الفاخوري مشروعٌ وليس شخصاً (2/1): هل يعود لينتقم؟

مدة القراءة 5 د


لا يمكن اعتبار عامر فاخوري شخصية عادية، فهو حظي بالاهتمام الشخصي والمباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما لقي دعم وإجماع نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين كانوا في صدد التقدّم بمشروع قانون إلى الكونغرس ومجلس الشيوخ لفرض عقوباتٍ على لبنان بسبب احتجاز حرية مواطنين أميركيين.

كذلك هدّد وزير الخارجية مايك بومبيو أكثر من مرة لبنان أنه سيواجه عقوباتٍ قاسيةً وعواقبَ وخيمة في حال استمرار احتجاز فاخوري، وهو أجرى أكثر من اتصال مع الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين لتأمين المخارج الكفيلة بإطلاق سراحه، كما أنّ السفيرتين الأميركيتين السابقة اليزابيت ريتشارد والجديدة دورثي شيا، كانت آخر وأولى مهمات كلّ منهما الاجتماع بالرؤساء وتوجيه رسائل مباشرة لهم بضرورة إطلاق فاخوري قبل أن ينفد صبر الإدارة الأميركية.

إقرأ أيضاً: الفاخوري… “كادو” من بعبدا لسفيرة أميركا الجديدة

هذا الوزن الذي يتمتع به فاخوري لا يقتصر على الضفة الأميركية، وما لا يعلمه الكثيرون أنّه يتمتع بعلاقات واسعة في الأوساط السياسية والعسكرية والمدنية اللبنانية، فصوره مع الشخصيات العسكرية والسياسية، التي برزت بعد توقيفه، تدلّ على عمق تواصله مع هذه القيادات. بل إنّ صداقاته تمتدّ عميقاً أيضاً مع مجموعات واسعة من الضباط المتقاعدين، ومع رؤساء بلديات وفعاليات مختلفة، فضلاً عن مناصرين منتشرين وفاعلين، يتعاطون معه على أنّه مثل غيره من الذين سبق أن شاركوا في الحرب ينطبق عليهم مبدأ “العفو العام”، وعليه، لا إشكالية في التعاون معه على هذا الأساس، وربما يختصر كلّ هذا التوصيف الاستقبالُ الرسميّ الذي حظي به في مطار رفيق الحريري عندما تولى ضابط في الجيش برتبة عقيد استقباله ومرافقته عند وصوله من الولايات المتحدة.

عاد عامر فاخوري إلى لبنان في شهر أيلول من العام 2019، بعدما تلقـّى تطميناتٍ رفيعة المستوى بأنّ ملفاته القضائية قد طويت بحكم مرور الزمن وأنّ باستطاعته مواصلة حياته الطبيعية من دون عوائقَ أو قيود، خصوصاً أنّه كان قد أجرى سلسلةً طويلة من اللقاءات والاجتماعات مع قياداتٍ لبنانية رسمية وحزبية من دون أن يظهر أنّ تاريخه السابق كضابط في جيش العميل أنطوان لحد سيشكّل عقبة في وجه تطلعاته المستقبلية.

لا يعرف اللبنانيون من أيقظ الأمن العام والقضاء العسكري على ملف عامر فاخوري الذي سبق له أن دخل لبنان وخرج منه من دون أيّ إشكال، وانتهى المشهد به موقوفاً ليصبح مادة تجاذب سياسي محليّ وإقليميّ ودوليّ، حيث كانت طموحات “حزب الله” أن يشكّل ملفـُه مكسباً في سياق الصراع المندلع بين طهران وواشنطن.

كشف الوزير السابق وئام وهاب طموحات فريقه في حديث تلفزيوني وحدّد أهدافه على النحو الآتي:

ــ الدمج بين مصالح “حزب الله” الخاصة ومصالح الدولة اللبنانية العليا، واعتبار الفاخوري “أسير” حرب يجري التفاوض عليه على هذا الأساس.

