ينطلق اليوم رسمياً ماراتون التفاوض بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وذلك بعد “جلسة تعارف” عبر “فيديو كول” أمس الأوّل، كانت قائمة بينما كان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية “ينعى” مسبقاً نتائج المفاوضات، بقول إنّ هناك من يكذب على اللبنانيين، باعتبار شروط الصندوق واضحة ومعلومة ولا يمكن للبنان تحمّلها.
لكن لن تتولّى جهة واحدة من الجانب اللبناني التفاوض مع الصندوق الدولي، نظراً لتشعّب مندرجات الخطة المالية المقدّمة لتكون قاعدة برنامج الدعم المطلوب. الفريق اللبناني سيتألّف من ممثّلين عن الحكومة، وممثّلين عن المصرف المركزي، وممثّلين عن وزارة المال، إلى جانب ممثّل عن رئاسة الجمهورية، ليصار بعد ذلك إلى التخصّص في الملفات المطروحة، ليتولّى كلّ فريق مناقشة القضايا التي تعنيه. على سبيل المثال، سيشرح ممثّلو المصرف المركزي النقاط المرتبطة به، وممثّلو وزارة المال سيشرحون النقاط المرتبطة بالمالية العامة…
إقرأ أيضاً: وزير بارز لـ”أساس”: النازحون يفتحون طريق لبنان الى صندوق النقد…
وفق المطلعين على الملف المالي، فإنّ خريطة المفاوضات التي قد تستمر أكثر من شهرين، ستتحدّد خلال هذا الأسبوع بشكل يوضح المسار الذي ستسلكه. والأهمّ أنّ أولى تلك الاتصالات ستكون بمثابة “مقبّلات” قبل أن يغرق الفريقان في مستنقع الأرقام اللبنانية ودهاليز الهدر التي جعلت من لبنان دولة متعثّرة مالياً بعد إعلانها التوقف عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية. وحدها الإصلاحات هي الطبق الأساس، ومن بعدها يحسم الصندوق قراره بدعم لبنان… أو يترك النار تندلع في بركانه الاجتماعي.
فهل سيتحمّل لبنان كلفة الاستدانة من صندوق النقد؟ وهل ستكون شروطه تعجيزية؟
بالمبدأ، سهّل الضوء الأخضر الذي أطلقه “حزب الله” في ما خصّ مسألة التعاون مع صندوق النقد، المهمّة على الحكومة اللبنانية، ولو أنّ “الحزب” ترك تلك الموافقة مشروطة بعدم التعرّض للسيادة اللبنانية وتحويل دعم الصندوق إلى وصاية دولية، أميركية بالتحديد، نظراً للدور العضوي للولايات المتحدة في عمل الصندوق. لكنّ هذا القبول من جانب “الحزب” لا يكفي لكي تكون طريق المفاوضات سهلة.
ثلاثة شروط أساسية تثير الرعب في نفوس اللبنانيين من فكرة الاستسلام لبرنامج صندوق النقد وتجعل من المهمة شبه مستحيلة: تحرير سعر الصرف، فرض ضريبة على البنزين، ورفع الدعم عن الكهرباء. خصوصاً وأنّ تجربة حكومة سعد الحريري الأخيرة مع هذه الشروط باءت بالفشل. إذ حاول الحريري يومها تمرير رفع الضريبة على القيمة المضافة ووضع خمسة آلاف ليرة إضافية على سعر صفيحة البنزين، فلم يفلح.
فما الذي تغيّر؟
تجيب مصادر معنية بالملف المالي إنّ لبنان لم يطلب وصفة جاهزة من صندوق النقد ولا الأخير عرض على لبنان برنامجاً محضّراً سلفاً، بل قرّرا الذهاب إلى مسار تفاوضي طويل لكي يتفاهما على برنامج مشترك يأخذ بالاعتبار شروط الصندوق وخصوصية لبنان.
وتؤكد المصادر أنّ تجربة صندوق النقد مع الدول المتعثّرة ولّدت لدى المسؤولين فيه قناعة مفادها أنّه لا يمكن فرض وصفات جاهزة في كلّ المرات، ولا بدّ من مراعاة العوامل المحلية التي تتناسب مع خصوصية كلّ دولة بشكل يضمن للصندوق أنّه سيستعيد الحصّة المالية التي سيقدّمها.
تعتبر المصادر أنّ صندوق النقد لن يفرض شروطاً تدفع بالوضع الاجتماعي إلى الانفجار لأن المطلوب هو ضمان استعادة استثماراته، وهذا الأمر لن يتمّ إلا اذا كانت الشروط مقبولة
وتشير المصادر إلى أنّه حتّى اللحظة لم يفصح صندوق النقد عما لديه من شروط أساسية سيفرضها على لبنان، ولو أنّه اطلع على عناوين الخطة ويعرف جيداً سياقها. وتلفت إلى أنّ صندوق النقد يعي جيداً المخاطر المعيشية التي تهدّد الاستقرار الاجتماعي في لبنان وهو راقب عن كثب حركة الشارع ومدى ارتفاع نسب البطالة ومستوى الفقر. ولذا من المتوقع أن يكون ليّناً في التعاطي مع الفريق اللبناني المفاوض، ليس حبّاً بلبنان ولكن حرصاً منه على الاستقرار الاجتماعي وليكون استثماره في لبنان ناجحاً وغير معرّض للخطر.
تعتبر المصادر أنّ صندوق النقد لن يفرض شروطاً تدفع بالوضع الاجتماعي إلى الانفجار لأن المطلوب هو ضمان استعادة استثماراته، وهذا الأمر لن يتمّ إلا اذا كانت الشروط مقبولة، وتراعي المعايير اللبنانية ولا تكون قنبلة موقوتة. ولهذا ثمة مفاوضات جارية وإلا لكان قدم وصفته على طريقة.take it or leave it لكن من يضمن أنّ “شروط” الصندوق ستتوافق مع المزاج الشعبي الرافض للضرائب من جهة، ومع “عدم التعرّض للسيادة اللبنانية وعدم تحويل دعم الصندوق إلى وصاية دولية، أميركية بالتحديد”، من جهة حزب الله؟
ترى المصادر المعنية بالملفّ المالي أنّ أهم ما في هذا المسار هو الإجراءات الإصلاحية الواجب على الحكومة اتخاذها لإثبات حسن نيتها بالعمل الجاد لوقف مزاريب الهدر والفساد، ولكي لا تذهب هذه المفاوضات سدى. وأبرز تلك الاصلاحات: قطاع الكهرباء، التهرّب الضريبي، والتهرّب الجمركي.