في زمن بيروت الجميل وأهلها الطيبين يُروى أنّ الحاج أحمد بيضون وأولاده قد تبّرعوا لـ”مؤسسة صائب سلام للثقافة والتعليم العالي”، بملكية عقار في الوسط التجاري في بيروت قيمته حسب تقدير الخبراء في حينه مليونان ونصف ليرة لبنانية.
وصباح اليوم التالي زار الرئيس سلام منزل الحاج أحمد بيضون وشكره مع أنجاله على المبادرة الكريمة السخية مؤكداً له: “إنّ كل قرش منها سيذهب في سبيل الخير، وانهاض المجتمع الاسلامي الذي هو غاية المؤسسة الأولى.
وأضاف: “إنّ هذه المبادرة نسمة خير لما تحمله من معان ٍسامية تنعش آمال المجتمع وتبعث الخير في نفوس كل المخلصين”.
وبمبادرة عفوية قبّل الرئيس سلام يد الرجل الصالح، داعياً له بطول العمر وأن يكثر الله من أمثاله,
فقال له الحاج أحمد بيضون: “ان اندفاعك في عمل الخير ووجودك على رأس هذه المؤسسة هما اللذان أوحيا لنا بتقديم هذه المساعدة آملاً من الله أن أتمكن من اتباعها بمبادرات أخرى”.
إقرأ أيضاً: سياسو الـ33 مليار دولار: أين مراد وفارس والحريري؟ (2/2)
تلك الحادثة النموذجية بنظر زماننا هذا، كان يمكن أن تكون خبراً عادياً في ذلك الوقت، فالناس غير الناس، والزعماء غير الزعماء. على أن ما فيها من عِبَر تُسيل العَبرات، ومعانٍ تستعصي على المتأمل المتحيّر، تكشف بالضوء الكاشف اللمّاع، كيف تبدلّت الأحوال وانقلبت المعايير، بين الأمس واليوم، فالشهامة ضاعت وافتقدت، والأخلاق تناءت واستترت خلف أعذار وحُجج، لا تغني من جوع.
كأنّي ببيروت مقبرة وكأن أثرياءها نائمون، قبورها تبحث عن المغفرة، فيما الأغنياء عنها يتلهون. لا وردة يضعونها على الأضرحة. ولا ريحان في أيديهم يحملون، فقط صمت أقسى من صمت القبور وبخل تدمى له العيون.
وكأنّهم لم يسمعوا تلك الآية من سورة آل عمران وهي تقول: “وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ? بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ? سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ? وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” (آل عمران). وتلك الآية من سورة الليل حيث تقول: ” وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى”. أو كأنّهم لم يسمعوا النبي عندما قال: ” شرّ ما في الرجل شح هالع وجبن خالع”. والعياذ بالله بشحكم ماذا تفعلون؟”
قاسٍ علينا كان الزعيم وليد جنبلاط، نحن أهل بيروت، عندما انتشر بيننا عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور الشيكات المصرفية الذي تبرع بها بمبلغ من المال إلى كلٍ من مستشفى المقاصد ودار العجزة ودار الأيتام لمساعدتهم في مواجهة جائحة كورونا. وقبله تبّرعه لمستشفى بيروت الجامعي والصليب الأحمر من على شاشة الـMTV.
ماذا يمنعكم جميعاً عن المساهمة بجزء يسير مما رزقكم به الله لمساعدة ناسكم وأهلكم ومدينتكم في هذه الظروف الصعبة، وما نفع المال إن لم يستعمل في مثل هذه الأوقات
وضعنا جنبلاط بتبرعه أمام تخاذل وتكاسل وبخل أثرياء بيروت وهم بالعشرات يلوذون بالصمت القاتل تجاه الوضع الصحي والاجتماعي الذي تعاني منه مؤسساتنا التاريخية من مستشفى المقاصد إلى دار الأيتام وصولاً إلى دار العجزة ومستشفى رفيق الحريري الجامعي.
مشكور وليد جنبلاط على ما فعل وهو الذي يعرف ماذا يفعل وكيف ومتى يفعل ويدرك تماماً كيف يجب على الأمور أن تكون.
سؤال من الواجب طرحه على أثرياء بيروت واحداً واحداً دون استثناء، ما هو انطباعكم وأنتم تنظرون إلى تبرع الزعيم وليد جنبلاط؟!
ماذا قال كل واحد منكم في سره. هل أخبر عائلته وأصدقاءه بما شاهد؟ هل شعر بمرارة السكوت والاكتفاء بمشاهدة ما يحصل؟
ماذا يمنعكم جميعاً عن المساهمة بجزء يسير مما رزقكم به الله لمساعدة ناسكم وأهلكم ومدينتكم في هذه الظروف الصعبة، وما نفع المال إن لم يستعمل في مثل هذه الأوقات.
اليوم لن نذكر الأسماء فعندما ذكرناها في مقال سابق هناك من عتب علينا وهناك من غضب منا وهناك من تساءل “هؤلاء ماذا يكتبون؟!”.
ما نكتبه اليوم بمثابة بلاغ رقم واحد أو فإن للكلام تتمة بالأسماء والأرقام لعلكم تعتبرون.