أثار تمديد التعبئة العامة إلى 5 تموز تساؤلاتٍ عدّة. فالحياة في لبنان أكثر من طبيعية والتظاهرات تعمّ الشوارع من أقصى الشمال وصولاً إلى بيروت وصيدا وصور والبقاع. هذا بعد أن سمحت الحكومة باستئناف كافة النشاطات اليومية، في الإدارات العامة، وفي فتح المولات وكذلك الأسواق والمطاعم، وحتّى المسابح. ولم يبقَ غير قرار “المفرد والمزدوج” و”إلزامية الكمامة”، التي بالمناسبة لا التزام فعلياً بها في الشوارع. واللافت أنّ الجامعة اللبنانية تتّجه إلى إجراء امتحاناتها في 22 حزيران، أي قبل انتهاء التعبئة العامة بأسبوع. مع احتمال تمديدها .
هذه “التعبئة” غير الواضحة وغير “الجديّة” أدّت إلى ارتفاع عدّاد الإصابات مؤخراً بفيروس كورونا. فبعد عزل بلدتي مجدل عنجر والمرج في البقاع، وبعد تسجيل 40 إصابة في برجا بإقليم الخرّوب، ها هو شارع مريم في “دوحة عرمون”، يدخل دائرة الوباء، وذلك بعد تأكيد وجود 14 إصابة كورونا في المنطقة، ما أدّى إلى حجر 200 شخص، وإجراء 162 فحص PCR عشوائي.
إقرأ أيضاً: #امتحانات_الموت في “الجامعة اللبنانية”: 80 ألف طالب مهدّدون بـ”موجة كورونا” عاصفة
الناشط الاجتماعي ورئيس “جمعية سواعد البيئة والتنمية”، سهيل مكحل أوضح لـ”أساس” أنّ “الإصابة الأولى اختلطت بوافدة، فأصيبت بالفيروس ونقلت العدوى إلى أفراد عائلتها”، لافتاً إلى أنّ الوزارة رصدت الإصابات خلال الفحوص العشوائية التي أجرتها قبل 9 أيام: “لكن لم يكن هناك التزام بالحجر ما دفع الوزارة إلى إجراء فحوصات ثانية منذ يومين، كشفت عن تسجيل إصابة جديدة”. وبحسب مكحل، فإنّ “الأمور تحت السيطرة”.
“لبنان صنّف من البلدان الأكثر أماناً من ناحية الواقع الوبائي”، بهذه العبارة استهلّت مصادر وزارة الصحة حديثها لـ”أساس”، مسلّطة الضوء على هذا “الإنجاز”.
ما تقوله الوزارة، هو في الواقع مخالف للدراسة التي نشرتها مجلة “فوربس” قبل أيام، وتضمّنت قائمة بالدول الـ100 الأكثر أمانًا من كوفيد 19. إذ حلّ لبنان وفق الدراسة في المرتبة 77، متخلّفاً عن جنوب أفريقيا والبحرين وقطر والكويت.
ارتفاع عدّاد كورونا يرتبط بـ”المناعة المجتمعية” التي كان قد تحدّث عنها وزير الصحة حمد حسن قبل أسابيع، وبالعودة التدريجية إلى الحياة شبه الطبيعية. غير أنّ هذه المناعة “ليست آمنة”، وفق الرئيس السابق للجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية الدكتور زاهي الحلو الذي يقول لـ”أساس”: “نحن لا نعرف الفيروس بعد وكيفية تطوّره. ولا نعلم إن كانت المناعة ستحمي الأشخاص من الإصابة مجدّداً بعد شفائهم”.
بحسب الحلو هناك تناقض في القرارات المتخذة من قبل المعنيين: “فكيف يتمّ تحديد امتحانات الجامعة في 22 حزيران والتعبئة ممدّدة إلى 5 تموز. برأيه هذا الموضوع “يشبه قصّة البحر والمسبح. وهذا لا منطقي. فإما هناك تعبئة أو لا تعبئة”. ويضيف: “لا أعرف إن كنّا في تعبئة عامة أو عم نضحك عحالنا”، جواباً على سؤال: “التظاهرات والدنيا ماشية ويتم تسجيل يومياً عدد كبير من الإصابات بين المقيمين. ولم يعد هناك من إجراءات تطبق، لا تباعد ولا كمامات، وازدحام في المحلات التجارية، ولا نعرف حتّى إن كان هناك التزام لناحية غسل اليدين”.
