ثمّة مَن يراقب بصمت غير بريء عدّاد الإصابات بفيروس “كورونا” وهو يحلّق من جديد منذراً بموجة صحيّة عاصفة قد تعيد البلاد إلى الوراء. يقول بعض هؤلاء المراقبين إنّ الموجة الخامسة التي تجتاح أوروبا قد تدفع بها إلى الإقفال العامّ، الأمر الذي يزيد من احتمال سيناريو الإقفال بعد الأعياد في نهاية شهر كانون الأول المقبل، سواء كان شاملاً أو جزئياً يشمل بعض المرافق من دون سواها. وينهي هؤلاء المراقبون كلامهم بسؤال هو الهدف من كلّ هذا الرصد: كيف يمكن الانخراط في وحول الانتخابات النيابية والحملات الشعبية التي تستدعي حضوراً كثيفاً للناخبين، في ظلّ هذا الإقفال إذا حدث؟
، يصرّ المطّلعون على موقف ميقاتي على وصف “الإيجابية”، للاتصالات العابرة للمقارّ السياسية، وتحديداً للقوى المكوِّنة للحكومة. باعتبارها تسمح بحصول خرق قد ينتشل الحكومة من “بئر” التعطيل الذي يفرضه البيطار
هناك مَن يعتبر (أو يخطّط؟) أنّه في ظلّ حالة التردّي الاقتصادية والصحّية قد تعطي الجائحة عذراً صحّياً واستشفائياً لا يمكن لأيّ دولة أوروبية أو غربية أن تواجهه أو تتجاوزه، لتنفيذ رغبة البعض بتأجيل الانتخابات النيابية. وقد بات هذا السيناريو على طاولة النقاش الجدّي، ومن شأنه أن يخفّف من حدّة التشنّج الداخلي.
صحيح أنّ واجهة التشنّج ترتبط بعمل المحقّق العدلي في قضية مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، المتّهم من الثنائي الشيعي بأنّه استنسابي في سلوكه، لكنّ ثمّة مَن يتّخذ من هذا العذر عنواناً لاشتباك من نوع آخر: مصير الانتخابات النيابية من باب العمل على تأجيلها، ولو بعض أشهر لا أكثر. والفريق العوني هو المقصود بهذا الكلام.
على هذا الأساس، تجري اتصالات خلف الكواليس، يقود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جزءاً منها، فيما باريس تقود الجزء الخارجي، في محاولة لتهدئة الوضع الداخلي من خلال إخماد حرائق الأزمات السياسية التي اُفتُعلت على أكثر من جبهة، وتبريدها: تحقيقات المرفأ، الانتخابات النيابية، والتصعيد الخليجي ضدّ لبنان بعد مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي بالشكل على الأقل.
وبالفعل، يصرّ المطّلعون على موقف ميقاتي على وصف “الإيجابية”، للاتصالات العابرة للمقارّ السياسية، وتحديداً للقوى المكوِّنة للحكومة. باعتبارها تسمح بحصول خرق قد ينتشل الحكومة من “بئر” التعطيل الذي يفرضه البيطار بفعل أدائه المشكوك في خلفيّاته. وقد ساعد على تعزيز هذا المناخ الإيجابي خروجُ بعض المواقف التي تصبّ في هذا السياق أيضاً. إذ كشف النائب فريد البستاني أنّ “الأسبوع المقبل سيشهد تطوّراً قضائياً لفصل مسار قضية انفجار مرفأ بيروت عن الحكومة بطريقة تُرضي جميع الأطراف”. بدوره، لفت وزير العمل مصطفى بيرم إلى وجود “مؤشّرات إيجابية تشير إلى أنّنا أمام فرصة حقيقية لحلّ مناسب لعودة جلسات الحكومة”. وهذا ما يؤكّد أنّ المحاولات الجارية بعيداً عن الإعلام بدأت تسلك مساراً قد يعيد الحياة إلى الحكومة.
هل تبقى خارطة الطريق التي ستنطلق يوم الإثنين، محصّنة من أيّ خضّة غير محسوبة، أم هناك حسابات أخرى ستتحوّل في اللحظات الأخيرة إلى ألغام تمنع هذه التسوية؟
الاستقلال.. والتسوية
يقول مطّلعون على هذه الاتصالات إنّ الاحتفال الذي سيُقام يوم الإثنين لمناسبة عيد الاستقلال، سيشهد بطبيعة الحال لقاء ثلاثيّاً بين الرؤساء ميشال عون، ونبيه بري، ونجيب ميقاتي. وينتظر العاملون على خطّ التهدئة أن يشكّل اللقاء مناسبة لكسر الجليد وتخفيف التشنّج بين عون وبري على خلفيّة ملفّين أساسيّين: التحقيقات، وموعد الانتخابات النيابية. ويشيرون إلى أنّ المحاولات الجارية تنبىء بإمكانية تحقيق هذا الخرق، والتمهيد لمزيد من الخطوات التسوويّة.
ويلفتون إلى أنّ استعادة التواصل بين الرئاستين الأولى والثانية من شأنه أن يساعد على حلحلة عقدة التحقيقات العدلية، من خلال إجراء ستتولّاه السلطة القضائية بنفسها، وهو الدفع باتّجاه التزام المادّتين 70 و71 من الدستور ليكون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع الصالح في ملاحقة هؤلاء. وهي خطوة قد يبرز أوّل مؤشّراتها مطلع الأسبوع المقبل.
ويقول هؤلاء إنّه على هذا الأساس لمّح رئيس الحكومة إلى إمكانية الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، ليس من باب الاشتباك مع الثنائي الشيعي وفرض أمر واقع لا يريده، وإنّما لإدراكه أنّ طريق الاتصالات لم تعد مزروعة بالكثير من الألغام وبات بالإمكان الحديث عن تفاهم سيحرّر الحكومة من جديد.
إقرأ أيضاً: “وَعْد” ميقاتي الوزاري يصطدم بفيتو شيعيّ
لكنّ موعد التئام الحكومة من جديد لا يزال غير محدّد، والأرجح سيكون بعد عودة ميقاتي من الفاتيكان، حيث سيستقبل البابا فرنسيس رئيس الحكومة اللبناني في 25 الجاري. ويعوّل المطّلعون على موقفه على هذه الزيارة في المساعدة على تخفيف الضغط الذي تمارسه دول الخليج، نظراً إلى العلاقة “النوعية” التي صارت تربط حاضرة الفاتيكان ببعض دول الخليج، وذلك من باب السعي أقلّه إلى وقف الضغط ومنع تمدّده أكثر.
فهل تبقى خارطة الطريق هذه، التي ستنطلق يوم الإثنين، محصّنة من أيّ خضّة غير محسوبة، أم هناك حسابات أخرى ستتحوّل في اللحظات الأخيرة إلى ألغام تمنع هذه التسوية؟