الحريري: لن يكون أمام عون إلا التنازل

مدة القراءة 5 د


يوم الإثنين الفائت، التقى الرئيس سعد الحريري بأحد السفراء الأجانب. شرح له وجهة نظره حول عملية تشكيل الحكومة، وعبّر عن ارتياحه وثقته العالية بنفسه حول قدرته على تأليف حكومة من 18 وزيراً وبطريقة عادلة في توزيع الحقائب، خلال أسبوع أو أسبوعين بالحدّ الأقصى. وقال لمحدّثه إنه عندما التقى برئيس الجمهورية ميشال عون بعد العقوبات على جبران باسيل، كان عون غاضباً إلى حدّ بعيد، ولكن على الرغم من ذلك، فقد أصرّ الحريري على تفاؤله، لأنه لن يكون أمام عون أيّ خيار إلا التنازل.

لم يقتنع السفير الأجنبي، الذي اعتبر أنّ الحكومة ستكون أمام مزيد من التعطيل.

بين عون والحريري حرب ضروس في التسريبات الإعلامية: قصر بعبدا ينفي أيّ أجواء إيجابية، فيما أجواء بيت الوسط تستمرّ بإطلاق إشارات التفاؤل والتقدّم. والسبب الدافع لإشاعة الأجواء الإيجابية، هو إبقاء الحريري ممسكاً بورقة التكليف، التي لن يتخلّى عنها حتى إشعار آخر. إنها ورقة قوته، بانتظار أيّ تسوية تفضي إلى حكومة جديدة، يكون رئيسها وشريكاً أساسياً في أيّ تسوية حول الملف اللبناني أو الملف الأوسع في المنطقة.

ما يريده رئيس تيار المستقبل من الحكومة، هو استعادة الموقع، حتى يحين موعد استعادة الدور. تبدو المسألة شخصية أكثر مما هي سياسية، في هذه المرحلة على الأقل.

أما المعركة الأساسية التي يخوضها ميشال عون فهي إنهاء أيّ دور أو فعالية لرئاسة الحكومة، وللحكومة ككلّ. وهو منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية عمل على خلق كيانات موازية للحكومة برئاسته، تارة مجلس الدفاع الأعلى، وتارة اجتماعات مالية واقتصادية، أو دعوات لجلسات حوار سياسي.

بين عون والحريري حرب ضروس في التسريبات الإعلامية: قصر بعبدا ينفي أيّ أجواء إيجابية، فيما أجواء بيت الوسط تستمرّ بإطلاق إشارات التفاؤل والتقدّم

على وقع استمرار الجمود الحكومي، تأتي زيارة الموفد الفرنسي باتريك دوريل، في محاولة لإنقاذ المبادرة الفرنسية، ووضع اللبنانيين أمام خيارين: إما تشكيل الحكومة لكسب المؤتمر الدولي الذي دعت إليه باريس لدعم لبنان، أو إلغاؤه في حال عدم التشكيل.

نسبة الرهان على نجاح المسعى الفرنسي الجديد منخفضة جداً. فسياسياً، لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تسمح لفرنسا بتحقيق أيّ تقدّم على صعيد مبادرتها التي قد يستغلها حزب الله لإعادة تعويم نفسه، ما سيشكّل التفافاً على العقوبات وفعاليتها. مع الإشارة إلى أنّ واشنطن ستستمرّ بفرض العقوبات، والمعركة لم تعد معركة تشكيل حكومة وصراع تحاصصي حولها. وإذا ما كان تكليف الحريري قد تمّ برعاية فرنسية، فلا تأليف إلا بشروط أميركية.

