الانتشار السريع لفيروس كورونا في كل أنحاء العالم أثار الكثير من النقاشات والسجالات في الأوساط الدينية الإسلامية والمسيحية. وقد شارك المتدينون في لبنان في هذه النقاشات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال المواقف والنصوص والتعليقات على الإجراءات التي اتّخذتها بعض المؤسسات الدينية الرسمية والأهلية.
في البداية، ولأنّ الفيروس انتشر من الصين، بدأ بعض المسلمين المتدينين بالادعاء أنّ انتشاره في الصين هو “ردٌّ إلهيٌّ على الجرائم التي يرتكبها الصينيون ضد المسلمين في هذا البلد، وما يقومون به من أعمال منافية للتعاليم الإلهية”. ولاحقاً جرى توزيع فيديوهات وتقارير عن قيام السلطات الصينية بتوزيع نسخ من القرآن الكريم على المصابين بالكورونا لمواجهة آثار هذا المرض. وعندما وصل المرض إلى إيران، أطلق المعادون لإيران مقولات منها أنّ “ذلك هو انتقام مما تقوم به السلطات الإيرانية في بعض البلدان العربية”. لكن عندما بدأ الانتشار في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وراح يعمّ العالم والدول العربية والإسلامية دون أن يميّز بين صيني وعربي ومسلم وأوروبي وأميركي، بدأنا نشهد تغيّراً في الخطاب الديني وفي الحديث عن كيفية مواجهة المرض.
إقرأ أيضاً: عن حملات شبابية مجانية لتوصيل الحاجات إلى منازل الحجر الطوعي
ففي حين اعتبر البعض أنّ الكورونا انتقام إلهيّ من كل البشر بسبب الفساد وانتشار الآثام والمحرمات وأنّ الحلّ “بالعودة إلى الله”، اتجهت أوساط متدينة أخرى بالبحث عن الأبعاد السياسية لهذا المرض ومن يقف خلفه وهل هو صراع دولي بين أميركا من جهة والصين وإيران من جهة أخرى؟ في حين بدأت تنتشر أحاديث منسوبة إلى بعض الأئمة أو المحدّثين الشيعة بأنّ هذا الفيروس هو “بداية نهاية الكون وتمهيد لظهور الإمام المهدي”. حتّى إنّ أحد الشيوخ الإيرانيين دعا إلى عدم مواجهة المرض والسماح بانتشاره معتبراً أنّ هذه الابتلاءات هذه هي أحسن فرصة لتبيان ضرورة إتيان مخلّص عالمي لكل البشرية. وعمد مشايخ جهلة ومتديّنين إلى الدعوة لاعتماد بعض الحجابات أو الممارسات المشعوذة من أجل وقف المرض ومنع التأثر به.
A group of Muslims in Qom and Mashhad (Iran) are trying to force open the doors of a shrine which was closed to prevent the spread of coronavirus
Scientists finally find a way to treat coronavirus, but what about Islamvirus?
Which vaccine can cure Islamvirus? pic.twitter.com/65AOSDVkcI
— جمهوری بی خدایان (@ar_persian1) March 17, 2020
في موازاة ذلك ساد نقاش بين جهات دينية رسمية حول كيفية التعامل مع انتشار المرض وهل يسمح بإغلاق المساجد والكنائس والمراقد والمراكز الدينية؟ وهل يمكن وقف اقامة صلوات الجماعة والجمعة لمنع الانتشار أو تستمرّ الصلوات مع اتّخاذ الاحتياطات المناسبة؟
وفي مواجهة الخرافات وبعض المقولات الدينية غير المبنية على أسس متينة أو القائمة على تفسيرات غير صحيحة للنصوص الدينية، بدأت العقلانية تنتشر في أوساط دينية رسمية وغير رسمية وبين مراجع دينية وجهات دينية حول العالم، إسلامية ومسيحية، فاتّخذت قرارات بوقف صلوات الجماعة والجمعة في معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي، وأوقفت القداديس الكبيرة، خصوصاً في الفاتيكان، من قبل البابا فرانسيس، وبدأ علماء دين وجهات مؤثرة في بيئات دينية، بالدعوة إلى اعتماد العلوم والجهات الصحيّة المختصة من أجل مواجهة الكورونا وانتشاره. وصدرت فتاوى دينية تعتبر الالتزام بالتعاليم الصحية والوقائية أمراً واجباً وأن عدم الالتزام بها يشكّل مخالفة دينية وإثماً شرعياً، إضافة إلى كونه مخالفة إنسانية وطبية. وحتى في عادات الدفن والعزاء تغيرت القواعد وجرى تعميم أسس جديدة مخالفة لكل ما سبق، ووصلت الدعوات إلى منع المصافحة والتقبيل والاكتفاء بالسلام عن بعد.
