مستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن في الرئاسة له 3 احتمالات:
1- أن يفوز حزبه بأغلبية مريحة في انتخابات تمديد المجلس التشريعي، فيضمن لنفسه مقعد الرئاسة الثانية في 2024.
2- أن تتدهور حالته الصحية بسبب تقدّم سنّه، فتمنعه من أداء مهامّه، أو يتوفّاه الله فتصبح نائبته كاميلا هاريس هي رئيسة البلاد بحكم النظام والدستور.
3- أن تستمرّ مؤشّرات عدم الرضى الشعبي عن أدائه لمهامّ منصبه، فيستمرّ هبوط ثقة الشارع الانتخابي بحزبه، فينتهي الأمر إلى فقدان الرئيس والحزب الانتخابات المقبلة، سواء في المجلس التشريعي أو حاكميّة 13 ولاية أو منصب الرئاسة.
الفارق الجوهري بين بايدن وسلف دونالد ترامب أنّ وعود ترامب، على الرغم من تطرّفها وجنوحها نحو اللامعقول، تمّ تطبيقها وفرضها على أرض الواقع، فيما رؤى بايدن، على الرغم من بريقها الإنساني والسياسي، ثبت أنّها بعيدة عن إمكانية التطبيق
بالطبع لا نذكر احتمالات الاغتيال أو تقديم الرئيس استقالته لأسباب شخصية خاصّة أو نتيجة أزمة سياسية (مثل حالة الرئيس ريتشارد نيكسون).
من هنا نطرح السؤال: هل استعدّ العرب للتعامل مع الاحتمالات الثلاثة: أي بقاء الرجل أو مشاركة نائبته مقاليد الحكم أو تولّيها.
يحدث ذلك كلّه في زمن يعيش النظام الدولي العالمي مستجدّاتٍ رئيسية:
1- عالم ينتقل من أحاديّة القطبيّة إلى عالم متعدّد القطبيّة تدخل فيه الصين بقوّة واندفاع، من حيث التأثير والنفوذ، عبر بوّابات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، وعبر أهمّ طريق استراتيجي في التاريخ المعاصر، وهو “طريق الحرير الجديد”.
2- عالم مأزوم بسبب فيروس “كورونا” الذي جعله يفقد قرابة ثلث إجمالي دخله العام.
3- عالم قرّرت فيه الولايات المتحدة إعادة التموضع استراتيجيّاً، وإعادة ترتيب أولويّات الاهتمام الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى جنوب بحر الصين والمحيط الهادئ.
4- وجود إدارة أميركية أيديولوجيّة مؤدلجة مؤمنة بأفكار ومبادئ اليسار الديموقراطي.
5- وجود فريق عمل رئاسي – مثل جايك سوليفان، ديفيد بلينكين، وليام برنز، وندي شيرمان، جون كيري، وروبرت مالي – ينتمي بالولاء والأفكار والتجارب إلى ثماني سنوات من العمل بشكل لصيق مع الرئيس الأسبق باراك أوباما، ويعتبر الاتفاق النووي الإيراني من أهمّ منجزاته الخاصّة التي يسعى إلى إحيائها مرّة أخرى كي يثبت للجميع أنّ هذا الاتفاق كان عظيماً، وليس معيباً كما “ادّعى عليه ترامب بقسوة وبقوّة”.
كلّ ما راهن عليه الرئيس بايدن وفريقه قبل انتخابات الرئاسة، ثبت بالتجربة العمليّة أنّه غير قادر على الوفاء به في عالم السياسة الخارجية
يدخل هذا العالم الجديد الشديد السيولة والارتباك الآن في مرحلة إعادة الصياغة والتشكيل.
يحدث ذلك بالتوازي مع حالة انكفاء أميركي على الداخل تركّز على توفير الرعاية الصحية، والتقديمات الاجتماعية، وتحسين أحوال الطبقة الوسطى، والإصلاح الضريبي، وذلك بشكل يحتلّ الصدارة ويعلو في الاهتمامات على أيّ ملفّ خارجي، باستثناء ملفّ العلاقة مع الصين لتداعياته المباشرة على أداء الاقتصاد الأميركي ومعدّل البطالة والتضخّم وتحسّن أو عجز ميزان التجارة الخارجية الأميركية.
