باسيل “يتدلل” على سبب وجوده

مدة القراءة 5 د


يقول ابن سهل الأندلسي “لما رآني في هواه مُتيّماً… عرفَ الحبيبُ مقامَه فتدلّلا”. لعلّ بيت الشعر هذا يختصر العلاقة بين رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وبين قيادة “حزب الله”. العلاقة بين حارة حريك والبيّاضة (حيث يسكن جبران باسيل) مرّت بصواعد وهوابط كثيرة قبل ذلك، لكنّها لم تتأثّر.

لتبرير “الحَرَد الباسيلي” أو “التموضع” المستجدّ، ربط البعض ذلك بقانون “قيصر” الأميركي الذي يفرض عقوبات على نظام الأسد ويبدأ العمل به الشهر المقبل. قيل إن التبدّل الذي أصاب مزاج  باسيل السياسي، ربما هو نابع من الخوف من أن تطاله العقوبات، لكنّ هذا الكلام لا دلائل جديّة عليه حتى اللحظة، لأنّ واشنطن لم تكن مضطرة لانتظار “قانون قيصر” حتى تفرض عقوبات على حلفاء “حزب الله”.

إقرأ أيضاً: سرّ جبران باسيل

تورّط باسيل بالعلاقة مع الحزب قديم وعميق، وواشنطن قادرة على اختلاق الأسباب الموجبة والذرائع المقنعة بلحظات لو أرادت، لكنّها لم تُظهر نيةً لإدراج أيّ قيادي مسيحي على لوائح الإرهاب خاصتها أبداً (هناك المحاسب اللبناني طوني صعب الذي أُدرج على لوائح الخزينة الأميركية نهاية العام الفائت، لكنّه ليس قيادياً).

قبل الحديث عن شكل الخلاف بين “حزب الله” وجبران باسيل ومصيره، لا ضيم من إخضاع العلاقة بينهما إلى التشريح. حاجة “حزب الله” لجبران باسيل يحرّكها “الغطاء” السياسي. يعلم باسيل حجم الحاجة إلى حزبه وإلى الكتلة النيابية المسيحية في البرلمان، لأنّ أحداً من الحلفاء الآخرين غير قادر على تأمين غطاء مسيحي للحزب مثل ذاك الذي يقدّمه له “التيار الوطني الحر” منذ الانتخابات النيابية في العام 2009 والأخيرة في العام 2018 التي أرفدته بنحو 29 نائباً مسيحياً يحرّكهم عصب مسيحيّ على رأسه شخصية مثل ميشال عون.

أنّ يرفع جبران باسيل لواء “حقوق المسيحيين” ويقاتل من أجلها ولو بعنصرية نافرة في كثير من المرات، ويتحالف في الوقت نفسه مع “حزب الله”، يعني أنّه نقل صورة إلى الخارج تُخبر بالهمس والإيحاء، أنّ طروحات “حزب الله” العقائدية لطيفة ولا تثير أيّ حساسية، بدليل أنها “مقبولة” من أكثر الناس تهديداً لهويتهم، وأكثرهم تمسكاً بمسيحيّتهم في لبنان.

هذا الشعار يضيف إلى التحالف بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” نكهة خاصة يصعب على شخصيات مستقلة أو مسيحية وسطية أن تؤمّنها. دور يصعب على رئيس حزب “المردة” سليمان فرنجية أن يلعبه بخمسة نواب في “التكتل الوطني” إلى جانب الوزير الأسبق فيصل كرامي وفريد هيكل الخازن، يتركّز حضورهم في الشمال فقط.

أما حاجة باسيل لـ”حزب الله” فمختلفة، وتحرّكها غاية واحدة تُختصر في قدرة “حزب الله” على “التعطيل”. ذاك التعطيل الذي استطاع الحزب أن يُطوّع اللبنانيين وقوى 14 آذار بواسطته في أكثر من استحقاق. عطّل مجلس الوزراء عام 2007 بعد استقالة الوزراء الشيعة ورمى الحكومة بتهمة الـ”لا شرعية” (بسبب المحكمة الدولية في حينه)، ثم عطّل المجلس النيابي مستعيناً بحليفه الرئيس نبيه بري من أجل إقفاله. معاركه الحكومية في عهد الرئيس ميشال سليمان كانت كلها لنيل “الثلث المعطّل” أيضاً (ما زلنا في التعطيل)، وبعد ذلك عطّل الانتخابات الرئاسية لسنتين من أجل فرض مرشحه ميشال عون رئيساً.

تصالح “حزب الله” مع المنطق يُضعف مشروع باسيل ويصيبه بالنكسات. بدا ذلك جليّاً في مجلس الوزراء قبل أسبوعين، حين صوّت وزراء الحزب مع رجاحة العقل والحرص على أموال خزينة الدولة، مسقطين مشروع إقامة معمل للكهرباء في سلعاتا “الباسيلية”

يعلم باسيل أنّ لحليفه “ميثاقاً غليظاً”. فقد سبق أن وعد حماه ميشال عون برئاسة الجمهورية على مدى عشر سنوات، وصدق وعده، وإن على حساب تضييع سنوات من أعمار اللبنانيين وأرزاقهم، وعلى حساب تعطيل الدستور وخرق أعرافه ومنطقه.

باسيل الذي يتطلّع إلى الرئاسة يريد الأمر نفسه. يطمح إلى أن يعيد التجربة، لكنّه يعلم أنّه لن يكون قادراً في العام 2022 على حصد التوافق النيابي المطلوب حوله، إلاّ من خلال سلاح “التعطيل” وخرق الدستور الذي يملكه الحزب بقوّة البندقية. أمر يصعب على قيادة “حزب الله” تقديم وعد به من اليوم. ولم يتمكّن باسيل من انتزاع تعهّد صريح من قيادة “حزب الله” يقضي ببلوغه قصر بعبدا، بعد.

كما أنّ تصالح “حزب الله” مع المنطق يُضعف مشروع باسيل ويصيبه بالنكسات. بدا ذلك جليّاً في مجلس الوزراء قبل أسبوعين، حين صوّت وزراء الحزب مع رجاحة العقل والحرص على أموال خزينة الدولة، مسقطين مشروع إقامة معمل للكهرباء في سلعاتا “الباسيلية”.

صبغ باسيل مشروع سلعاتا بشعار “حقوق المسيحيين”، الذي يستخدمه دوماً. لكن لم تمرّ الحيلة ولم تنطلِ على أحد. وكان “خواء الخزينة” شعاراً أقوى. شعر باسيل أنّ الحزب عاد إلى رشده وصوابه (أقلّه في مشروع سلعاتا)، ففقد هو صوابه، ثم راح يبعث بالرسائل المبطّنة عبر نوابِ التيار وقيادييه ومُغرّديه، مهدّداً بالانقلاب على سلاح “حزب الله” الذي أوصله إلى ما هو فيه اليوم… أفلا يتدلّلا؟

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…