هي شروط لن تنحصر بشكل الحكومة وحجمها، بل بمندرجات سياسية واسعة، تنسجم مع مسار أميركي مفتوح منذ أشهر طويلة، لا يفترق عن تفجير مرفأ بيروت وتداعياته، ولا عن تفجير عين قانا، أو تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقصف مواقع ومخازن صواريخ لحزب الله في مناطق سكنية ومحيط مطار بيروت (مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، كما لا ينفصل عن مسار التفاوض على ملف ترسيم الحدود، وطرح الاستراتيجية الدفاعية على طاولة المفاوضات. وعلى خطّ موازٍ، لا يمكن لواشنطن الخروج عن مسار سلكته، وأصبحت في موقع متقدّم بعد فرض عقوبات على جبران باسيل، ما أدّى إلى فتح معركة تعرية رئاسة الجمهورية، والتيار الوطني الحرّ، وحزب الله من خلفهما، مسيحياً ولبنانياً.

أدرك أمين عام حزب الله حسن نصر الله الهدف من العقوبات، وقالها صراحة إنّ غايتها ضرب البيئة الحاضنة للحزب والحلفاء. يعني ذلك خسارة الحزب الغطاء المسيحي العوني الذي فكّ عنه عزلته.

هي شروط لن تنحصر بشكل الحكومة وحجمها، بل بمندرجات سياسية واسعة، تنسجم مع مسار أميركي مفتوح منذ أشهر طويلة، لا يفترق عن تفجير مرفأ بيروت وتداعياته، ولا عن تفجير عين قانا، أو تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقصف مواقع ومخازن صواريخ لحزب الله

صحيح أنّ التحالف الإستراتيجي المصلحي الذي عقد بين الطرفين في العام 2006، بني على نقطتين أساسيتين: حاجة حزب الله إلى فكّ عزلته وحصوله على غطاء مسيحي في معاركه الداخلية والخارجية، مقابل التعهّد بوصول عون إلى رئاسة الجمهورية ومنح التيار الوطني الحرّ المكاسب السياسية والسلطوية. هذا ظاهرياً. أما ضمنياً، فقد كان للتحالف أهداف أخرى أيضاً. فقد عرف حزب الله كيف يستخدمه لتحقيقها:

– أوّلها: ضرب السنّة بالمسيحيين الذين حمل عون باسمهم لواء محاربة الحريرية السياسية.

– ثانيها: جعل السنّة بحاجة دائمة إلى منقذ أو مساند، والذي يفترض أن يكون حزب الله، لتخفيف حدّة الهجمة العونية عليهم.

– ثالثها: ضرب اتفاق الطائف والقفز فوقه وإنهاء مفاعيله لتكريس توازنات سياسية جديدة تفتح الطريق إلى نقاش دستوري جديد يتغيّر بموجبه النظام السياسي.

تمسّك نصر الله بالتحالف مع التيار الوطني الحرّ، وسلّف باسيل ما يشيد بمواقفه. فالحاجة إليه لم تنتفِ بعد. لا يزال هناك بعض المرتكزات التي لا بدّ من ضربها بسواعد رئيس الجمهورية وصهره، وهو ما يتكرّس في عملية تشكيل الحكومة الحالية.

إقرأ أيضاً: حكومة تكنوسياسية في الأفق المتوسّط والداخلية للحريري؟

سيستمرّ حزب الله في علاقته مع التيار الوطني الحرّ لتحقيق هذا الهدف، مقابل خسارة ما هو أهم: الغطاء المسيحي، وعلاقة التيار الوطني الحرّ بالغرب، خصوصاً الأميركيين سابقاً، كصلة وصل غير مباشرة، توفّر الغطاء الأقلوي للحزب تحت شعار محاربة الإرهاب”. وهو الذي سمح له بالدخول إلى سوريا والعراق واليمن.

سيستمرّ حزب الله في دعم التيار الوطني الحرّ طوال فترة وجود عون في قصر بعبدا، بعدها لن تبقى مقوّمات لهذا التحالف، إنّما سيصل إلى صدام حقيقي لدى البحث في تغيير الصيغة اللبنانية وخسارة المسيحيين مكتسباتهم التاريخية. عندها قد يبقى باسيل وقد يبقى التيار، لكن سيكون المسيحيون في مكان آخر كلياً.

بينما السؤال: أين سيكون السُنّة؟ 

هل سيكون الحريري هو الغطاء اللبناني لحزب الله، بدلاً من الغطاء العوني؟  من المبكر الإجابة على هذا السؤال.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…