بانتظار الحفّارة المتوقع وصولها الأسبوع المقبل لبدء الحفر في بلوك رقم 4، وصل وزير خارجية اليونان نيكوس داندياس إلى بيروت وجال على المسؤولين وتم الاتفاق على عقد القمة الثلاثية بين لبنان واليونان وقبرص في نيقوسيا الشهر المقبل. وكان قد سبق هذه الزيارة زيارة رسمية أخرى من وزير خارجية قبرص نيكوس كريستودوليدس إلى بيروت، حيث أكد على أهمية التعاون بين البلدين في شتى الموضيع وأهمها النفط والغاز.
الأشهر المقبلة سوف تكون مصيرية بالنسبة لقطاع النفط والغاز في لبنان، فبعد سنين طويلة من التحضير، والتأمل، والتأخير، والانتظار، سيعلم اللبنانيون ما إذا كان هناك نفط وغاز في البحر. كل الاحتمالات واردة، قد لا نكتشف أي مواد، وقد يكون هناك مواد غير قابلة للاستخراج، أو قد يكون هناك كميات تجارية تسمح بالانتقال إلى مرحلة التطوير والإنتاج.
إقرأ أيضاً: أين لبنان من “حرب الأنابيب”؟
أصبح معلومًا أنّ لبنان بحاجة للغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، وهذا التّحول من الفيول أويل سيساعد على تخفيف العجز السنوي في الموازنة، وسيساعد على خلق بيئة نظيفة. وكلنا أمل أن المعامل الإضافية سيتم إنشاؤها في الوقت المناسب، وستحلّ مشكل الشبكة، والخسائر غير التقنية ستتراجع، والمواطن سيكون أكثر مسؤولية في استعمال الكهرباء ليتمكن لبنان من استعمال الغاز لتوليد الكهرباء.
يبقى السؤال: هل يستطيع لبنان تصدير الغاز؟
سنترك الجواب للمستقبل ولكن اليوم علينا أن نطلب من الحكومة أن تمهّد الطريق الديبلوماسية لتسهيل إيصال الغاز إلى خارج الحدود اللبنانية. وإحدى الخطوات الإيجابية هي تمكين العلاقات مع قبرص واليونان ومصر وحتى تركيا.
صحيح أنّ قبرص واليونان انضمتا إلى “منتدى غاز شرقي المتوسط” الذي يضم أيضًا إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين (ومؤخرًا علّقت ايطاليا عضويتها، وفرنسا طلبت الدخول إلى المنتدى)، لكنّ هذا لا يمنع من التواصل الدائم مع هذين البلدين وخصوصًا قبرص.
لبنان وقبرص يملكان حدودًا بحرية مشتركة، وهما بصدد التوقيع على اتفاقية مشاركة الموارد في حال وجود مكامن مشتركة بين البلدين (unitization agreement) وهذه خطوة جيدة من قبل لبنان لتسريع العمليات في المستقبل، وهذا يشجع الشركات أكثر للاستثمار في البلوكات الحدودية بين البلدين كبلوك رقم 5.
واجب الحكومة أن تكثّف نشاطها الديبلوماسي لفتح كل الطرقات الممكنة لغاز لبنان
وأيضًا من المهم التذكير بأنّ قبرص وقّعت على اتفاق تفاهم مع مصر عام 2018 لإنشاء أنبوب من قبرص إلى مصر كي يساعد على فتح الأسواق العالمية أمام الغاز القبرصي. اليوم لا انتاج في قبرص والأنبوب لم يُبنَ، ولكن هذا الأمر يجب أن يأخذه لبنان في الحسبان. واحد من السيناريوات لإيجاد طرق لتصدير الغاز اللبناني إلى الأسواق العالمية قد يكون عبر إنشاء أنبوب من لبنان، إلى قبرص ومن هناك عبر الأنبوب القبرصي إلى مصر، ومن هناك إلى الاسواق العالمية. وهنا تأتي أهمية التعاون الدائم بين البلدين والحرص على توقيع اتفاقيات تفاهم تسهل المهام على الشركات العاملة في لبنان لإيجاد الأسواق.
لا شيء يمنع سعي لبنان إلى التحضير لقمة ثلاثية بين لبنان وقبرص ومصر من أجل الغاز. قمة مهمة أكثر وقد تأتي بثمارها أسرع في موضوع النفط والغاز. لكن لا شك أنّ التعاون مع اليونان يحمل أهمية أيضًا، فهو بلد يحتاج إلى الغاز وقد يكون السوق الأقرب لنا.
واجب الحكومة أن تكثّف نشاطها الديبلوماسي لفتح كل الطرقات الممكنة لغاز لبنان، وإحدى هذه الطرقات قد تكون عبر إنشاء أنبوب بحري يصل إلى تركيا لتلبية الحاجات المستقبلية لتركيا ومنها إلى أوروبا. على الحكومة تحضير الأرضية للحوار عبر عقد اجتماعات وطلب الدراسات لتكوين سيناريوهات وطروحات تساعد على التخطيط للمستقبل.
لبنان متأخّر عن باقي بلدان شرقي المتوسط، لكنّ ذلك لا يمنع من اعتماد ديبلوماسية الغاز الفعالة والنشطة للاستفادة من الغاز… ولكن يبقى الأهم اليوم اكتشاف الغاز ما لم يحصل حتى الآن!
ويبقى التذكير أنّ المستقبل للطاقات المتجددة، وعلى لبنان وضع المزيد من الطاقة البشرية والمالية في طاقة المستقبل وليس في طاقة الماضي والحاضر.