ــ أن يتمكن الحزب (لبنانياً) من مقايضة الفاخوري بقاسم تاج الدين، رجل الأعمال الشيعي المدرج من قبل وزارة الخزانة على لائحة العقوبات بتهمة “تبييض الأموال واستخدامها في دعم نشاطات إرهابية وإدارة العديد من الشركات التي تغطي أعمال حزب الله في أفريقيا”.

ــ أن يدفع الأميركيون الدول الخليجية، وتحديداً السعودية، إلى دفع الأموال للبنان.

كان هذا هو الطموح الأعلى لـ”حزب الله”، لكنّ الجانب الأميركي لم يكن مستعداً لأي نوعٍ من أنواع التفاوض، فأشهر سلاح العقوبات في وجه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أولاً، ثم في وجه الدولة اللبنانية بأسرها تالياً، فانتهت المواجهة بإعلان وهاب نفسه بأن لبنان لا يستطيع رفض الطلب الأميركي.

لا شكّ بأنّ الأسئلة الصعبة باتت تراكم نفسها في البيئة الشيعية التي باتت اليوم محاصرة بكل أنواع اللعنات من العقوبات إلى الانهيار وليس انتهاء بجائحة كورونا التي تفتك بهذه البيئة بصمتٍ مخيف

لا يستطيع “حزب الله” ادّعاء الغضب لإطلاق سراح فاخوري، لأنّ الجميع يعلم أنّ هذا القرار لا يمكن أن يصدر بدون موافقة تامة وكاملة وتفصيلية حول كلّ الخطوات من رأس الحزب، نظراً لأهمية وحساسية القضية، فهو كان بمثابة “أسير” لدى الحزب بعهدة الدولة اللبنانية، ولا شكّ أنّ الموقف مُحرِج بالنسبة إليه في لحظته الآنيـّة، لأنّه يمثل أحد المشاهد الكاشفة لحقيقة سلوك قيادة “حزب الله” وكيفية إدارتها للصفقات التي بموجبها تسقط قدسية دماء الشهداء وعذابات الأسرى، وتصبح متطلبات السلطة هي الأولوية المطلقة، خصوصاً أنّ المتهم بالعمالة فاخوري لم يكن الوحيد الذي شـُطب اسمه من النشرة الإجرامية، بل سبقه المئات ممن تمت تسوية ملفاتهم في إطار تنفيذ ورقة التفاهم بين الحزب وبين “التيار الوطني الحر” التي تنصّ على هذه التسوية.

عبّر عن هذه الحقيقة أبناءُ بيئة حزب الله قبل غيرهم، وكان النائب جميل السيّد السبـّاق بينهم عندما قال: “لا يمكن أن تجرؤ المحكمة (العسكرية) بمفردها على تبرئة فاخوري” كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي آلاف المنشورات والتغريدات التي تعبّر عن “الصدمة” من قرار إطلاق فاخوري.

لكن لا شكّ بأنّ الأسئلة الصعبة باتت تراكم نفسها في البيئة الشيعية التي باتت اليوم محاصرة بكل أنواع اللعنات من العقوبات إلى الانهيار وليس انتهاء بجائحة كورونا التي تفتك بهذه البيئة بصمتٍ مخيف.

قد يكون مفاجئاً لكثيرين الكشفُ بأنّ عامر فاخوري كان بصدد التحضير للعمل السياسي في لبنان وإطلاق تيار شعبي مستند إلى متانة علاقاته في الشارع المسيحي وإلى الغطاء الدولي الذي تؤمنه له علاقاته الأميركية، وهو كان قد باشر بتحضير كل ما يلزم من مقرّ إقامةٍ ومستلزماتٍ لوجستية، وكان مجيئه إلى لبنان لهذه الغاية. لكنّ الواضح أنّ هناك متضرّراً كان يعرف بخلفية ونيات فاخوري، فنصب له الفخّ وأوقع به لمنعه من استكمال هذا المسار.

فهل انتهى مشروع فاخوري بهذه الضربة، أم أنه سيعود لينتقم؟

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…