كان صادما فيديو رجل خمسيني يتناول الطعام من مكبّ النفايات في منطقة المعرض في طرابلس. المنطقة التي يسكنها أغنياء المدينة. الفيديو طرح تساؤلات عديدة: أين المعنيون؟ أين البلدية؟ وأكثر ما سأله الناشطون: أين هي أموال الأوقاف؟
أمس انتشر فيديو جديد، للرجل نفسه يأكل من النفايات أيضاً، ومراهق يعلن أنّه “رغم انتشار الفيديو لم يساعده أحد وها هو يبكي”.
الانتقاد الذي وجّهه أهل المدينة إلى “الأوقاف الإسلامية” قوبل ببيان غريب صادر عنهم، جاء فيه إنّ “ما يطالب به بعض الناس للالتفات إلى سدّ حاجة الفقراء والمحتاجين ليس من وظيفة دوائر الأوقاف في لبنان”.
إقرأ أيضاً: طرابلس: الموت بالكورونا أهون من الموت جوعاً
موقع “أساس”، الذي تابع حالة الرجل الخمسيني، تواصل مع شقيقته نجاح التي أكّدت أن لا جهة رسمية أو بلدية أو دينية تواصلت مع العائلة. اللهم إلاّ بعض المعونات الفردية القليلة.
تتحدّث الشقيقة عن خلل في الصحّة النفسية لشقيقها. فحاتم السعيد، الخمسيني المطلق، لا مردود مالي لديه بعدما توقف عن عمله في أحد معامل القشطة بسبب الأزمة. وهو أب لولد وحيد تقوم شقيقتاه برعايته في المنزل الذي يسكنه الأشقاء الثلاثة في منطقة السويقة.
لكن هل مرضه النفسي يبرّر تجويعه؟
العائلة لا معيل لها في هذه الأزمة، ومع ذلك فهي ترفض المشهد الذي صوّر به شقيقهم: “تفاجأنا بالفيديو”، تقول شقيقة حاتم وفي صوتها غصّة، وتروي أنّ أخاها قد غادر المنزل، وأنّهم حالياً لا يعلمون عنه أيّ شيء ويخشون أن يكون قد أصابه مكروه ما.
بلدية طرابلس تحمّل المسؤولية للدولة، متسائلةً على لسان عضو مجلسها سميح حلواني: “من الذي جوّع الطرابلسي البلدية أم الدولة؟”. يؤكد حلواني لـ”أساس” أنّ “البلدية تقوم بما عجزت عنه الدولة في طرابلس، ويوم غد سيتم توزيع المعونات لجميع أهل المدينة”.
“ما قدرت شوفه للأخير”، يعلّق حلواني عند سؤاله عن فيديو الرجل الذي يأكل من حاوية النفايات، موضحاً أنّه تابع وآخرون هذا الموضوع بشكل فردي لا رسمي وتمّ تقديم بعض المساعدات. أما البلدية بصفتها الرسمية فلم تتدخل بهذه المسألة: “لا إمكانيات لدينا ولا مكان لإيواء هؤلاء الناس. وهذا الأمر هو من صلب مهام وزارة الشؤون الاجتماعية”.
البلدية إذاً لا تملك مالاً لإطعام جائع. أما عن بيان “الأوقاف” الذي أثار الكثير من الجدل، وفسّر على أنّه “تبرؤ من فقراء المدينة”، فيردّ رئيس القسم الديني في “دائرة أوقاف طرابلس” الشيخ فراس بلوط في حديث لـ”أساس” بأنّ “البيان توجيهي، فالدوائر الوقفية في لبنان وهي 9، اختصاصها إداري استثماري لا اجتماعي، أما صناديق الزكاة التابعة لدار الفتوى فاختصاصها اجتماعي”، مضيفاً: “دار الفتوى لا تتبرّأ من الناس، هي فقط توجههم إذ ليس من صلاحية دائرة الأوقاف صرف الأموال للمحتاجين”.
الشيخ بلوط يتوقف أيضاً عند الطلب الذي وجّهه سماحة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان إلى صناديق الزكاة وطلب منها “مساعدة الناس والاهتمام بالمتعففين”، مشيراً إلى أنّه “قبل إغلاق المساجد من أيام التحركات والثورة خرجت فتوى من دار الفتوى بجواز تعجيل الزكاة. وطُلب من أئمة المساجد جمع التبرعات، ما جعل كل مسجد بموقع المسؤولية عن رعاياه المحيطين به”.
