ينقل أحدهم، وما اعتاد أن ينقل إلاّ ما يقال عنه في عالم الإعلام “المعلومة الصلبة”، أنّ السيّد حسن نصر الله وفي جلسة خاصة أبدى إعجابه برئيس الحكومة حسان دياب، واستطرد بالكلام: “نحن بحاجة لرئيس للجمهورية يشبه حسّان دياب”.
يكاد أن يخرج الأمين العام لحزب الله على جمهوره وعلينا كما خرج غداة حرب تموز 2006، ليقول لنا: “لو كنتُ أعلم أنّ التحالف مع التيار الوطني الحر والإتيان بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، سيؤدي إلى ما وصلنا إليه، ما كنتُ أقدمت”.
“لو”، في اللغة هي حرف “امتناع لامتناع”، أيّ “امتناع الجواب لامتناع الشرط”. وتأتي “لو” في اللغة أيضاً، كاسم، وهي فاعل من “لَوَيَ”، ومعناها “اللّوّ” أي العاطل. ويقال: “هو لا يعرف الحوَ من اللّوّ”، أي لا يعرف الحق من الباطل.
“لو” السيّد نصر الله، التي قالها في تموز 2006 أو ما يوشك أن يقولها صيف 2020، تحمل في طياتها معنى الحرف كما معنى الاسم، فهي امتناع لامتناع، أي لو لم يخطف عناصره جنود الاحتلال الإسرائيلي ما حصلت حرب تموز. فلو امتنع الخطف لامتنعت الحرب. ولو لم ينتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لما كانت الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه، بخاصة واقع الابتزاز الذي يمارسه التيار الوطني ورئيسه جبران باسيل مع الحزب وأمينه العام…
إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب .. ستسقط حكومة دياب
كما أنه يطابق المعنى لو كانت “لو” هي الاسم، فالسيّد حسن نصر الله، ووفقاً لإقراره في حرب تموز، لم يميّز بين الصواب والخطأ عندما اتخذ قرار اختطاف الجنود الإسرائيليين، وكذلك عندما قرّر التحالف مع التيار الوطني الحر وانتخاب العماد عون رئيساً.
في تموز 2006 وعشية العملية التي نفّذها حزب الله عبر الحدود ضد دورية إسرائيلية مختطفاً جنديين صهيونيين، وصفت الحكومة السعودية العملية بأنّها “مغامرة غير محسوبة”. فقامت الدنيا في وسط ما يسمى “محور المقاومة”، ولم تقعد اعتراضاً على هذا التوصيف السعودي لفعل حزب الله في حينه. بعد أربعة عشر عاماً، تستعاد الحكاية في حلقة جديدة من مسلسل لا يبدو أنه غير قابل للنهاية، عنوانه: “لو”.
حزب الله، بقيادة السيّد حسن نصر الله، يقود لبنان واللبنانيين بمنطق المغامرة لا منطق الرؤية المدروسة المُحْكَمة، التي تحاكي أضلع السلطة وتسيير أمور الناس. فالقرار العسكري عند حزب الله لا علاقة له بالواقع الاقتصادي. وإن تكلّم الحزب بالاقتصاد، يقارب الأمر من واقع العسكريتاريا.
ألم ينصحنا السيّد حسن بأسواق العراق والصين وطبعاً الجارة سوريا؟ وهكذا فعل قبل أيام نائب رئيس المجلس الشيعي الشيخ علي الخطيب؟!.. لقد خاض حزب الله حرب تموز 2006 بمنطق المغامرة، وهو منطق يسمح له بحصد الغُنُم وحده وبتوزيع الغُرُم، كلّ الغرم، على الشعب اللبناني بأكمله. هذا ما حصل، والحزب ما زال حتى اليوم يحتفل بالنصر الإلهي، وما زلنا نحن الشعب اللبناني ندفع فاتورة إعمار ما تهدّم من الحجر والبشر والاقتصاد حتى هذه اللحظة. وبمنطق المغامرة أيضاً، حاصر حزب الله السراي الحكومي مطالباً بإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أواخر عام 2006. وعلى قاعدة “لو”، ومع فشل الحصار الذي استمر لما يزيد عن السنة، والذي شلّ الاقتصاد والحركة التجارية في وسط العاصمة، عالج الحزب المغامرة بالمغامرة فذهب إلى اجتياح بيروت والجبل في 7 أيار 2008، فكان اتفاق الدوحة الذي يدفع الحزب ثمنه اليوم بعدما اعتقد بمغامرته أنّه نصر له.
أزمة لبنان هي أزمة الذهاب إلى سوريا، التي قام بها حزب الله عام 2012، وحلّها يبدأ أولاً بالعودة من سوريا لا الذهاب إليها
ثم كان دعم الحزب لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وما قام به من تعطيل للعملية الانتخابية الرئاسية وتداعياتها على الاقتصاد والعملة الوطنية حتّى أخضع الجميع لإرادة الحزب، فانتخب العماد عون رئيساً. مغامرة جديدة أصرّ عليها الحزب رغم معارضة حلفائه لها من الرئيس نبيه بري وصولاً إلى سليمان فرنجية.
قيادة الدول والأنظمة ومعها الشعوب ومصالحها، لا يمكن أن تكون ولم تكن يوماً وفقاً لمنطق المغامرة، أكانت مغامرة فردية يخرج بها شخص ما، أو مغامرة جماعية لمجموعة سياسية أو طائفية أو عقائدية. قيادة الدول والشعوب لا يمكن أن تكون، إلا وفقاً لرؤى سياسية واقتصادية واجتماعية وخطط مدروسة، توضع لتنفيذ هذه الرؤى ومواءمتها مع الواقع المحلي والخارجي. فلا حياة لدولة بمعزل عن المجتمع الدولي الذي يُشكّل المجال الحيوي الاقتصادي والثقافي وحتى الأمني لهذه الدولة، ومن دونه مصيرها الاختناق.
لا يمكن للبنان أن يحلّ أزمته المالية والاقتصادية بالانفتاح على النظام السوري، وعبر أسواق العراق والصين. فعلى قاعدة المثل الشعبي القائل “عصفور كفل زرزور والتنين طيارين”، فإن تشديد الرقابة على الصيارفة في لبنان، أفقد العملة السورية ربع قيمتها خلال أسبوع. فكيف يمكن لواقع مالي مريض كهذا أن يشكّل حالة إنقاذية للبنان.
أزمة لبنان هي أزمة الذهاب إلى سوريا، التي قام بها حزب الله عام 2012، وحلّها يبدأ أولاً بالعودة من سوريا لا الذهاب إليها. على حزب الله أن يدرك أن اللبنانيين ينتظرون عودته من دمشق لا أن يجلس الحزب وسلاحه ومغامراته في ساحة المرجة بدمشق منتظراً أن يأتي اللبنانيون دولة وشعباً إليه.
لقد انتهى زمن المغامرات. هذا ما يجب على حزب الله أن يدركه. وأيّ مسلسل يصل إلى حلقته الأخيرة يصبح ممّلاً ورتيباً ولا طائل منه، فكيف إن كان مسلسلاً يجلب الدمار والخراب والفقر والجوع إلى اللبنانيين، حتّى وإن كان اسمه “لو”.