وفي مواجهة الخرافات والأساطير، نُشرت مقالات ونصوص لعلماء ومفكرين دينيين تدعو إلى التعاطي مع هذا الوباء وفقاً للأسس العلمية والسُنن الكونيّة ومن خلال دراسة ما يحصل في العالم من كوارث بيئية وتعديات على الطبيعة. ومن هذه المقالات ما كتبه القاضي الشيخ الدكتور محمد نقري في جريدة “اللواء” وعلى صفحته على الفايسبوك تحت عنوان: “في إدارة علماء الدين للأزمات وقت انتشار الأوبئة”، ودعا خلاله إلى “اتّخاذ سلسلة إجراءات عملية لمواجهة الوباء بناء على توصيات الرسول محمد في مواجهة الطاعون”.
كما أصدرت “مؤسسة أديان” في لبنان بياناً طالب جميع الهيئات الدينية والمؤسسات المرتبطة بها للتعاطي بجدية مع هذا الوباء واتّخاذ كل الإجراءات لمنع تفاقمه ومنها وقف الصلوات في الكنائس.
كما عمد العلامة السيد علي فضل الله إلى تخصيص قسم من صلاة الجمعة (قبل اتّخاذ قرار بوقفها) لتلاوة تعاليم صحيّة من أحد المختصّين في كيفية مواجهة الوباء، وركّزت مواقفه وخطاباته على التعاطي بمنظور علمي مع الوباء، وتمّ نشر فيديو قديم للإمام موسى الصدر يؤكّد خلاله الراحل على “ضرورة التعاطي العلمي مع الوباء من خلال المنظور البشري والكوني”.
وكتبت الأستاذة إيمان شمس الدين، وهي كاتبة إسلامية في الكويت، مقالاً بعنوان: “كورونا وحاضرية العلم والدين والمقدس” اعتبرت خلاله أنّ الدين “لا يتدخل في العلم بل يسانده ويدعمه ويؤنسنه في مواجهة الأوبئة والأمراض”.
فيروس كورونا فرض نقاشات كبيرة، سواء في الأوساط الدينية أو الفكرية أو الفلسفية والعلمية والصحية والتربوية وعلماء النفس والاجتماع وصولاً إلى الأوساط السياسية والاستراتيجية أو غيرها
ونشر الدكتور الشيخ محمد شقير مقالاً في جريدة “الأخبار” تحت عنوان: “الدين في الأمن الصحي: القداسة لا تلغي المسؤولية”. ونُشِرت مقالات ودراسات عديدة حول العالم لعلماء ومفكّرين مسلمين ومسيحيين تؤكّد على البعد العلمي فيما يجري وضرورة الالتزام بكل المعايير الصحية والبيئية لمواجهة الكورونا.
إضافة إلى ذلك كانت الدعوة لأخذ العِبر مما يجري والاستفادة من الروح الإيمانية والدينية الإيجابية لمواجهة آثار انتشار الوباء وتداعياته. وكما هي العادة في الأوقات الصعبة والحروب والأزمات، فإنّ العودة إلى الدين تشكّل إحدى أشكال الصمود والصبر والتضامن والتكافل والمواجهة.
فيروس كورونا فرض نقاشات كبيرة، سواء في الأوساط الدينية أو الفكرية أو الفلسفية والعلمية والصحية والتربوية وعلماء النفس والاجتماع وصولاً إلى الأوساط السياسية والاستراتيجية أو غيرها. وكانت النقاشات والسجالات في الأوساط الدينية تأخذ أبعاداً أكثر إشكالية. لكن من الواضح أنّ المنطق العقلي والعلمي يتقدم على منطق الخرافات والأساطير. وما يجري اليوم فرصة جديدة لإعادة التأمل في الكون والعالم ودور الدين والعلم والفلسفة وما تتعرّض له البيئة من مخاطر وكوارث.
إنّها لحظة جديدة تحتاج منّا إلى الكثير من التفكّر والتأمّل والتعلّم من جديد.
them: so what’s your ideology?
me:— Nina ☦️ Byzantina (@NinaByzantina) March 4, 2020