لا ينفي المفتي الشعّار أن تكون الحملة التي شنّت عليه في طرابلس ذات بعد سياسي، معّلقاً: “من دون شك”، ويوضح: نحن ليس لدينا إجازة بالشغل. وأنا مسؤوليتي مسؤولية دينية أمام الله
مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار أكّد لـ”أساس”، أنّ “الأوقاف ليست جمعية خيرية وإنّما هي دائرة مشرفة على كل الواردات الخيرية، هذه الواردات التي تصرف على المساجد واحتياجاتها وعلى القائمين بخدمة المساجد وهم الأئمة والخطباء والمدرسين”، موضحاً: “نحن لدينا 213 مدرّساً ومدرّسة وهؤلاء رواتبهم ليست من الدولة وإنّما من دوائر الأوقاف”.
“الكوارث التي تحدث بالبلد، وما يلزمها من مصروف، يؤخذ من أموال الزكاة”، يقول الشيخ الشعّار موضحاً أنّ “مديرية صندوق الزكاة موجودة في بيروت، وهناك أيضاً صناديق زكاة في القلمون والكورة وطرابلس والمنية وعكار والضنية، والزكاة والصدقات هي التي ننفقها على الفقراء والمساكين ومساعدة الأرامل، وفي الجانب الطبيّ والصحّي”.
“دار الإفتاء” ليس غائباً عن السمع بحسب المفتي الشعّار فهو قام في الأيام الماضية بواجبه: “الحاجة زادت بسبب الوضع ونحن لسنا المسؤولين على تضخّم الحاجة وإنّما الدولة، والدولة حتّى الآن لم تقدم شيئاً. نحن من جهتنا جمعنا الزكاة من الناس ونقوم بتقديم حصص غذائية ونقدّم احتياجات المستشفيات (فارق وزارة الصحة) فهناك الكثير من العلاجات التي لا تتكفل بها الوزارة”.
يتوقف المفتي الشعار عند الدور الريادي الذي تقوم به الجمعيات الخيرية، موضحاً في الوقت نفسه أنّ الحاجات ما زالت أكبر بكثير من المساعدات، فطرابلس بحاجة إلى حكومة: “كل المسؤولين السياسيين والدينيين والفعاليات الاقتصادية مدعوون للقيام بعملهم. عندما يقوم كل فرد بجزء من الواجب عندها سنقوم بتغطية المطالب ولن يبقى محتاج”.
هل يتحمّل أغنياء المسؤولية بتقصيرهم؟
يجيب الشعّار: “لو لم يكونوا مقصّرين لما سألتِ. لا شك أنّ هناك تقصيراً. نحن في دار الفتوى نعمل 24 ساعة ونتمنّى لو بإمكاننا العمل أكثر”.
لا ينفي المفتي الشعّار أن تكون الحملة التي شنّت عليه في طرابلس ذات بعد سياسي، معّلقاً: “من دون شك”، ويوضح: “نحن ليس لدينا إجازة بالشغل. وأنا مسؤوليتي مسؤولية دينية أمام الله. نحن الآن بالأوقاف كلّ من يستأجرون لدينا لم يعد لديهم القدرة على دفع أجرة العقارات، لا البيوت ولا المحلات. وعلى رغم هذا الوضع حتّى الآن لم يمرّ علينا شهر دون دفع رواتب الموظفين”.
وأوضح المفتي الشعار أنّ “الأوقاف أنواع، هناك الأوقاف الخيرية والأوقاف الذرية. الخيرية نحن مسؤولون عنها لكن لا يحق لنا التصرّف بها وبيع أيّ عقار. هناك أوقاف من أيام الدولة العثمانية عمرها أكثر من 300 سنة. أما الأوقاف الذرية، فهي التي يتم وهبها للذرية. وهذه نحن لسنا مسؤولين عنها وإنّما المحكمة الشرعية، وهذه الأوقاف يمكن للذرية بيعها ولكن برأي القاضي الشرعي والمحكمة المدنية”.
وختم المفتي الشعار بالقول: “لو أنّ المسلمين عرفوا دينهم وأخرجوا زكاة أموالهم وتصدقّوا بفضول أموالهم، لما كان هناك فقير لا مسلماً ولا مسيحياً”.