صفعة العسكري على وجه الطبيب… تصفيق حار!

مدة القراءة 4 د


في زمن كورونا استعاد الأطباء دورهم. وكذلك العسكر. هذه خلاصات نقاشات كثيرة توصّلت إلى نتائج مماثلة في العالم كله. لقد طرح كورونا سؤال الحريات على الطاولة، واستعاد أسئلة عن إهمال الطب والأبحاث الطبية في السنين الماضية لصالح أمور أخرى. عاد مجد الطبيب إلى التقدّم، ومعه عاد الحديث عن دور العسكري لتنفيذ توصيات الأطباء. عملياً الصين استطاعت التغلّب على فايروس كورونا بشيء من التحالف بين الطبيب والعسكري مضافاً إليهما التكنولوجيا الرقمية. الصين، عبر نظامها الأمني الصارم ونظامها الصحي المتطوّر، هزمت الفايروس الذي ركّع العالم كلّه حتى الآن.

إقرأ أيضاً: طرق “مبتكرة” للتعذيب: عن وحشيتنا… الإنسانية!

في لبنان حاولت السلطة اعتماد شيء من هذه التجربة. لجأت إلى الجيش والقوى الأمنية لفرض حظر عام على المواطنين ومنعهم من التجوّل لمحاصرة الفايروس والقضاء عليه. عاد المجد في لبنان للأطباء وتصدّر وزير الصحة (الطبيب) المشهد، مدعوماً من وزارتي الداخلية والدفاع وبإشراف من المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية (الضابط السابق). السيد حسن نصرالله وصف الطاقم الطبي الذي يواجه كورونا بـ”المجاهدين العسكريين”، ودعا إلى احتساب من يقضون في مواجهة الفيروس “شهداء” على غرار شهداء المقاومة. لقد أسماها نصرالله “معركة”، وخاطب الناس آنذاك على أنّها كذلك. ولا شيء يعلو فوق صوت المعركة. وهذه المعركة قوامها طرفان: الأطباء والعسكر. في أيدي الأطباء والعسكر حياة اللبنانيين ومستقبلهم جميعاً. يقرّر الأطباء ومعهم العسكر كيف علينا أن نعيش أيامنا، وكيف نتصرّف. أين نخرج وفي أيّ ساعة، ومتى نعود. تُصدر وزارة الصحة، استناداً إلى أطبائها، تقريراً تقول فيه إنّ السباحة في البحر قد تؤدّي إلى انتقال فايروس كورونا، فيمنع الناس من بلوغ البحر. تنفّذ القوى الأمنية توصيات الأطباء، لتحافظ بالقوّة على صحة المواطنين. وتقرّر الوزارة وأطباؤها أنّ السباحة في المسابح الخاصة غير مؤذية، فتفتح المسابح للميسورين ويبقى الفقراء سجناء منازلهم.

تستغلّ السلطة القطاعين، الصحي والأمني، لتنفيذ سياسياتها العامة، بحجّة خطر تفشّي فايروس كورونا. لكنّ الحادثة الأخيرة في مستشفى في طرابلس، حينما اعتدى عناصر من الجيش اللبناني على طبيب مناوب في قسم الطوارئ في المستشفى، وصوّرت كاميرات المراقبة الحادثة المخزية، يشي باضطراب في المنظومة كلها. على الغالب، يصحّ، كما ذكرت قيادة الجيش في بيانها تعليقاً على الحادثة، أنّها “عمل فردي لا يمثّل المؤسسة وأخلاقياتها ومبادئها”. إلا أن هذا “العمل الفردي” يكشف التوتر والانفلات الحاصل لدى عناصر الجيش في ظلّ الوضع الحالي الذي يجمع الاستنفار الأمني بفايروس كورونا على وقع انهيار اقتصادي حادّ يطال العملة الوطنية ومعها رواتب العسكريين التي خسرت نسبة كبيرة من قيمتها الشرائية.

لقد شهدنا انقلاباً فردياً على الحلف المذكور بين الطبيب والعسكري. العسكري قام بصفع الطبيب، من دون علم القيادة وموافقتها. أي من دون رضا السلطة. يتمرّد العسكري وينقضّ على الطبيب بسلوك فردي. وقد يتمرّد الطبيب على وصاية وزارة الصحة في ما بعد

إذا كان تصرّف عناصر الجيش في المستشفى فردياً ولا يمتّ بصلة إلى المؤسسة العسكرية، فذلك يستدعي التأمّل أكثر. وإذا صدّقنا أن العنصر “الطائش” صفع الطبيب لأسباب تخصّه، من دون أوامر عليا، فهذا أيضاً معطى يستدعي التفكّر العميق في المآل التي تصل إليه الأمور في هذه البلاد الراقصة على حافة الجنون.

لقد شهدنا انقلاباً فردياً على الحلف المذكور بين الطبيب والعسكري. العسكري قام بصفع الطبيب، من دون علم القيادة وموافقتها. أي من دون رضا السلطة. يتمرّد العسكري وينقضّ على الطبيب بسلوك فردي. وقد يتمرّد الطبيب على وصاية وزارة الصحة في ما بعد. هذا التحالف ركيك ومترنّح كحال جميع التحالفات في البلاد المترنّحة. صفعة العسكري للطبيب تشبه صفعة زياد أسود لـ”بارودة” المقاومة. تشبه صفعات كثيرة ستتوالى تباعاً بين الحلفاء والخصوم. وسيكون لوقعها أصوات مرتفعة. أصوات قد تبدو للخارج كما لو أنّها تصفيق حارّ. لكنّه وقع الكفوف فوق الخدود. وبعضها لطم ذاتي على الوجوه: صفعات ذاتية للنادمين على البقاء هنا في وقت كان الهرب متاحاً.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…