حكاية لينا التي حُرمت من إبنتها.. حيّة وميتة

مدة القراءة 5 د


ماتت مايا ولن تعود، لكنّ للأم عزاء وحيد، معرفة ظروف موت ابنتها، وإجراء تحقيق شفّاف وموسّع دون أيّ غطاء سياسي، نظراً لما يُحكى عن نفوذ الأب وسلطانه. وثاني مطالبها إزالة السياج الشائك من حول القبر، بحسب مصادر عائلتها لموقع “أساس”.

“الله عالظالم يا ماما”، تكرّر لينا جابر، الأم المفجوعة التي حرمتها المحكمة الجعفرية من حضانة ابنتها. وهي لم ترَ ابنتها لمدّة سنتين، إلى أن توفيت الابنة في ظروف يقال إنّها غامضة، وحُرمت الأم من حضور الجنازة، ومن زيارة قبر ابنتها بعد الموت… وخلف سياج شائك تبكي الأم، في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. تبكي حرمان ابنتها وفراقها من بعيد.

ليست لينا الأم الوحيدة التي تواجه هذه الأحكام الظالمة بحقّ الأمهات. وبالرغم من ذلك أكّد رئيس المحاكم الجعفرية في لبنان، القاضي الشيخ محمد كنعان، في ندوة كان ضيفها العام الماضي، أنّ “أحكام الله لن تتغيّر”، معتبراً أنّ ما يحكم به القضاة في المحاكم، هي “أحكام الله” حُكماً، رغم أنّها أحكام اجتهادية، لا مجرد تطبيق للنصوص.

إقرأ أيضاً: طفلٌ وعُنفان… وأمٌّ بيولوجية واحدة

ورفض الشيخ كنعان، خلال الندوة التي انتشرت أخبارها، ولا تزال تنتشر إلى اليوم، أن يستمع إلى قصص الأمهات اللواتي كنّ حضرنَ ليروينها، ورفض الاستماع إلى محامٍ ومستشارة نفسية، كما رفض الإجابة عن التساؤلات والاستفسارات، مكتفياً بأنّ “أحكام الله لن تتغير”.

تقول مصادر العائلة (وقد طلبت عدم الإفصاح عن الاسم) إنّ الابنة “دُفنت بسرعة ورواية الأب حول وفاتها عن طريق الخطأ أثناء لهوها بالمسدّس غير صحيحة وليست منطقية، لأنّه من المعروف أنّ مايا تخاف من الأسلحة، وهي التي كانت تخاف من قطع السلاح داخل المنزل، وتعاني من فوبيا أمامها، ولا تقترب منها أبداً”. وتضيف المصادر: “من المعروف أيضاً أنّ الأب لا يفارق مسدسه، ولا لحظة، فضلاً عن أنّ نظرية موتها انتحاراً غير واردة لأنّها في اليوم نفسه نشرت فيديو وهي تغنّي مع صديقتها، وكانت تبدو سعيدة جداً”.

تطرح العائلة بعض التساؤلات حول ظروف الموت “الغامضة”. فقد عاشت مايا مع عمّاتها وهنّ من قمن بتربيتها بعد طلاق أمّها، لكنهنّ لم توجدن في المستشفى عندما نُقلت مايا إليها، علماً أنّ الأقارب وبعض أهالي الضيعة حضروا. وقد بدا هذا الأمر مستغرباً بالنسبة للأقارب: فلماذا لم يحضرنَ؟ وهل كنَّ في هذا الوقت يحاولنَ إخفاء شيء ما؟

عاشت لينا مع زوجها علي اسماعيل عشر سنوات في منزل أهلها، مع أولادهم. لكنهم انتقلوا بين ليلة وضحاها إلى العيش في فيلا ضخمة بعد أن كان الزوج عاملاً عادياً في أحد البساتين، ومن دون أن يعرف أحد شيئاً عن طبيعة عمله الجديد ومصادر أمواله التي ظهرت فجأة.

تذكّر الانتقادات التي طالت لينا جابر بفيلم “Marriage Story”، الذي يتابع مراحل طلاق زوجين، ومخاوفهما. وتحديداً يذكّر بمشهد بين الأم ومحاميتها، حيث تقول المحامية لموكلتها: “نحن دائماً نتقبّل أباً غير مثالي، نحبّ الآباء بضعفهم وتقصيرهم، لكننا حتماً لا نقبل أيّ خطأ في الأمهات أو أيّ تقصير”. وتضيف: “عليكِ أن تكوني مثالية لأنك دائماً ستتعرضين لمساءلة  وفق معاييرعالية، أما زوجك فيمكنه أن يكون كما يحلو له، لا أحد يأبه لذلك”.

بقيت لينا في منزل زوجها شهرين بعد طلاقهما، من أجل أن تبقى قريبة من أطفالها، لكنّ الأب طردها فيما بعد فاضطرّت للعيش عند أشقائها

تقف هذه الفكرة خلف خوف الكثير من الأمهات في تقرير مصيرهنّ، لأنّ البعض لن يرحمهنّ، إذ أنّ الأم ليست أماً صالحة ما لم تكن “مستورة”، مستورة أي صامتة، بوجه الظروف كافة مهما بلغت صعوبتها. فيجب أن تصمت إذا تعرّضت للعنف، وأن تصمت إذ حُرمت من الحضانة، وألا تطلب الطلاق مهما كلّف الثمن. هذا لأنّ الأم الصالحة هي التي تتحمّل كل العذابات من أجل البقاء إلى جانب أطفالها، وإن تجرأت وطلبت الطلاق، فالمحاكم الدينية جاهزة لتأديبها، في النفقة، والحضانة وغيرهما من تفاصيل الانفصال.

لم تسلم لينا من هذه الانتقادات، وفي هذا الإطار أصرّت العائلة على الردّ ، خصوصاً على انتقاد الأم لأنّها تزوّجت وتركت أطفالها، وبالتالي تصير هنا “مبرّرة” أفعال الأب.

بقيت لينا في منزل زوجها شهرين بعد طلاقهما، من أجل أن تبقى قريبة من أطفالها، لكنّ الأب طردها فيما بعد فاضطرّت للعيش عند أشقائها، ثمّ تزوجّت لأسبوع واحد، طلبت بعده الطلاق على أمل رجوعها لأولادها. وفي بداية مشاكلها مع الأب، لم ترفع أيّ دعوى قضائية ضدّه، لكنّه، بحسب عائلة الأم، كان يحرص على تلفيق أخبار مسيئة بسمعة الوالدة، كي تكرهها البنت وترفض رؤيتها أو العيش معها.

تنتظر العائلة اليوم العدالة، إذ أنّه بعد خسارة الابنة، لا عزاء لهم إلا بمعرفة الحقيقة كاملةً، وهم متخوّفون من انحياز في القضاء، خصوصاً أنّ محامي العائلة يواجه الكثير من الصعوبات خلال متابعته القضية بسبب نفوذ الأب وعلاقاته الوطيدة مع سياسيين فاعلين، وبذلك يكون القضاء أمام قضية رأي عام، أبعد من قضية حضانة.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…