دراسة: جين وو، وايي كاي، وديريك واتكينس، وجيمس غلانز
فُرضت القيود الأكثر شمولية في تاريخ البشرية على التنقّل، لوقف انتشار الوباء، لكنها لم تكن كافية. هذه الدراسة حلّلت تحرّكات مئات الملايين لتصل إلى طريقة انتشار كورونا، من المريض “صفر” إلى مئات الآلاف في أنحاء الكوكب.
ظنّ كثيرون أن محاصرة كورونا سهل: نوقف التنقّل، فيتوقّف انتشار الفيروس حول العالم.
لكن هذا هو سبب عدم نجاح هذا الإجراء.
إن كثيراً من الحالات المعروفة للإصابة بالفيروس، تجمعّت حول سوق الطعام البحري في مدينة ووهان، بالصين، وهي المدينة التي تضمّ 11 مليوناً نسمة، وفيها شبكة مواصلات كبيرة.
إقرأ أيضاً: دراسة “واشنطن بوست”: هذه أفضل الطرق لمواجهة كورونا
أربع حالات تضاعفت إلى عشرات في نهاية كانون الأول 2019. وما لاحظه الأطباء فقط أنّ المصابين يعانون من التهاب رئوي فيروسي، ولم يستجيبوا للعلاجات التقليدية.
أما الحجم الحقيقي للانتشار الأولي فقد كان أكبر بكثير، حتّى في ذلك الوقت. تكوّنت شبكة غير مرئية من ألف مصاب تقريباً، أو ربما كانوا عشرة آلاف.
وبما أن المصاب الواحد يُعدي اثنين أو ثلاثة آخرين كمعدّل وسطي، فأفضل ردّ على الفيروس لم يكن ممكناً أن يحتوي الانتشار.
الأسوأ أنّ المسؤولين الصينيين لم يُنذروا الناس بالمخاطر في بداية كانون الأول. بل في 31 منه أبلغت حكومة الصين “منظمة الصحة العالمية” وأصدرت بياناً مرفقاً بتطمين: “المرض يمكن التنبّؤ به ويمكن السيطرة عليه”.
وتاريخ انتشار المرض كان هو الأسوأ بعد. فقد كان مئات الملايين من الناس يسافرون في طريق العودة إلى مدنهم وبلداتهم من أجل الاحتفال برأس السنة القمرية في الصين.
هكذا تحرّك الناس قرابة الأول من كانون الثاني. ووفقاً لتحليل الداتا في “نيويورك تايمز”، الذي نشرته “بايدو Baidu” وكبرى شركات الاتصالات، والتي تتبّعت تحركات ملايين الهواتف النقّالة، فقد خرج 175 ألف شخص من ووهان على الأقلّ، في ذلك اليوم.
وتسارعت وتيرة الخروج من ووهان خلال الأسابيع الثلاثة اللاحقة في كانون الثاني 2020، قبل بدء فرض القيود على التنقّل.
هكذا أصيب آلاف المسافرين بالفيروس.
اعترف المسؤولون الصينيون يعترفون بخطر انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، في 21 كانون الثاني، وكانت الإصابات المحلية قد توطّنت في بكين وشانغهاي وبقية المدن الكبرى.
بعد يومين، أغلقت السلطات مدينة ووهان، ومدناً كثيرة لاحقاً، خلال الأسبوعين التاليين. وتوقّف التنقّل تقريباً عبر الصين. لكنّ الإصابات المحلية كانت تتصاعد بسرعة.
ومع انتشار الفيروس في مختلف أنحاء الصين أوائل كانون الثاني، استمرّت حركة الرحلات الدولية على نحوها الطبيعي. فسافر الآلاف من ووهان إلى مختلف مدن حول العالم.
ذهب أكثر من 900 منهم إلى نيويورك شهرياً كمعدّل وسطي، وهذا استناداً إلى اتجاهات حديثة… وأكثر من 2200 سافروا إلى سيدني في أستراليا… وأكثر من 15 ألفاً سافروا إلى بانكوك، الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
لهذا ظهرت أولى الحالات المعروفة هناك، في منتصف كانون الثاني، وهي امرأة (61 سنة) سافرت من ووهان إلى بانكوك على الرغم من حملها أعراض الحرارة، وصداع الرأس، والتهاب الحلق.
بعض الإصابات الأولى سافرت إلى طوكيو، وسنغافورة، وسيول، وهونغ كونغ. والحالة الأولى المثبتة في الولايات المتحدة كانت قرب سياتيل.
حوالى 85 % من المسافرين المصابين لم يتمّ تعقبّهم، كما يعتقد الباحثون. لكنّهم نقلوا الفيروس.
وتأخّر إقفال ووهان حتّى نهاية كانون الثاني، حين بدأت الخطوط الجوية في إلغاء رحلاتها منها وإليها. وبحلول 31 كانون الثاني، أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تمنع دخول غير الأميركيين من الصين. وقد كان الخروج من ووهان قد توقف على نحوٍ تامّ.
كان ذلك متأخّراً جداً. فالانتشار تنامى في أكثر من 30 مدينة في 26 بلداً. ومعظم الإصابات الأولى كانت من مسافرين جاؤوا من ووهان.
بدأ الفيروس ينتشر محلياً، ويتحرّك بسهولة في الأماكن المغلقة كالكنائس والمطاعم، ويصيب الأفراد الذين لم يسافروا إلى الصين. كانت هذه بداية وباء. وفي الأوّل من آذار، أُفيد عن آلاف الحالات في إيطاليا، وفي إيران، وكوريا الجنوبية. ولم تعد الصين هي المركز الرئيسي لانتشار الوباء. (وزير الخارجية الأميركية بومبيو في 13 آذار اتهم الحكومة الإيرانية بأنها لم تْنذر شعبها مبكراً وأبقت الرحلات الجوية بين طهران ومركز الوباء في ووهان أي 55 رحلة في شباط، وكانت تسجن من يتكلم عن الوباء).
الفيروس وجد ملاذاً آمناً في الولايات المتحدة. وهو يستمرّ في الانتشار محلياً عبر أجزاء من سياتيل، ومدينة نيويورك
في الواقع، لما بدأت الصين بعمليات الفحص على نحوٍ منهجي، وتعقّب المصابين وعزلهم، إنخفض عدد المصابين على نحوٍ دراماتيكي، ما يبرهن على أنّه كان من الممكن إبطاء انتشار الفيروس. وإجراءات مماثلة أبطأت انتشاره في سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية.
في الولايات المتحدة، حيث كان الفحص متباطئاً، أوقف الرئيس دونالد ترامب كلّ الرحلات من أوروبا: “لن يكون للفيروس نصيب عندنا”، قال يومها.
لكنّ الفيروس وجد ملاذاً آمناً في الولايات المتحدة. وهو يستمرّ في الانتشار محلياً عبر أجزاء من سياتيل، ومدينة نيويورك، وعبر البلاد، متجاوزاً مرّة أخرى كلّ الجهود المبذولة لوقفه.
لقراءة النصّ الأصلي ومصادر الداتا ومصادر إضافية، إضغط على: هذا الرابط