من الممكن أن يعاني المرضى بكوفيد-19 لمدة زمنية طويلة بسبب تعلّق بعض الفيروسات التاجية بأنسجتهم. ويعمل الباحثون الآن على تحديد مدة بقاء الفيروس حياً داخل الجسم، ضمن الحالة المعروفة بـ”الثبات الفيروسي”، وهي مختلفة عن حالة المصابين سابقاً بكوفيد-19 وتعافوا منه، ومع ذلك تُظهر الفحوص أحياناً أن حالتهم إيجابية على نحوٍ كاذب بسبب بقاء آثار الفيروس في أجسامهم.
من المهمّ فهم حالة الثبات الفيروسي لكوفيد-19، لأن هذا الإدراك يسمح لنا بتحديد مدة بقاء المرء مُعدياً بعد الإصابة بالفيروس، والمدة التي ينبغي للمرضى أن يبقوا أثناءها في العزل، وهل من الممكن أن يمرضوا بالوباء مرة أخرى. لكن عبارة “الثبات الفيروسي” هي خادعة بحسب ماري كيرني (Mary Kearney) كبيرة الباحثين في مجال الأدوية المضادة لمرض نقص المناعة في “مركز أبحاث السرطان” التابع لـ”المؤسسة الوطنية للسرطان”. والسبب هو أن العلماء لا يعرفون مدى ثبات الفيروس في الجسم بين مريض وآخر، أو بين كلّ عضو من أعضاء الإنسان!
إقرأ أيضاً: كورونا: ما زلنا في الموجة الأولى
وتشرح كيرني فتقول إنّ للفيروس التاجي (كورونا) “جينوماً وراثياً” مصنوعاً من الحمض النووي الريبوزي RNA لا من الحمض النووي ناقص الأوكسجين DNA. والفرق بين الاثنين أن الأول يدخل في تصنيع البروتينات. وتؤدّي الفيروسات من هذا النوع، إن بقيت في الجسم، عقب الإصابة الأولى، ولو بعد عشرات السنين، إلى إصابة الجسم بأمراض أخرى، مثل أمراض الكبد أو السرطان. لكنّ هذه الآثار البعيدة المدى لبقاء الفيروس التاجي في الجسم ليست مؤكدة وتحتاج إلى أبحاث.
وما يعقّد المسألة أن فحص PCR للمشتبه بإصابتهم بكوفيد-19، يلاحق الأجزاء الوراثية التي يقذفها المرء خلال التنفّس، أو تلك الموجودة في فضلات الإنسان وإفرازاته. بعبارة أوضح، هذا الفحص يمكن أن يخبرك إن كان المريض التقط العدوى حديثاً، لكنه لا يستطيع التمييز بين فيروس حيّ ويتكاثر، وبين بقايا فيروس غير مُعدية. لذلك، ومن أجل العثور على الفيروسات الناشطة الملتصقة بخلايا الجسم، فلا يكفي أخذ عيّنات من الأنف أو الحلق، بل هي عملية أصعب تقتضي دراسة العيّنات المأخوذة من الأنسجة البشرية في مختبرات معزولة وآمنة بيولوجياً. ومع أنّ الأبحاث في هذا المجال ما زالت محدودة، إلا أن النتائج حتى الآن تكشف مدى بقاء الفيروس حياً داخل الجسم، ويتراوح بين أيام وأسابيع.
والفائدة من هذه الأبحاث عن الثبات الفيروسي في أجسام المرضى، هو حسم مسألة حيوية وهي: هل يمكن أن يصاب المريض المتعافي مرة أخرى بكوفيد-19 أم يكتسب مناعة طويلة الأمد؟ واستطراداً، كم ينبغي للمصابين أن يبقوا في العزل؟
قد تظهر لدى الأفراد مستويات مختلفة من الثبات الفيروسي ومن المناعة، ما يجعل تطوير اللقاح وتوزيعه أكثر تعقيداً
حتى الآن، لا يبدو أن الذين تظهر عليهم أعراض طويلة المدى قد أصيبوا بالعدوى مرة ثانية. وقامت مراكز التحكّم بالأوبئة ومكافحتها في كوريا الجنوبية بتعقّب مخالطين لـ285 مريضاً ظهرت فحوصهم إيجابية بـ PCR بعد أن كانت سلبية. فلم يثبت أن أياً من هؤلاء المرضى يمكن أن ينقل الفيروس إلى آخرين، أو أنهم أصيبوا مرة أخرى بالفيروس من آخرين. وتشرح ديانا غريفين (Diane Griffin) عالمة الفيروسات في معهد الصحة العامة في بلومبرغ جون هوبكينز، فتقول: “في العادة، عندما يتعافى المريض من التهابات التنفّس الحادّة، يقوم الجهاز المناعي بقتل الخلايا المصابة للتخلّص من الفيروس. لكن عندما يصيب الفيروس خلايا للجسم تعيش لمدة طويلة كالخلايا العصبية neurons، فلا يمكن للجهاز المناعي القضاء عليها، وهذا يعني أنّ الجسم لا يمكنه حينئذ التخلّص من “الجينوم” الوراثي للفيروس. بدلاً من ذلك، يمكن للفيروس أن يختبئ في مواضع معيّنة في الجسم لآماد طويلة”.
ولهذا إيجابية مهمّة على صعيد تعزيز مناعة الجسم كما تقول غريفين. فالثبات الفيروسي في الجسم لمدة طويلة، يحرّض الجسم على الاحتفاظ باستجابته المناعية ضد كورونا مما يحصّن الفرد من التقاط العدوى مجدّداً. فعلى الرغم من أن الفيروسات المختبئة في الجسم، لا تتكاثر بغزارة، إلا أنها تستمرّ في توليد عدد قليل من الخلايا، وهذا كافٍ بحدّ ذاته لإبقاء جهاز المناعة مستنفراً.
قد تظهر لدى الأفراد مستويات مختلفة من الثبات الفيروسي ومن المناعة، ما يجعل تطوير اللقاح وتوزيعه أكثر تعقيداً. ويقول سانتوش فاردانا (Santosh Vardhana) طبيب الأورام في مركز “سلون كيتيرينغ” إنّ “جُسيمة الفيروس نفسها لا تفعل الفعل نفسه لدى كلّ فرد. لذلك، لا يكون لأيّ لقاح أثر في اكتساب مناعة عامة”، علماً أن فاردانا يعكف على دراسة تكيّف المناعة عند الإنسان ودوره الممكن في مساعدة مرضى كوفيد-19.
في المقابل، فإنّ اختلاف الاستجابات عند المرضى، يجعل صعباً تحديد المدة التي ينبغي عزل المصابين خلالها. مراكز التحكّم بالأوبئة في الولايات المتحدة تنصح بعزل المصابين عشرة أيام من لحظة الشعور بأعراض المرض، وثلاثة أيام بعد انحسار حرارتهم. أما الذين لا يشعرون بأيّ أعراض، فتبدأ مدة العزل لعشرة أيام من لحظة الإعلان عن نتيجة إيجابية لفحص PCR.
ويقول فاردانا إنه من أجل تطوير اللقاح ولمعالجة المرضى بكوفيد-19 على نحوٍ أفضل، “علينا النظر في كيفية استجابة الجهاز المناعي بشكل أكثر تعقيداً”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا