عن اختفاء محسن ابراهيم في “عتمة خياله”

مدة القراءة 3 د


افتحْ موقع “يوتيوب” وضع اسم الشهيد جورج حاوي. اكتب اسمه. وانتظر النتائج. ستظهر لك المئات منها. ستعثر على خطابات من أيام الحرب ومقابلات من أيام السلم وتحقيقات مصوّرة عن جريمة اغتياله. ستعثر عليه في الوثائقيات التي تحكي قصة جبهة المقاومة اللبنانية وتأسيسها. الآن ضع اسم محسن ابراهيم على “يوتيوب”. ولن تعثر على فيديو واحد متعلّق بالرجل الذي توفي هذا المساء. ولا أيّ فيديو متعلّق بهذا السياسي المخضرم الذي أطلق مع حاوي جبهة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لبيروت في 1982. ستجد أغاني وفيديوكليبات لمغنّ إيراني شاب يحمل الاسم نفسه. فقط لا غير. أما الرجل الذي مات اليوم، فليس له وجود على الموقع الأشهر عالمياً المخصّص للفيديو. محسن ابراهيم، مع انتهاء الحرب خرج من الكادر. اختار أن يغيب عن حومة العمل العام، والانزواء والصمت، ولم ينطق إلا نقداً ذاتياً شجاعاً في أربعين حاوي حينما اعتبر أن الحركة الوطنية ارتكبت أخطاءً بعضها كان قاتلاً، مشدّداً على خطأين اثنين: الأول “أننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً”، والخطأ الثاني “أننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي”.

اختار الرجل الصمت، لكنه كان يهمس لجنبلاط في كثير من الأحيان. وربما كان جنبلاط يترجم همسه بمواقفه

هذا التصريح الذي يفترض أنه مصوّر، ليس موجوداً على يوتيوب. مع أن تصريحاً كهذا يفترض أن يكون مادة مغرية للباحثين عن تاريخ الحرب الأهلية وتاريخ الأحزاب المشاركة فيها، فضلاً عن تاريخ الحركة الوطنية. ومع ذلك لم يضع أحد هذا التصريح في المتناول. لا هذا ولا غيره لمحسن ابراهيم. ربما في معرض البحث التفصيلي يعثر المرء على بعض لقطات الفيديو لإبراهيم في لقاءات يشارك فيها، وأغلبها إلى جانب وليد جنبلاط في ذكرى صديقه الشهيد كمال جنبلاط.

اختار الرجل الصمت، لكنه كان يهمس لجنبلاط في كثير من الأحيان. وربما كان جنبلاط يترجم همسه بمواقفه. لكن غياب الرجل وانكفاءه عن الأضواء وعن العمل السياسي المباشر يكاد يشبه الاختفاء. يمكن القول إننا إزاء قضية اختفاء محسن ابراهيم على غرار قضية اختفاء الإمام المغيّب موسى الصدر. هل غُيّب إبراهيم؟ على الغالب لا، “فتح عتمة خياله وفات” على ما تقول قصيدة لطلال حيدر. الرجل اختفى مع اختفاء قضيته. مع انهيار الاتحاد السوفياتي وبعدما رست “سفينة الحرب الأهلية” في ميناء غير ديموقراطي. اختفاء موسى الصدر ترافق مع صعود حركته ودخولها بقوة في التركيبة اللبنانية عبر الرئيس نبيه بري. اختفاء محسن ابراهيم ترافق مع اختفاء منظمة العمل وانفراط عقدها.

وفاته قد تفتح الباب مجدداً ليخرج من “عتمة خياله” إلى الكادر، لكن ميتاً هذه المرة. قد يصير له بعد أيام موطئ قدم على “يوتيوب”. وقد ينتبه إليه كثيرون، بمجرّد وفاته، وسيبحثون عن اسمه في محاولة العثور على عتمته، تلك العتمة التي كبئر سحيقة، رمى فيها محسن ابراهيم أسراره وأسرار غيره. ثم رمى بنفسه فيها… ومات.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…