بـ”كبسة زر”، نسف رئيس مجلس النواب نبيه برّي مشروع القانون المعجّل الرامي إلى تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية، والمعروف اختصاراً بالـ “كابيتال كونترول”. وذلك بعد ما نُقل عنه من كلام في الأيام الماضية، فكانت النتيجة أن سحب وزير المالية غازي وزني المشروع بعد ظهر أمس خلال جلسة مجلس الوزراء.
مصادر وزارية كشفت لـ”أساس” أنّ المشروع لم يُغَضّ الطرف عنه نهائياً، وإنّما “سيتابَع البحث فيه” خلال الجلسات المقبلة، لكن “بعد إخضاعه إلى مزيد من التعديل”. ويقول المصدر إنّ المشروع في صيغته الحالية “يفتقد إلى الكثير من الدقّة وهو بحاجة إلى مزيد من العناية والرويّة”.
لكن ليس هناك ما يؤكّد إعادة طرحه في جلسة الخميس، خصوصاً أنّ الوزير صاحب المشروع هو الجهة المولجة بطرحه أكان اليوم أو في الجلسة المقبلة، وهو محسوب شخصياً على الجهة الرافضة له.
إقرأ أيضاً: الحكومة لدائني الـ”يوروبوند”: المحاكم بيننا
المعلومات تشير إلى أنّ الرئيس برّي يستمدّ رفضه للمشروع من رفض “حزب الله” المطلق له، وأنّ صراعات بالجملة تُدار داخل مجلس الوزراء بالوكالة عن أحزاب السلطة. ثمة وزارء يرعون مصالح المصارف داخل المجلس، فيما آخرون يفعلون العكس.
هناك جهة ترغب أن تُناط سلطة الـ”كابيتال كونترول” بمجلس الوزراء مجتمعاً، وهي تضمّ رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون (والوزير جبران باسيل طبعاً)، فيما تتمسّك “حركة أمل” بصلاحيات وزير المالية التي تراها مشروعة لإدارة هذا الملفّ الشائك، مفضّلة إبعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الصورة. لكن وسط هذه الفوضى العارمة، تكشف المصادر الوزارية أنّ الرئيس دياب سيزور عين التينة في الأيام المقبلة (ربما اليوم) للبحث عن حلّ يخرج مشروع القانون من عنق الزجاجة.
وكانت مصادر قريبة من الرئيس بري كشفت قبل أيام رفضه للمشروع، وكشفت أنّ بري يعتبره لـ”مصلحة المصارف على حساب المودعين”، خصوصاً أنّ التعديلات التي طرأت على مسوداته الثلاث قد “أصابته بالتشوّه”، وأعلنت أنّ بري ”سيتصدّى له بقوّة”، لأنّه “مخالف للدستور ويسيء إلى المودعين”.
إقرار مشروع القانون قادر على أذية بعض المصارف وهذا يبرّر تململ بعض الوزراء منه، خصوصاً أولئك المحسوبين على المصارف
مصدر مصرفي متابع للملفّ أكّد في اتصال مع “أساس” أنّ مشروع الـ”كابيتال كونترول” تشوبه ثغرة لم يتناولها أحد حتّى الآن، وهي “تحديد تاريخ بدء العمل به”. وسأل: “هذه الإجراءات ستغطّي تجاوزات المصارف بقوّة القانون، فما هو التاريخ الذي سيُعمل به؟ هل سيكون تاريخ إقراره هو تاريخ بدء العمل به أو سيُعمل به بمفعول رجعي سيصل إلى 17 تشرين الأول 2019 حتّى يحمي المصارف من الدعاوى المقامة ضدّها في المحاكم؟ مشروع القانون لا يأتي على ذكر هذا الأمر أبداً”.
الجهة نفسها أضافت أنّ إقرار مشروع القانون قادر على أذية بعض المصارف وهذا يبرّر تململ بعض الوزراء منه، خصوصاً أولئك المحسوبين على المصارف. فقبل القانون كانت الأمور متروكة لجمعية المصارف التي تصدر التعاميم، وكلّ مصرف “يتعامل مع عملائه وفق قدراته الذاتية”، لكنّ القانون اليوم “سيوحّد المعايير”. إذ سيفرض على المصارف تعليمات على قاعدة “One size fits all”. ويتابع المصدر المصرفي: “فلنفرض أنّ القانون أجبر المصارف على منح المودعين دولاراتهم بمعدل ألف دولار أسبوعياً وتخلّف أحد المصارف لعدم قدرته على ذلك، فسيتحوّل القانون في هذه الحالة إلى حبل يلتفّ حول رقبة المصارف”.
لكنّ اللافت في المحصّلة، أنّ مقدّمة مشروع القانون تذكر حرفياً أنّ “أيّ تأخير إضافي في اتخاذ إجراءات الكابيتال كونترول من شأنها تضخيم الأزمة التي تتربّص بالقطاعين المصرفي والمالي”…
ربما الأحداث تشير بلا تكلّف إلى الجهات التي تُسهم في تضخيم الأزمة.