في شهر آب من عام 2012، انشقّ العميد السوري الطّيار أسعد الزّعبي رئيس جناح القوى الجوية السورية وخرج من مكتبه رافضاً إطاعة الأوامر بقصف المدن والقرى السورية، وتجمّعات المدنيين. ومرّ زمن طويل قبل أن تعلن الحكومة الأردنية اسم الطيار المُنشق والمكان الآمن الذي لجأ إليه.
كان الزّعبي ابن “مهد الثّورة السّورية”، محافظة درعا، أفضل طيّار لطائرة الـMig 29 في السّرب المتمركز منذ عام 1986 في مطار السّين العسكري في ريف دمشق. وفي الأردن، تولّى الزّعبي الإِشراف على الضباط والعسكريين السوريين الموجودين هناك، بالتنسيق مع عمّان ودول عربية داعمة للثورة السورية. لينتقل بعدها إلى عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض ويصبحَ عضوًا في مؤتمرها، وفي الهيئة العليا للمفاوضات، ولاحقاً رئيسًا لوفد المعارضة السورية إلى مؤتمر جنيف.
العميد أسعد الزّعبي خصّ “أساس” بحوار تناول آخر المستجدّات على الساحة السّورية، ومؤتمر النّازحين الذي عقدته موسكو في العاصمة السّورية دمشق في 11 تشرين الثاني الماضي والذي حضرته دول أغلبها محسوب على روسيا وإيران وحلفائهما مثل فنزويلا. ونتاول الموقف من الانتخابات الرئاسية السورية المزمع عقدها في حزيران 2021.
تولّى الزّعبي الإِشراف على الضباط والعسكريين السوريين الموجودين هناك، بالتنسيق مع عمّان ودول عربية داعمة للثورة السورية. لينتقل بعدها إلى عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض ويصبحَ عضوًا في مؤتمرها، وفي الهيئة العليا للمفاوضات، ولاحقاً رئيسًا لوفد المعارضة السورية إلى مؤتمر جنيف
الزعبي اعتبر أنّ مؤتمر دمشق الذي عُقِد قبل أسابيع يدلّ على أنّ النّظام السّوري يفتقر للتفكير الأخلاقي والإنساني، وكان “صفعة” على خدّ النظام ومعه حليفته روسيا، بسبب فشل موسكو في تحقيق أيّ مكسب سياسي للنظام على الرغم من كلّ ما بذلته من مساندة ومساعدة عسكرية أتاحت له التقدم على جبهات عديدة. وبرأيه أنّ روسيا تبحث اليوم عن “فتات سياسي”، عبر هذا المؤتمر وأنّها لم تستطع أن تُحرزَ شيئًا على الرغم من كلّ ما فعلته ضد الشّعب السّوري من غارات ومجازر، ولن تستطيع إعادة إحياء النّظام، وأنّها تنفخ في “قُربَة مثقوبة”.
وأشار الزّعبي في حديثه لـ”أساس” إلى أنّ “مؤتمر دمشق” يشبه خطوة النّظام السّوري في إقرار البدل النّقدي (8000 دولار أميركي) عن الخدمة العسكرية الإجبارية، بعد أن كان النّظام في السّابق لا يقبل أيّ بدل في مقابل الخدمة العسكرية. إذ على الرغم من حاجته إلى عناصر مُقاتلة، قبل بدفع “البدل الدّاخلي”، ما يشير إلى مدى الإفلاس الذي يعاني منه النّظام في سوريا، وهو يطلب من السوريين هذا المبلغ الكبير مع أنّه يعلم أنّ الأكثرية السّاحقة من السوريين في الدّاخل لا يملكون “ليرة سورية” لشراء رغيف خبز. ووجه الشّبه بين هذا القرار والمؤتمر أنّ روسيا وإيران والنّظام يدّعون عودة النازحين إلى سوريا، بينما أكثر من هم في الدّاخل السّوري يريدون الخروج والهجرة منها بأيّ طريقة. وإذا تسنّى للشعب السّوري الخروج من تحت سلطة النّظام إلى أيّ مكان في العالم، فلن يبقى مواطنٌ واحد في الدّاخل.
وسأل رئيس وفد المعارضة إلى مؤتمر جنيف: “إلى أيّ سوريا يريد النّظام وروسيا عودة النّازحين؟ إلى المدن والقُرى والمنازل المُدمّرة والاقتصاد المُنهَك؟”. وجدّد الزعبي التأكيد أنّ لا عودة للنازحين السّوريين إلى بلادهم إلا برحيل النّظام وأجهزته الأمنية والعسكرية ومحاسبة رموزهم. وعندها يستطيع السّوريون العودة إلى بلادهم وإعادة إعمارها وهم قادرون على ذلك، وسوريا لا تُبنَى بأيدي قوات روسية وإيرانية قامت بتدميرها.
