من الاقتراحات المطروحة في مكافحة فيروس كورونا المستجدّ، التعرّض طوعاً للفيروس بدل الهروب منه والانعزال في المنازل، ليس بمعنى مطلق، بل وفق شروط معيّنة ولأعمار محدّدة، وأن تكون عملية متحكّماً بها من خلال السلطات الرسمية.
صاحب هذا الاقتراح هو الدكتور كريس هوب (Chris Hope)، أستاذ محاضر فخري، في “نمذجة السياسات” في كلية إدارة الأعمال بجامعة كامبردج، إذ يطرح خروجاً استراتيجياً من حالة الإغلاق العام في بريطانيا، يستند إلى فكرة الإصابة التطوّعية بالفيروس. وبحسب اقتراح هوب، يمكن للحكومة أن تمنح الفرصة للناس الأصحاء كي يصابوا فوراً بالفيروس بطريقة متحكّم بها، ثم يُعزلوا في منازلهم إلى أن يتعافوا. وبذلك يمكنهم الخروج إلى أعمالهم كالمعتاد من دون خوف إصابة الآخرين بالوباء، أو انتقال العدوى إليهم من الآخرين.
إقرأ أيضاً: كورونا: سلوفينيا أنهته… اليابان سرّعت علاجه… وفرنسا لقاحها في تشرين
هوب باحث في قاعة كلير (Clare Hall)، معهد بحوث متقدّمة تابع لجامعة كمبردج ومخصّص لدراسات ما بعد الدكتوراه. وكان من قبل مستشاراً متخصّصاً لمجلس اللوردات في بريطانيا في مجال اقتصاديات التغير المناخي. وبحثه الجديد بشأن أزمة كورونا، يقدّم بديلاً من سياسة الإغلاق العام التي تتبعها الحكومة البريطانية حالياً، حيث ينعدم التباعد الديموغرافي. ويواجه الشباب حالياً وغيرهم من الأصحاء احتمال العزل لمدة طويلة، مع فقدان الوظائف والموارد.
وثمة جدل متزايد في كيفية استئناف الحياة على نحوٍ يشابه الحالة الطبيعية. فبالنسبة إلى جامعة كامبردج، أرسل ستيفان توب (Stephen Toope) نائب رئيس الجامعة الأسبوع الماضي رسالة إلكترونية تتحدث عن أربعة سيناريوهات محتملة للعام الدراسي المقبل. وتتراوح بين “التعافي السريع” وصولاً إلى “الظلام الشامل”. وخلاصتها أنّ طلاب جامعة كامبردج محكومون بتغيّرات منحنى وباء كوفيد-19، فيما يخصّ العودة إلى قاعات الدرس، وبحالة الإغلاق المفروضة من الحكومة.
يلخّص الدكتور هوب فكرته في حديث لصحيفة “فارسيتي” (Varsity) المستقلّة التي تهتم بشؤون الجامعة: “التعرّض الطوعي للفيروس شرطه أن يكون معروضاً من الحكومة. وقد يكون خياراً جذّاباً لبعض الشباب الأصحاء، والعزّاب، ولا ينبغي إهماله”.
ومفهوم الإصابة الطوعية مثير للجدل حالياً. فالشهر الماضي حظر موقع “تويتر” مؤقتاً حساب المجلة المحافظة الأميركية “ذي فيدراليست” “The Federalist” لأنها روّجت لفكرة “الإصابة الطوعية المتحكّم بها” على شكل “حفلات جدري الماء” وهو ما كان يفعله الأهل في زمن سابق قبل ظهور اللقاحات عندما يصاب طفل بالجدري. فكان يُدعى الأطفال الآخرون إلى اللعب مع المصاب، كي تنتقل العدوى بينهم، فيكتسبون المناعة. وبما أنّ إصابة الأطفال بالعدوى لا تكون جسيمة، مما لو أصيب الكبار، فكان هذا يقلّل خطر انتشار الوباء في المجتمع. واعتبر هذا المقال أنّ اعتماد هذه الطريقة يخدم استراتيجية “مناعة القطيع” عندما يصاب أكثر من 60 % من أفراد المجتمع ويتعافون من الوباء.
مقال “ذي فيدراليست” تعرّض لانتقادات باحثين في جامعة “جون هوبكينز”، الذين قالوا إن كوفيد-19، “أخطر 100 مرّة من الجدري”. وأضافوا أن “أيّ فرد يذهب إلى “حفلة كوروناّ” كي يصاب طوعياً بالوباء، لن يرفع فقط فرص وفاته في الشهر التالي، بل سيعرّض عائلته وأصدقاءه للخطر”.
