كـ “مرشدٍ أعلى” للحكومة أطلّ الوزير السابق جبران باسيل خلال مؤتمره الصحافي قبل أيام. كان يَنقص نائب البترون فقط أن يَضرب يَده على الطاولة ويقول “هيدا مش شغل”! ولا ضير في ذلك. فقد سَبقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في التوجيه والإرشاد، لكن من باب مَنح حسان دياب جرعة دعمٍ غير مسبوقة منذ ولادة الحكومة، في انسجامٍ تام مع الرعاية السياسية لتركيبة “التكنوقراط” وتأمين مقوّمات الصمود المستمرّ لها. كذلك سَبقهما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وأيضاً من باب الانسجام مع النفس والنهج، فأحد اركان المعارضة لا يقصّر في التصويب عليها عند اللزوم. وبطريقه، فَرض الإملاءات والتوجيهات.
إقرأ أيضاً: عودة المغتربين: بداية سلسة.. والضغط الشعبي يخفّض أسعار التذاكر
إلاّ جبران… هو بالطبع أحد رُعاة هذه الحكومة وحصّته الوزارية داخلها، مع حصة رئيس الجمهورية، معروفة بالأسماء، ومع ذلك ثبّت حالة الانفصام مع “الحالة” الحكومية مطلقاً تحذيرات من العيار الثقيل لا تبدأ بالتنبيه من الفشل والاستسلام والخضوع للابتزاز ولا تنتهي بأن حمّل “الحكومة مسؤولية أيّ خلط بين الركاب (خلال رحلة العودة من الخارج) من دون معرفتهم المسبقة. من يصعد الى الطائرة مطمئنّاً أن لا مصابين فيها ويصاب، هذه جريمة ترتكبها الدولة بحقه وبحق البلد”.
بدا باسيل هنا كمن ينزع الغطاء عن الحكومة ووزير الصحة، الذي منحهما إياه السيّد نصرالله وقيادات الحزب في الآونة الأخيرة، متّهماً رأس السلطة التنفيذية ووزير حزب الله بالتساهل بمصير العائدين إلى بلدهم هرباً من الفيروس القاتل!
ووضع باسيل أمام الحكومة ثلاث نقاط “يجب بتّها خلال شهر نيسان، وإلاّ لن تستطيع الحكومة إنجاز أيّ خطة”.
ومكمّلاً عنقود وزراء “التيار الوطني الحر” الذين يتصرّف بعضهم وكأنه لم يغادر مقرّ وزارته بعد، كما فعل الوزير إلياس بو صعب في ملف الامتحانات الرسمية، وندى البستاني في ملف “الفيول المضروب”، وضع باسيل خارطة طريق لبعض الوزراء في نطاق “خدمتهم” الوزارية، أهمّها تصوير وزير الصحة حمد حسن في موقع “المقصّر” عن حماية صحّة اللبنانيين.
باسيل طالب وزير الصحة باعتماد الفحص السريع، قائلاً: “حاولنا على مدى ثلاثة أسابيع إقناع وزارة الصحة باتباع هذه الاستراتيجية ولم ننجح”، منبّهاً إلى “كارثة إذا لم نعتمدها”، ومحمّلاً الحكومة “المسؤولية إذا لم تقم بعمل استباقي في هذا الشأن”. ورغم الرأي العلمي الصريح بهذا الفحص، وتولّي الوزير حسن تفسيره، أصرّ باسيل على اعتماد وزارة الصحة بروتوكولاً سبق أن اقترحه “التيار”، وكشف عن شراء التيار “بضعة آلاف من هذه الفحوص وأصبحت في لبنان”، محذّراً من “انفجار الوباء إذا لم نعمد إلى تقفّي آثاره ومحاصرته”.
“وزير الصحة العوني” ذهب إلى الحدّ الأقصى في الشعبوية والتشكيك باستراتيجية وزارة الصحة ومن خلفها الدولة قائلاً: “أنا غير مطمئنّ، وأنبّه كلّ لبناني من أن يصعد إلى أيّ طائرة إذا لم يكن متأكّداً أن لا مصابين فيها. وأنا أحمّل الحكومة مسؤولية أيّ خلطٍ بين الركاب من دون معرفتهم المسبقة”!!
هذه الحكومة لن تعمّر طويلاً إذا فشلت في مهامها، ولن يكون بمقدور أحد مساعدتها، خصوصاً حين يظهر التواطؤ بين من هم في الداخل والخارج
وباسيل الذي استفزّ أهل الثورة بتحميل حراك 17 تشرين المسؤولية “بجعل الوضع المالي والاقتصادي أكثر تعثّراً”، كاد يردّ بالاسم على رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب السابق سليمان فرنجية ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري مفنّداً “ارتكاباتهم” وواضعاً إياهم في سياق “منظومة سياسية مالية في البلد منذ بداية التسعينيات، قائمة بسياستها وأشخاصها وهي لا تريد تغيير السياسة ولا الأشخاص”.
في مؤتمرٍ واحد لم يوفّر جبران باسيل أيّ فريق، بما في ذلك القوات اللبنانية من بوابة وزارة الشؤون الاجتماعية متّهماً وزراء سابقين “بالتلاعب بالمعايير لغايات تنفيعية في برنامج الأسر الأكثر فقراً”.
منصّة هجومية تطرح علامات استفهام حول المسافة التي باتت تفصل بين العهد برموزه العونية وبين الحليف الأول حزب الله، وحليف الأمر الواقع حسان دياب، والخصم الأزلي نبيه بري…
لا يرى العونيون في ذلك أيّ افتئاتٍ على الحكومة أو وزرائها أو فتح مشكل مع أحد، بما في ذلك داعمي الحكومة أو خصومها. ووفق قرارٍ حزبي داخلي بالتخفيف من “دوز” النقاش السياسي وتجنّب السجالات والتفرّغ لمواكبة أزمة كورونا، تحذّر مصادر “التيار”: “يخطئ من يعتقد أنّها حكومتنا، أو أنّ حلفاً ثلاثياً يديرها عن بعد، فهناك حكومة تعمل. وحين تخطئ نقول إنّها أخطأت، وحين تُنجز نُثني على عملها”.
وتقول المصادر في شأن العمر المفترض لحكومة ترزح تحت هذا الكمّ الهائل من الأزمات والضربات التي تأتيها من الحلفاء: “هذه الحكومة لن تعمّر طويلاً إذا فشلت في مهامها، ولن يكون بمقدور أحد مساعدتها، خصوصاً حين يظهر التواطؤ بين من هم في الداخل والخارج”، مؤكدة على أنّه “إن لم تسارع الحكومة إلى مواجهة كلّ أساليب الضغط والابتزاز والبدء فوراً بورشة تغيير السياسات المالية والاقتصادية المتبعة منذ عقود عبر الخطة الموعودة، فإنّ سقوطها محتّم. والخطوة الأولى تكون بمباشرة التدقيق المالي لمعرفة واقع الدولة المالي، وموجودات مصرف لبنان والمصارف، والتحقيق في وجهة الأموال الموهوبة والمنهوبة والمحوّلة إلى الخارج، وظروف انتقال تلك الأموال”.
لا جديد في هذا الكلام رغم حدّته. لكن من سينفّذ هذه السياسة؟
الجواب حتّى الآن: لا أحد…