وعن الانتخابات الرئاسية التي ستجري في حزيران المُقبل، أكّد الزّعبي لـ”أساس” أنّه لا يُمكن أن يقوم أيّ حلّ في سوريا قبل رحيل بشّار الأسد، وأنّ المعارضة لم تعترف أصلًا بنتائج انتخابات 2014، وأنّ النظام فقد شرعيته في العالم منذ 2013، وأنّ النّظام العالمي ليس نظامًا هزيلًا أو ضعيفًا، بل هو يدري ما يقول عن شرعية الأسد ونظامه، ولن يقبل الشّعب السّوري بأي انتخابات تُجرى في البلاد إلا على أساس قرار مجلس الأمن الدّولي 2254، بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالية التي تتولّى وضع إعلان دستوري أو دستور، ومن ثمّ تُشرِف على انتخابات برلمانية وبعدها الرئاسية، وبعد ذلك بالتأكيد، سيكون النظام السّوري خارج المعادلة السياسية.
وجه الشّبه بين هذا القرار والمؤتمر أنّ روسيا وإيران والنّظام يدّعون عودة النازحين إلى سوريا، بينما أكثر من هم في الدّاخل السّوري يريدون الخروج والهجرة منها بأيّ طريقة. وإذا تسنّى للشعب السّوري الخروج من تحت سلطة النّظام إلى أيّ مكان في العالم، فلن يبقى مواطنٌ واحد في الدّاخل
وعن انقسام المُعارضة السّورية وتأثيره على مستقبل سوريا، أكّد العميد الزّعبي أنّه على الرغم من الاختلافات بين أطراف المعارضة إلا أنّ الجميع يتفق على أسس جوهرية ومنها الحفاظ على سلامة سوريا ووحدة أرضها وشعبها، ورفض التقسيم بكلّ أشكاله وأيًا كانت أسبابه ولو تمّ خوض حروب من أجل ذلك، وحتّى أولئك الذين يدعمون النّظام يتفقون على ضرورة الحفاظ على وحدة أرض وشعب البلاد. وكشف الزّعبي لـ”أساس” عن جهود عربية بدأت تنشط لمُساعدة “قلب العروبة النّابض سوريا”، وبدأ “الأطباء العرب” في العمل لإسعاف ومساعدة هذا “القلب” لإعادته للحضن العربي وهويته العربية على مبدأ الحفاظ على وحدته شعبًا وأرضًا.
إقرأ أيضاً: بعد جريمة بشرّي: من يسلّح النازحين السوريين؟
ولدى سؤاله عن مدى تأثير انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، على مجريات الأحداث في سوريا، وعما إذا كانت المعارضة تأمل في أن يُغيّر الرئيس الأميركي المُنتخب أسلوب التعامل القائم مع نظام الأسد، أجاب الزّعبي: “قرار الشّعب السّوري هو الأولوية قبل قرارات بايدن، وكلّنا يذكر كيف وقف الرئيس السابق باراك أوباما في عامه الأوّل داعمًا للشعب السّوري. لكن تبيّن في وقت لاحق أنّه عمل ضدّه وسلّم سوريا للنظام الإيراني بثمن “بخس”. واليوم يقول إنّه “يشعر بالنّدم”. هذا ما تعوّدناه من كلّ الإدارات الأميركية التي تعمل لمصالحها ومصالح أصدقائها، وإن وقعت في أخطاء لا تعترف بها إلا بعد مغادرة السّلطة. وحتّى المبعوث الخاصّ السابق إلى سوريا السّفير جيمس جيفري، الذي كان يشيد سابقًا بتنظيم “قسد” الإرهابي، بات اليوم يتحدّث عن ممانعة تقسيم سوريا. نحن لا نعوّل على أيّ قرار أميركي، ونعتقد أنّ بايدن سيخضع عاجلًا أم آجلًا لقرار الشّعب السّوري كما خضع له العديد من الدّول في أوقات سابقة، حتّى روسيا التي تفتح قنوات الاتصال من تحت الطاولة، تعلم أنّها لا تستطيع تحقيق أيّ مكسب دون أن تواكب مطالب الشّعب السّوري”.
*مقابلة متأخرة، كانت مخصصة لمؤتمر إعادة اللاجئين الذي عقد في دمشق منذ أسبوعين. ارتأينا نشرها لجدّية مضمونها.