كورونا: ملاحقة السلاسل الوراثية للفيروس استعداداً للموجة الثانية

مدة القراءة 7 د

 

بقلم كلير واتسون (Clare Watson)، (Nature)، 27 أيار   

مع خروج عدد من البلدان من حالة الإغلاق، يستعدّ علماء لاستعمال “السلاسل الوراثية” لفيروس كورونا المستجدّ استعداداً لمواجهة موجة ثانية متوقّعة من الوباء. ومنذ أن تشارك العلماء أوّل مرة سلسلة الجينوم الوراثي لكورونا في 11 كانون الثاني الفائت، بلغ عدد السلاسل الوراثية نحو 32 ألف جينوم وراثي حول العالم. وهذه الكمية الواسعة من المعلومات تسمح للباحثين بتعقّب منشأ الوباء كوفيد-19 في بلدانهم، من أجل تحديد زمن بدء العدوى.

وفيما تدخل البلدان التي نجحت في كبح الإصابات فيها، في الموجة الثانية من الوباء، ثمّة مخاطر من ظهور حالات جديدة من الإصابات حين تُخفّف القيود الاجتماعية. ولهذا يقول الباحثون إن الجينوميات الوراثية ستكون ذات أهمية فاصلة في التعقّب السريع للإصابات والتحكّم بالعدوى. وكانت الدراسات قد أظهرت أن زمن انتشار الأوبئة يميل لأن يكون أقصر، وحجمها أصغر، عندما تُستعمل الجينوميات الوراثية لتعقّب الاتصالات بالمصابين.

إقرأ أيضاً: أطباء إيطاليون عن “المستقبل”: كورونا يضعف مع الوقت وسيختفي

وفي هذا، يقول غيتيس دوداس (Gytis Dudas) مستشار المعلوماتية الحيوية في مركز غوتنبرغ للتنوّع البيولوجي العالمي في السويد: “عندما تكون لديك إصابات قليلة، يمكن للجينوم الوراثي إخبارك بسرعة عما تواجهه، ويرشدك إلى تنفيذ تدخّلات دقيقة لوقف العدوى”.

وتوجد مناطق في العالم حيث يمكن استعمال السلاسل الوراثية بشكل أفضل، لأنها عوّلت مبكراً عليها في مواجهة الوباء، وكان فيها عدد قليل نسبياً من الإصابات. وعليه، قرّر الباحثون في نيوزيلندا وفي ولاية واحدة في الأقل بأستراليا، تتبّع سلاسل معظم الجينوميات الوراثية للكورونا فيهما.

ومع انتشار الفيروس في أنحاء مختلفة من العالم، بدأت تتشكّل تدريجياً سلالات مختلفة للفيروس. وبمقدور الباحثين استبعاد خطوط محتملة للعدوى على وجه السرعة، من خلال المقارنة بين السلاسل الوراثية، فيربطون حالات معيّنة بعضها ببعض عندما تتطابق السلسلتان، والعكس صحيح.

ويعمل الباحثون في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى، على تتبّع السلاسل الوراثية للفيروس من شريحة واسعة من المصابين. لكن، وبما أن الوباء في هذه البلدان ما زال سارياً، وعدد الإصابات فيها مرتفع، فإن الباحثين يستعملون الجينوميات الوراثية لمراقبة حجم انتشار الوباء. وتساعد هذه الطريقة في تحديد منشأ بعض الحالات عندما يفشل تعقّب مخالطي المصابين في تحديد المنشأ.

لكن بما أن الإجراءات من هذا النوع تعتمد على أخذ عيّنات على نحوٍ واسع، وفي مناطق حيث الفحص التشخيصي فيها محدود، فستكون هناك فجوات في الداتا الوراثية.

في أستراليا، وقبل الإبلاغ عن أول إصابة قادمة من ووهان بالصين، في 19 كانون الثاني، كان الباحثون في مختبر ملبورن، حيث يدرسون عادةً الأمراض المنقولة من خلال الأغذية، يستعدّون لاستخراج السلاسل الوراثية لفيروس كورونا المستجدّ، في ولاية فيكتوريا. ويقول تورستين سيمان (Torsten Seemann) عالم المعلوماتية الحيوية في وحدة التشخيص الميكروبولوجي في مختبر الصحة العامة بمؤسسة بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة في ملبورن: “قرّرنا استخراج الجينوم الوراثي للفيروس من كلّ مصاب يصل إلينا”. وإلى الآن، تمكّن فريق سيمان من الحصول على ثلاثة أرباع السلاسل الوراثية للعدد الإجمالي من الإصابات في الولاية، ويقدّرون بـ1700 إصابة، وهذه هي التغطية الأكثر شمولاً للسلاسل الوراثية لأيّ انتشار وبائي في العالم. وبالمقارنة، فإن الباحثين أثناء وباء فيروس إيبولا أفريقيا الغربية بين عامي 2014 و2016، عملوا على استخراج السلاسل الوراثية لـ5% فقط من كلّ حالات الإصابة (1,610 عيّنة) خلال أقلّ من ثلاث سنوات.

