قال حسن فضل الله النائب عن حزب الله: إنّ لبنان يعاني من كورونا أخلاقية! وهذا استنتاجٌ طريف. فنحن المثقفين عندما نريد تعظيم ما حصل ويحصل سواء في السياسات الدولية أو الإقليمية نقول إنّ الأمور وصلت إلى حدود الأزمة الأخلاقية. وهذا هو التعبير الذي لجأ إليه مسؤولو الأمم المتحدة والوكالات الدولية المعنية طوال شهري كانون الثاني وشباط، في وصف عمليات القتل والتهجير التي ترتكبها الطائرات الروسية وقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في نواحي محافظات إدلب وحلب وحماة، والتي أدت إلى تهجير مليون ونصف المليون باتجاه الحدود التركية. قالت تلك الجهات المعنية إنّ الأزمة الإنسانية بلغت حدوداً غير متصوَّرة من قبل، ولا يشبهها غير المذابح التي حصلت بين الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي في تسعينات القرن الماضي! وقد انعقد مجلس الأمن بطلبٍ من بعض الأعضاء، وبينهم الكويت وإندونيسيا والنروج وآخرون، مرات عدّة، لتحقيق أمرين: وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وقد فشلت تلك الجهود، لأنّ الروس واجهوها بالفيتو في كلّ مرة، ولذلك قال مسوؤل المساعدات الأممية ثلاث مرات: إنّ الكارثة وصلت إلى حدود الأزمة الأخلاقية!
إقرأ أيضاً: الكورونا سلاح جديد في مواجهة محور المقاومة؟
ولندعْ للحظاتٍ الأزمة الإنسانية الهائلة في سورية، رغم أنّ تجاهلها غير ممكن، وبخاصةٍ أنّ لحسن فضل لله وحزبه نصيباً وافراً فيها! نعم إنّ الأزمة السياسية في لبنان هي أزمةٌ أخلاقيةٌ بامتياز، وهي تفوق وباء كورونا أضعافاً مضاعفة، لأنّ البشر الذين يعانون منها في لبنان وسورية وإيران بالذات يبلغون الملايين، وهم يتعرضون للإفقار والموت والقتل والتهجير، وهي أمورٌ لا يعاني منها حتى سكان الصين وكوريا وإيطاليا لا بالدرجة ولا بالنوع!
في لبنان تُجمع الطبقة السياسية، وعلى رأسها حزب الله، التي ابتُليت بها بلادنا من سنواتٍ وسنوات، على تجاهُل الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية. والتجاهل والإنكار يمضيان باتجاهين: اتجاه الزعم بأنّه لا علاقة لهم بالأزمة، وبأنّها ناتجة عن سياسات الثلاثين عاماً الماضية، وبالطبع قبل مجيء العهد القوي عام 2016! والاتجاه الآخر منع الحكومة الحالية من اتخاذ الإجراءات الضرورية، سواء لإيقاف مزاريب الهدر والسرقة، أو للتعاون مع الجهات الدولية لاستقدام المساعدات.
مع كورونا الأخلاقية لنائب الحزب، يستدعي القاضي المالي علي ابراهيم رؤساء مجالس إدارة البنوك لسؤالهم عن تهريب الأموال للخارج. لمن الأموال المهرَّبة يا ناس؟ هي طبعاً لرجالات الطبقة السياسية الميمونة
ولنبدأ بحزب الله. الحزب يسيطر على المرفأ والمطار والمعابر مع سورية، ولا يُظهر أي استعداد للتنازل عن هذه” الموارد” لرفْع موارد الدولة المنهوبة في هذه الجهات الثلاث. وفي أزمة كورونا المهيبة يأبى وزير صحتنا، أو صحتهم لا فرق، مَنْع الطيران الإيراني من استقدام مئاتٍ جدد من إيران يمكن أن يأتوا معهم بالداء المنتشر هناك. وإلى ذلك يستمر الحزب المجاهد في إرسال المقاتلين إلى شمال سورية لقتل الناس وتهجيرهم، مع أنّهم عندما تدخلوا بسورية عام 2013 قالوا إنّهم ذاهبون لحماية مقام ومزار السيدة زينب بدمشق! ومع كورونا الأخلاقية لنائب الحزب، يستدعي القاضي المالي علي ابراهيم رؤساء مجالس إدارة البنوك لسؤالهم عن تهريب الأموال للخارج. لمن الأموال المهرَّبة يا ناس؟ هي طبعاً لرجالات الطبقة السياسية الميمونة، ورجال أعمالها الأشاوس، ولذلك لا أمل في اكتشاف شيءٍ أو استرداده. فالوباء الذي أصاب اللنبانيين معظمه آتٍ من الحزب وسلاحه، ويشمل ذلك استصفاء موارد الدولة، وحماية فاسدي العهد، وتسويء سُمعة لبنان العربية والدولية.. وإلى استيراد كورونا إلى لبنان. وتسألون عن الأزمة السياسية التي صارت أزمةً أخلاقية، المَثَل العربي يقول: رمتني بدائها وانسلّتْ!
من سنوات “اكتشف” رئيس الجمهورية علّة الأزمة: اللاجئون السوريون! وشاركه في هذا الاكتشاف سعد الحريري عندما كان رئيساً لحكومة العهد الأولى، والآن شارك الرجلين في هذا الاستنتاج العبقري وزير خارجيتنا الجديد: ناصيف حتّي! بيد أنّه لا الحريري ولا حتّي اكتشفا المصدر الآخَر للفساد والهدْر، والذي اكتشفه، بل وسبق إليه رئيس الجمهورية: هيئة الإغاثة التابعة لرئاسة الحكومة. أما مصدر الخروج من الأزمة فإنّ رئيس الجمهورية وصهره سارعا أيضاً لاكتشافه: البترول والغاز الذي سيملأ أول ما يملأ دارات البترون، وخسئ الحُسّاد!
نحن أمام واقعٍ وواقعة للأزمة الأخلاقية لا يمكن إنكارهما: 41 مليار دولار أُنفقت على الكهرباء منذ العام 2008، ووزارة الطاقة الطاهرة (طهارة أموال الحزب) ما تزال بأيدي باسيل النادرة في نظافتها حتى الآن. وليتجرأ حسان دياب وغيره على المساس بمجزرة معمل سلعاتا الخالد للكهرباء، أو بملحمة البواخر التركية الظاهرة الذيل!
ويقال إنّ رئيس الحكومة الحالي بدأ يشكو من سوء الوضع، ومن العقبات والعراقيل التي توضع في وجهه، وأنّ الامل ضعيف في إمكان فعل شيء إيجابي للبنان ولمواطنيه. وليعذرْني دولة الرئيس فأنا لا أُصدّق أنّه ما كان يعرف شيئاً عن الواقع الذي سيواجهه. ولذلك ولكي اختصر الموضوع: لقد صرتَ أيها الرجل أيضاً من معالم أزمة حسن فضل الله الأخلاقية! ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.