ويؤكد الدكتور هوب أنّ اقتراحه هذا ليس سياسة متكاملة، ولا هو المخرج الاستراتيجي الأفضل. بل يمنح الأفراد خياراً بين اثنين: إما اعتماد التباعد الاجتماعي (SD) إلى أن تُرفع حال الطوارئ، وسيصابون بالفيروس في كلّ الأحوال، أو اختيار الإصابة المتحكّم بها (CI) الآن، مع الخضوع للفحص والعزل ومن ثمّ اكتساب المناعة.
اقتراح هوب دافعه “تفادي تراجع نوعية الحياة، وفقدان المدّخرات، والإصابة اللاحقة أو اللاإصابة، في حين أنّ الإصابة المتحكّم بها تسمح بعودة أبكر إلى ما يقارب الحياة الطبيعية، والحصول على يقين معيّن بأنّ المصاب لن ينقل العدوى إلى الآخرين خارج المنزل بدلاً من تفاقم احتمال ضئيل بأنه سيعاني من أعراض خطيرة، وربما يموت”.
وقال هوب لـ”فارسيتي”: “موقع جامعة جون هوبكينز لا يميز بين الفئات المختلفة من السكان، الذين لديهم نسب مختلفة من الوفيات، لذلك فإحصاءاته لا تلائم فكرة التعرّض الطوعي من جانب الشباب، الأصحاء، والعزّاب”.
خيار الإصابة الطوعية يعني أن تكون العدوى أقل ضبطاً مما هو الحال في الإجراء الرسمي، وبالأخصّ عندما لا يتجنّب المرء الاختلاط بالآخرين على نحوٍ موثوق به عندما يكون مُعدياً. وهذا هو النفع الرئيسي من الإصابة الطوعية
وتستند استراتيجية الإصابة الطوعية بشكل أساسي على فرضية أن الفيروس يمثّل خطراً متدنّياً للشباب والذين لا يعانون من أعراض صحية.
من جهته، ديفيد سبيغلهالتر (David Spiegelhalter) وهو أستاذ مادة “الإبلاغ بالمخاطر ودلائله” في مركز “ونستون”، قال خلال حديث لصحيفة “تلغراف”، إنّ “الخطر الشخصي متدنّ جداً بالنسبة للشباب. و17 مليون نسمة في بريطانيا هم تحت سنّ 25، سُجّلت وفيّتان بينهم فقط، وهو معدّل الخطر نفسه خلال يومين من الحوادث العامة”. هذه الحجة وجدت صداها عند الدكتور هوب، الذي يقارن بين مخاطر الإصابة الطوعية بنسبة وفاة تقدّر بـ 0.5 % وبين مخاطر “تسلّق الجبال وركوب الدراجات النارية… وما دام هذا خياراً وليس إلزاماً من الحكومة فلا مانع منه أخلاقياً”.
وتتبع دراسة هوب اقتراحات مبكرة لباحثين في جامعة وارويك (University of Warwick) تقضي بإخراج الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 والذين لا يعيشون مع أهاليهم من حالة الإغلاق. وتؤكد دراسة وارويك أنّ “رفع القيود بهذه الطريقة سيؤدي إلى منافع اقتصادية واجتماعية أساسية من دون أكلاف صحية جسيمة للبلد”.
الدكتور هوب لديه تحفّظ في ورقة العمل التي يطرحها: “كثير من الناس قادرون على القيام بحساب غير رسمي كما هو النموذج هنا في هذه الدراسة. لكن إن لم تمنح الحكومة خيار التعرّض الطوعي للفيروس للراغبين فيه، قد يحاول بعض الناس استلام زمام المبادرة بأنفسهم، والحصول على العدوى من أصدقائهم أو مخالطيهم”.
لكنّ انتشاراً للعدوى من دون التحكّم به، هو بالضبط ما لا يريد الدكتور هوب حدوثه، كما قال لـ”فارسيتي”: “خيار الإصابة الطوعية يعني أن تكون العدوى أقل ضبطاً مما هو الحال في الإجراء الرسمي، وبالأخصّ عندما لا يتجنّب المرء الاختلاط بالآخرين على نحوٍ موثوق به عندما يكون مُعدياً. وهذا هو النفع الرئيسي من الإصابة الطوعية”. في المقابل، يحثّ الدكتور هوب على “الانصياع لإرشادات الحكومة. وعدم المضيّ بهذا الخيار إن لم يكن ثمة خطة رسمية قيد التنفيذ”.
لقراءة النص الأصلي إضغط هنا