ولقد ساعدت المعطيات الوراثية في اكتشاف مصدر إصابة عامل في الرعاية الصحية، عندما أثبتت أنه قد أُصيب بالعدوى خلال لقاء اجتماعي وليس عن طريق مريض بالمستشفى. “فمن دون الجينوميات الوراثية، لم يكن ممكناً إطلاقاً معرفة مصدر الإصابة من خلال استجواب المصاب”، كما يقول سيمان. فالمعلومة المستقاة من الجينوم الوراثي أغنت الباحثين عن التحقيق في إمكانية انتشار الوباء في المستشفى.

إعادة فتح الحدود

ستكون المعطيات الوراثية مهمّة على وجه خاص عندما تُستأنف رحلات السفر بين الولايات الأسترالية علماً أن الحدود قد أقُفلت فيما بينها منذ شهر آذار الماضي. لكن من المتوقّع ظهور حالات جديدة من الإصابة بالوباء عندما تُفتح الحدود. وخلال الشهرين الماضيين، تحوّرت الجينومات الوراثية للفيروس بالقدر الكافي للدلالة على مصدرها خارج الولاية، كما يقول الباحثون. “ومتى حصلنا على السلسلة الوراثية، فسنكون قادرين على تأكيد وصول الفيروس سواء أكان عبر الحدود أم لا”، بحسب تعبير سيمان.

وقام علماء في نيوزلندا باستخلاص السلاسل الوراثية لنحو 25% من الحالات المسجّلة في البلاد أي ما قدره 1,154 حالة. ويأملون بالحصول على سلاسل أكثر من 70% من الإصابات لتحصيل أكمل صورة ممكنة عن الوباء، كما يقول جويب دي ليغت (Joep de Ligt) كبير الباحثين في مجال المعلوماتية الحيوية في معهد العلم البيئي والبحث قرب ولينتغتون.

انتشار الوباء اجتماعياً

وفي بريطانيا، حيث توجد حالات كثيرة بالوباء، تشكّل في آذار الماضي كونسورتيوم الجينوميات الوراثية في المملكة المتحدة، ويتضمّن مراكز أبحاث ومختبرات جامعية. وقام هذا المجمّع بتعقّب عشرين ألف سلسلة وراثية، وهي تمثّل 10% تقريباً من الحالات المثبتة بكوفيد-19 في البلاد، بحسب ما يقول نيك لومان (Nick Loman) العالم في المعلوماتية الحيوية بجامعة برمينغهام التي هي عضو في الكونسورتيوم. وكان لومان أحد أعضاء الفريق الذي نسّق عمل أدوات الرقابة الوراثية السريعة إبّان وباء إيبولا، وهي التي تُستعمل في الوباء الحالي.

تأمل ميرو أن يُعتمد هذا النوع من التحليل في البلدان ذات الموارد المحدودة، في المنطقة الآسيوية – الباسفيكية، كما كان الحال إبان وباء إيبولا في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وسيراليون وغينيا

الفريق البريطاني لم يضع هدفاً مماثلاً للفريق النيوزيلندي، كما يقول لومان، من ناحية أن الإصابات في بريطانيا كثيرة جداً، إذ وصلت إلى نحو 265 ألف مصاب في 27 أيار الماضي. وبدلاً من ذلك، فقد اهتمّ الفريق البريطاني بالحصول على عيّنات نموذجية للسلاسل الوراثية من كلّ أنحاء المملكة المتحدة، والتي يمكن أن تدعم الدراسات الوبائية.

 تسلل عبر الشقوق

لكن استعمال العلم الوراثي كجزء من الاستجابة للوباء، له حدوده التي يقف عندها، كما يقول العالم جويب دي ليغت. فمن غير المتوقّع أن يُفحص الأفراد المصابون دون أن تظهر لديهم أعراض المرض. “وثمة خطر حقيقي أن شيئاً ما سيتملّص منا عبر الشقوق”. من جهة أخرى، فإن الرقابة الوراثية، تعتمد كذلك على الفحص الواسع النطاق، لالتقاط السلاسل الوراثية في المقام الأول، كما يقول لومان. أما المملكة المتحدة، فقد غمرتها الإصابات وكانت بطيئة في إجراء الفحوص، “وهناك إمكانية دائمة بأن يفوتك استخلاص عيّنات بعض الحالات”. ويؤكد لومان، أن الرقابة الجينومية العالمية ستكون مهمّة عندما تُستأنف الرحلات الجوية الدولية.

بالمقابل، فإن استعمال التحليل الوراثي للفيروس ما زال محصوراً في البلدان الغنية كما تقول ميرو شيل (Meru Sheel) عالمة الأوبئة في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا. وتأمل ميرو أن يُعتمد هذا النوع من التحليل في البلدان ذات الموارد المحدودة، في المنطقة الآسيوية – الباسفيكية، كما كان الحال إبان وباء إيبولا في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وسيراليون وغينيا.

 

لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…