذكوري”. لكنّه هذه المرّة تفوّق على كل ما سبق عندما خرج بدعوى علنية إلى اغتصاب الفتيات اللواتي ينشرنَ فيديوات لأنفسهنّ وهنّ ترقصنَ، على تطبيق “تيك توك” الصيني الشهير.
وقد جاء في الحلقة: “الحجْر فيّق فيكن ميا خليفة الصغيرة…أنا محل صاحب الدكانة إذا بشوفك بسكّر عليكي الجرّار وبحجز كرستين بجهنم وبحطّ الخيارة بالمغارة”. وذلك بعد مقدّمة عن الفتاة التي تنشر فيديو وهي ترقص، ثم تنزل إلى الدكّان لتشتري حاجياتها.
إقرأ أيضاً: عن القهر في بيوتنا: يسقط نظام الكفالة
وقد شبّه أبو طلال الفتيات بممثلة أفلام البورنو الشهيرة، اللبنانية الأصل ميا خليفة، في تلميح جنسي واضح بأنهنّ يعرضن أنفسهنّ كأدوات جنسية عندما يعرضن مقاطع راقصة لهنّ. هذا مع العلم أنّ ميا خليفة قد اعتزلت عملها في مجال “البورن” منذ سنتين، وعلماً أيضاّ أنّها دخلت إلى المجال بإرادتها، وحاولت تخطّي تلك الفترة، وأعلنت عن نيّتها الزواج وتأسيس عائلة، وبين ذاك الخيار الذي أخذته في مرحلة من شبابها، وبين التعرّض للاغتصاب بسبب فيديو تنشره فتاة عادية، فرق شاسع جداً جداً.
ثقافة الاغتصاب
تتحمّل النساء وحدهنّ الآثار الناجمة عن الضرر النفسي والعاطفي الذي يصيبهنّ بعد تعرّضهن للإغتصاب، علماً أنّ جريمة الاغتصاب ليست مشكلة المرأة وحدها إنّما مشكلة الرّجل والمجتمع ككلّ.
وفي المحتوى الذي عرضه أبو طلال ترويج واضح لثقافة الاغتصاب التي تعتبر أنّه من الطبيعي أن يلاحق الرجال النساء جنسياً وأن تتلقّى الفتيات النتائج كلُ بحسب تصرّفاتها التي تحدّد مصيرها. وفي ذلك إضفاء للرجولة وسيطرتها وأولويتها على أيّ قيم أخرى.
وتُعرّف ثقافة الاغتصاب على أنّها أمور نتعلّمها بمرور الوقت بطريقة مباشرة ولا مباشرة، تشكّل ثقافتنا ونظرتنا للفعل، وعلى أنّها نصّ اجتماعي نتعلّمه ونراكمه يومياً.
إنّها المعتقدات والسلوكيات التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنّها “عادية” أو على أنّها “الفطرة السليمة”.
تشمل ثقافة الاغتصاب النكات التي يُنظر إليها على أنّها طبيعية أو بالفطرة، وهي نكات تقلّل من آثار الاغتصاب على النساء وتلقي اللوم عليهنّ، وتحمّلهن مسؤولية ما حصل لهنّ، كالذي ورد في حلقة أبو طلال. إذ أنّ ما ورد يعزّز هذه الثقافة لا بل هناك دعوة مباشرة إليها، وتتحمّل الفتيات كامل هذه المسؤولية لأنهنّ لم يلتزمن بالأدبيات الاجتماعية، وبرّر دعوته للجريمة بأن الفتيات يمارسن “الرقص”، وطبعاً هذا ينطلق من فكرة أن أي فعل تقوم به الفتيات يندرج في إطار الدعوات الجنسية.
دور وسائل الإعلام
تلعب وسائل الإعلام دوراً مهماّ في التأثير على وعي الأفراد، وبالرّغم من تراجع هذا الدور لصالح وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنّه ما زال قائماً، وآخر مثال على هذا التأثير تقرير قناة mtv الذي جاء فيه أنّ “الحيوانات تنقل فيروس كورونا”، وسرعان ما انتشرت بعد عرض التقرير مقاطع لحيوانات مسمّمة ومرمية على الطرق. ولاحقاً اعتذرت المراسلة وأعلنت عن خطئها.
في الأمس خرج علينا برنامج يفترض أنّه يقدّم محتوى كوميدي ليخبر مشاهديه أنّه للرجال الحقّ باغتصاب أي فتاة تمارس حريتها على تطبيق “TikTok”.
حاولت المنظمات النسوية في الآونة الأخيرة رصد كيفية تعامل وسائل الإعلام مع قضايا الاغتصاب من أجل الحدّ من ترسيخ ثقافة الاغتصاب وتبريرها، وفي ظل غياب أي ثقافة جنسية عن مناهجنا التربوية، فمن الضروري إيجاد وسائل أخرى لنشر ثقافة مضادة ترسّخ أن الإغتصاب جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، وأن أيّ تبرير أو تشريع لها هو تمييز وظلم صارخين ضدّ النساء، لن يكونا مقبولين بعد اليوم. لكن حتّى اليوم تتناول القنوات اللبنانية موضوع الإغتصاب أو العنف الأسري أو أي قضية نسوية من وجهتي نظر مع تساؤلات تُوجّه إلى المرأة عن مسؤوليتها حول ما حدث معها، وتحت عنوان عريض: “شو عملت؟”.
في الأمس خرج علينا برنامج يفترض أنّه يقدّم محتوى كوميدي ليخبر مشاهديه أنّه للرجال الحقّ باغتصاب أي فتاة تمارس حريتها على تطبيق “TikTok”. ولم ينتبه أنّ التطبيق يجذب أيضاً الطفلات بشكل خاصّ. وقد قرّر إخبارهن أنّهنّ مسؤولات بشكل مباشر عن التعدّي على أجسادهنّ كأمر طبيعي يخضع لمعادلة السبب والنتيجة، دون التفكير بمئات الضحايا، ومئات الفتيات الصامتات عن الجريمة خوفاً من هذا اللوم تحديداً.
يمارس بعض الإعلام التقليدي، منذ فترةّ، دوراً فوقياً على المواطنين في شتّى القضايا. منها الدعوة إلى ملاحقة خارقي الحجر الصحّي، ووصفهم بأنّهم “بلا مخّ”، أو الدعوة إلى توقيفهم وإيذائهم. وهذا الجانب من الإعلام يلهث وراء “الرايتينغ”، أي رفع نسب المشاهدة، ويمنحه الأولوية على المحتوى، تحت حجّة “ما يطلبه المشاهدون” وتحت حجة الحاجة إلى الإعلان والتمويل بناءً على نسب المشاهدة. لكنّ هذا الإعلام اصطدم اليوم برأي عام يملك منبراً مستقلاً غير خاضع لمعاييره الإعلانية. منبرٌ يلعب اليوم، منذ انطلاقة ثورة 17 تشرين، دور المراقب والمحاسب. ورأي عام لا يسمح لإعلام يصفه بالـ”بلا مخّ” ويطبّل للسلطة والمصارف أن يمارس فوقيته المعتادة عليه. رأي عام لن يرضى من إعلام “بلا مخّ” فعلاً، أن يحدّد له ما يفعل. ثم إن ما مشكلة البعض مع الرّقص، لماذا يصفّق الجميع لكل أنواع الفنون بينما يعتبر الرقص فناً لا أخلاقياً، فقط لأن جماليته مرتبطة بحركات الجسد، أم لأنّه من الصعب النظر للجسد كأبعد من أنه أداة جنسية؟