مصادر وزارة الصحة توضح من جهتها لـ”أساس” أنّ “قرار رفع التعبئة أو تمديدها، مُرتبط بعدّاد الإصابات، وسيتخذ في حينه”. وفيما يتعلّق بالمولات والمطاعم، تشير المصادر إلى أنّ “المسؤولية والرقابة في تطبيق التعبئة في هذه الأماكن تقع على عاتق وزارة الداخلية لا وزارة الصحة”.
وعن امتحانات الجامعة تقول المصادر إن “لا مشكلة في إجرائها، ففي الوزارات عدنا إلى العمل بطاقة 100%. والطلاب لديهم الوعي الكافي للتباعد والوقاية”، مضيفة أنّه “لا مشكلة لدينا مع عودة الحياة بشكل شبه طبيعي مع التباعد”.
إذاً لماذا لا ترفعون التعبئة؟ تجيب المصادر: “رفع التعبئة مرتبط بحركة المطار والمرفأ والحدود. داخلياً البلد تحت السيطرة وتعود حركته بشكل تدريجي، ولبنان صنّف من بين الدول الأكثر أماناً من ناحية الإجراءات والواقع الوبائي”.
وبحسب المصادر، فإنّ عدد الفحوصات التي أجريت تخطّى الـ90 ألفاً بالمليون، لافتة إلى أنّ لبنان تخطّى النسبة المعتمدة على المستوى العالمي وهي 15 ألفاً بالمليون.
التعبئة في لبنان “صورية”.. وقرار إقفال المطار لا معنى له في ظلّ استمرار الطائرات التي تحطّ مزدحمة بالوافدين. مع العلم أنّ معظم المناطق التي عُزلت مؤخراً انتشر الفيروس فيها بسبب “وافد” من هنا أو من هناك
لا تتخوّف المصادر من ارتفاع عداد الإصابات بين الآونة والأخرى: “مصادر انتقال العدوى معروفة، ولا انتشار”، و”بشكل عام لا حالات حرجة. فالفيروس في لبنان ضعيف و80% من الإصابات لا عوارض لديهم”.
وعن الوفيات تقول مصادر وزارة الصحة: “نحن من أقلّ الدول في الإصابات الخطرة، وكذلك في نسبة الوفيات، وما سجّل منها كان بين كبار في العمر ممن لديهم أمراض مزمنة. وهؤلاء حتّى الرشح العادي قد يؤدي إلى تدهور أوضاعهم الصحيّة”.
الجو المتفائل في وزارة الصحة لا يتقاطع مع هواجس الدكتور الحلو، الذي يؤكد عبر “أساس” تخوّفه من ارتفاع عدّاد الإصابات: “هناك حالات حرجة. ووصلنا إلى 31 وفاة مؤخراً، وهذا أمر لا يمكن تجاهله لاسيما وأنّ الوفيات لم تعد فقط بين المسنّين. بل هناك أشخاص توفوا لم تتجاوز أعمارهم الـ50”.
إذاً، التعبئة في لبنان “صورية”.. وقرار إقفال المطار لا معنى له في ظلّ استمرار الطائرات التي تحطّ مزدحمة بالوافدين. مع العلم أنّ معظم المناطق التي عُزلت مؤخراً انتشر الفيروس فيها بسبب “وافد” من هنا أو من هناك.
إلى ذلك، هناك ازدواجية حول خطورة الوباء، فتارة تحذّر الوزارة من “الخطر” وتارة أخرى تتعامل مع الفيروس وكأن لا كورونا في لبنان.
والخلاصة: نحن بينَ بين، لا تعبئة جديّة، ولا خروج من التعبئة