العفو العام: السلطة ضد الناس (2/1)

مدة القراءة 4 د


عاود أهالي الموقوفين الإسلاميين تحركاتهم الشعبية، ودعوا يوم الجمعة 21 شباط 2020 إلى إحياء “جمعة العفو العام” متوجهين إلى “كل من يبلغه أمرنا هذا..” وموضحين في بيان صادر عنهم الآتي: “لقد طالبنا مراراً وتكراراً وتأملنا كثيراً ثم انتكست آمالنا، ولكننا لن نترك أبناءنا يعانون في سجون الظلم وخلف قضبان الألم، ولن نكلّ ولن نملّ وسنطرق الأبواب كلها لنحقق لهم الحرية والخلاص بإذن الله”.

هو العفو الذي تصدره السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرمية عن فعل هو في ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، فيصبح الفعل كأنه لم يُجرَّم أصلًا.

قد يشمل العفو العام بعض الجرائم كليًا ويخفض عقوبة البعض الآخر إلى النصف أو الربع مثلًا، فتبقى الجريمة قائمة وينفذ القسم الباقي من العقوبة. وقد يشمل العفو العام أشخاصًا محددين.
ولا يسري العفو العام إلا على الجرائم التي يعينها بالذات، والتي تكون قد وقعت قبل صدوره؛ فإذا كانت الجريمة المعينة من الجرائم المستمرة وبقيت حالة الاستمرار بعد صدور قانون العفو، فلا تستفيد منه.

إقرأ أيضاً: طرابلس بين تنازلات الحريري وتغوّل باسيل (2/2)

يعيد تحرّك أهالي الموقوفين الإسلاميين وتحركاتٌ سابقة لعائلات المطلوبين في البقاع، وإثارة قضية العميل عامر الفاخوري.. النقاش حول قضية العفو العام، في فضاء السياسة اللبنانية، إضافة إلى ما تحمله من أثقالٍ وأعباء هائلة يكابدها الأهالي ويعانيها الموقوفون، وتنزف بسببها العدالة، وتسحق الإنسانية تحت وطأة جشع تياراتٍ سياسية تتناقض شكلاً وتتفـق مضموناً على استغلال الناس، بالوعود الفارغة، وبالمزايدات الرافضة، ورغبة قياداتها التي لا تنتهي في امتصاص غضب المواطنين لصالح تقاسمها مفاصل التحكّم بمسار الأمور في الأمن والقضاء والزبائنية السياسية.

قضية العميل عامر فاخوري جعلت قيادة الحزب تتراجع أمام ضغط جمهورها في مسألة العفو عن فاخوري الذي لا يزال موقوفاً

الحديث هنا يدور عن ثلاثة أطرافٍ تتولى التلاعب بمشاعر المواطنين من كل المناطق والطوائف، وتعمل على إبقاء قضية العدالة عموماً ومسألة العفو العام خصوصاً وسيلة ابتزاز سياسية وإنتخابية موسماً بعد آخر. هذه الأحزاب هي: “حزب الله”، “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”.

يدير حزب الله ملف العفو العام على قاعدتين:

ـ الأولى: مراعاة حليفه التيار الوطني الحر، بما يمليه مضمون ورقة التفاهم بين الحزب والتيار، من تجاوزات وتسهيلات شملت ملفات العملاء، مثل فايز كرم وبما يتعلق بالستة آلاف عميل مع عائلاتهم، الفارين إلى الكيان الصهيوني، والذين جرت عمليات إخراج للمئات منهم بدون أي ضجةٍ إعلامية.

ـ القاعدة الثانية: تلاعبه بأكثر من 45 ألف مطلوب وعائلاتهم في البقاع بشكلٍ خاص. ورغم أن هؤلاء المطلوبين يعيشون حياة شبه طبيعية لأن “درع البيئة الحاضنة” يحميهم، إلا أن هذه الشريحة ما فتئت تضغط بقوّة لإقرار العفو العام لتستعيد حياتها ووضعيتها القانونية.

لكن الظروف المتقلبة لم تسمح بنضوج طبخة العفو العام بالنسبة للحزب، وبالتالي فهو يتعامل معها على القطعة وبسياسة التنفيس وتقطيع الوقت. مع ملاحظة أن قضية العميل عامر فاخوري جعلت قيادة الحزب تتراجع أمام ضغط جمهورها في مسألة العفو عن فاخوري الذي لا يزال موقوفاً.

يعمل التيار الوطني الحر في مسارين:

ــ الأول: تبسيط مفهوم العمالة وتخفيف وطأتها التي تورّط بها العملاء الفارون إلى فلسطين المحتلة.

ــ الثاني: تضخيم ملفات الموقوفين الإسلاميين والسعي لوصمهم بالإرهاب وفرض الأحكام المسبقة، بدون السماح للعدالة بأن تأخذ مجراها، حتى يبقى قضاة المحكمة العسكرية تحت الضغط ويسايروا توجهات التيار البرتقالي، في رفض إدخال هذه الشريحة في أيّ إطارٍ من أطر العفو العام تحت شعار رفض العفو عن قتلة جنود وضباط الجيش اللبناني. ولكن ماذا عن الذين لم يتورطوا في دم أفراد من الجيش اللبناني؟

 

 

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…