سرّ جبران باسيل

مدة القراءة 5 د


يعلم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما يعلمه بقية اللبنانيين. ويعلم أكثر منهم بحكم موقعه واتصالاته مع المجتمع الدولي. والمعلوم هو أن حزب الله بات يمثّل المشكلة الأكبر على إمكانية استمرار لبنان الكبير كما تأسّس منذ العام 1920.

سمع هذا الكلام من الأميركيين والفرنسيين وكلّ من التقوه والتقاهم، وناقشوا معه الأسباب العميقة للانهيار المتدرّج للبنان وصولاً إلى انهيار النقد الوطني وإفلاس الدولة والمصارف، والآتي أعظم. 

إقرأ أيضاً: انقلاب باسيل: رئاسة وسلعاتا.. وقانون قيصر

ما قاله النائب زياد أسود عن وصول اللبنانيين إلى عتبة الخيار بين البندقية والجوع، هو التلخيص الموضوعي للموقف الدولي والعربي من لبنان. لم يعد في جعبة  أحد، أيٌّ من مفردات التسامح أو التمايز المزيّف بين حزب الله كمقاومة وحزب الله كتنظيم إرهابي يعمل ضمن مشروع تخريبي شامل في المنطقة، من الخليج إلى المشرق وصولاً الى أميركا اللاتينية، بل أميركا وكندا نفسيهما! وما الموقف الألماني الأخير، بعد الموقف البريطاني، بتصنيف حزب الله بكلّيته كمنظّمة إرهابية، إلا إشارة حاسمة لاتجاه الأمور لا سيما إذا علمنا أن ألمانيا تتمتع بين الأوروبيين بالعلاقات الأوثق والأقرب إلى إيران، ولطالما كانت قناة خلفية لإيران وحزب الله للتواصل مع واشنطن وإسرائيل.

يتجاوز موقف التيار، النكايات المسيحية الضيقة، والعتب على حزب الله لعدم دفاعه الجادّ عن جبران باسيل في مواجهة الهجوم الصاعق من حليف الحزب الآخر، زعيم تيار المردة سليمان فرنجية. يتجاوز الموقف أيضاً لعبة ابتزاز حزب الله لجرّه إلى الموافقة على معمل محطة تغويز في سلعاتا، بعد أن صوّت الحزب إلى جانب خصوم التيار في هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء.

سلعاتا مهمّة في سياق آخر…

يتحرّك جبران باسيل بين حدّين: حدّ التحالف مع حزب الله في الدولة المركزية باعتبار أنّ استقرار هذه الدولة النسبي لا يستقيم إلا بالتفاهم مع حزب الله. وحدّ آخر، هو بناء مقوّمات الدولة الباسيلية المسيحية، تحت عناوين اللامركزيات الكثيرة، وأبرزها ما يكرّره باسيل مؤخراً حول اللامركزية المالية. 

وأما سلعاتا فهي …

منصّة لضرب عصفورين بحجر واحد، عبر الاستحواذ على مرفئها الذي يملك آل ضومط رخصته منذ مطلع السبعينات، وإخضاع هذه الأسرة الصناعية العريقة لنفوذ باسيل عبر تهديدهم باستملاك أراضيهم التي سيقوم عليها المصنع، لا سيما أنّهم أقرب في العلاقة الشخصية إلى الوزير فرنجية، منافس جبران في الجمهورية الباسيلية المتخيّلة.

يخاطب جبران باسيل الغرب بلغة استقرار لبنان الذي بوابته التفاهم مع حزب الله. ويعبّر لهم عن رفضه لسياسات حزب الله بإبدائه كلّ الاستعداد للطلاق إذا ما تيسّر له فضاء لامركزي. 

يستحصل من حزب الله على قوّة تفوّق على خصومه، أكانوا ضمن التحالف الواحد كفرنجية أو خارجه كالقوات اللبنانية. ويستحصل من المجتمع الدولي، أو هكذا يظنّ، على صك براءة من تبعات سياسات حزب الله المالية والأمنية والعسكرية. من هذا الموقع المتعدّد الطبقات يلعب جبران لعبته المفضّلة: التذاكي. “المعجزة” الذي بوسعه أن يقول للمسيحيين إن تدخل حزب الله في سوريا حماهم من بطش داعش، وأن يقول للإسرائيليين إن من حقهم العيش بسلام وأمان في دولتهم.

جبران الجديد، الذي يستعمل مفردات قوى الأمر الواقع، والذي يقول نوابه كلاماً مستلّاً من أكثر المقاربات الاميركية تشدّداً حيال حزب الله، يعرف أنّ لعبة التذاكي وصلت الى حدودها القصوى. 

فالزمن ليس زمن العام 2016، حيث يمكن للتذاكي والتكاذب أن ينتجا تفاهمات وأوراقاً على شاكلة التفاهم مع الرئيس سعد الحريري أو اتفاق معراب مع الدكتور سمير جعجع. ويعرف أنّ حجم الدور الداخلي في قرار الانتخابات الرئاسية المقبلة ضئيل جداً، حتّى دور حزب الله.

ليس مستبعداً أن تتوسّع العقوبات لتطال حلفاء حزب الله في لبنان، مع وصول سفيرة جديدة هي دورثي شيا تنتمي إلى وجهة النظر المتشدّدة في الخارجية

ثمة ناخب واحد هو واشنطن، التي أتت بمصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة العراقية رغم اتهامه بالتواطؤ في عملية اغتيال سليماني من موقعه كرئيس للمخابرات.

ولكن لماذا يستعجل جبران باسيل البدء ببثّ إشارات التمايز عن حزب الله بهذه الكثافة، قبل الانتخابات الأميركية التي قد تغيّر المعادلة في واشنطن؟ 

أمران:

1- هو أكثر العالمين بمدى دقة، أو عدم الاحتمال، بأن يسبق الاستحقاق الرئاسي اللبناني نظيره الأميركي، لأنه الأكثر اطلاعاً على وضع الرئيس ميشال عون الصحي. دعك عن أن ثبات موعد الانتخابات الأميركية يبقى موضع تساؤل في ضوء تطوّرات كورونا في الاشهر القليلة المقبلة.

2- يقرأ باسيل جيداً معنى دخول قانون قيصر خلال أيام حيّز التنفيذ على النظام السوري وفي الأشهر القليلة التي تسبق موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.  ستفاقم واشنطن الضغوط العقابية على إيران ، وآخر قرارتها في هذا السياق فرض عقوبات مالية وقيود على تأشيرات سفر ضدّ 12 فرداً وكياناً إيرانياً، بينهم وزير الداخلية الإيراني الحالي عبد الرضا رحماني فضلي.

وليس مستبعداً أن تتوسّع العقوبات لتطال حلفاء حزب الله في لبنان، مع وصول سفيرة جديدة هي دورثي شيا تنتمي إلى وجهة النظر المتشدّدة في الخارجية (ديفيد شانكر وجول رايبورن) على حساب وجهة النظر التي تبنّتها السفيرة السابقة اليزابيث ريتشارد والتي كان  يقودها مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هايل.

تغيّر الزمن. جبران باسيل يعرف ذلك. وعلى هذا الأساس يتموضع أو “يحاول” جاهداً إنقاذ نفسه من الطوفان.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…