وتؤكّد مجريات الأحداث منذ يوم 20 كانون الثاني من هذا العام أنّ كلّ ما راهن عليه وتعهّد به الرئيس بايدن في مجال السياسة الخارجية خلال حملته الرئاسية أخفق فيه أو اضطرّته الظروف العملية إلى تعديله بشكل كبير.
يخلق ذلك كلّه معضلة جوهرية:
كلّ ما راهن عليه الرئيس بايدن وفريقه قبل انتخابات الرئاسة، ثبت بالتجربة العمليّة أنّه غير قادر على الوفاء به في عالم السياسة الخارجية.
راهن على تأكيد مشروع الدولتين بين إسرائيل وفلسطين ولم يقدر.
راهن على خروج آمن ومشرّف من أفغانستان في ظلّ حكمٍ موالٍ لواشنطن، فخرج من كابول في أسوأ مشاهد الارتباك والخزي، وسلّم البلاد لعدوّه التقليدي حركة طالبان.
راهن على إضعاف رجب طيب إردوغان، فاضطرّ إلى التعامل معه.
اعتقد أنّه يمكن تجاهل دور القاهرة والرياض، فاضطرّ إلى التعامل معهما في عدّة ملفّات.
وعد بالتعاون مع الحليفة أوروبا، وبالذات مع فرنسا، فوجّه طعنة كبرى إلى الأخيرة باختطاف صفقة الغواصات مع أستراليا منها من خلال تحالف بريطاني-أميركي.
واليوم يعتقد أنّه قادر على “تقليم أظافر” العملاق الصيني من ناحية النفوذ والقوة والتنافس التجاري، فوجد نفسه يعرض منذ أيام على الرئيس الصيني علناً “التعاون وتنظيم التنافس التجاري حتى لا يتحوّل إلى صراع”، على حدّ وصفه.
أزمة منهج جو بايدن أنّ منطلقاته الفكرية المبدئية تثبت عدم مطابقتها على أرض التطبيق العملي الواقعي.
الفارق الجوهري بين بايدن وسلف دونالد ترامب أنّ وعود ترامب، على الرغم من تطرّفها وجنوحها نحو اللامعقول، تمّ تطبيقها وفرضها على أرض الواقع، فيما رؤى بايدن، على الرغم من بريقها الإنساني والسياسي، ثبت أنّها بعيدة عن إمكانية التطبيق.
من هنا يمكن القول إنّ إمكانية ترشيح بايدن لفترة رئاسية ثانية تختفي مع مرور الوقت.
الذي يؤكّد ذلك هو 4 علامات رئيسية:
1- انخفاض شعبية الرئيس بايدن في الشهور الثلاثة الماضية.
2- التأثير السلبي للخروج المهين للقوات الأميركية من كابول بعد 20 عاماً من إدارة أفغانستان، وبعد إنفاق 1.8 تريليون دولار.
3- وجود أجنحة من تيار اليسار في الحزب الديموقراطي تصدر ملاحظات وانتقادات سلبية لسياسات بايدن.
4- فشل عدّة مرشّحين للحزب الديموقراطي في الانتخابات المحليّة الأخيرة، وأهمّها في ولاية فرجينيا، حيث لم يفوزوا بمقاعد مهمّة، ومنها مقعد الحاكم، على الرغم من كون هذه الولاية من الأركان التقليدية تاريخيّاً للحزب الديموقراطي.
ويشمّر دونالد ترامب الآن عن ساعده لدعم مرشّحي تيّاره في الحزب الجمهوري خلال الانتخابات التشريعية في العام المقبل.
وتُعدّ بيانات السيناتور الجمهوري المتشدّد “تيد كروز” أكثر من خائفة، ولا سيّما في ملفّات الصين وروسيا والإخوان المسلمين.
ويزداد بقوة التشكُّك في جدوى زيادة الإنفاق الحكومي غير المسبوق، التي ناضل من أجلها الحزب الديموقراطي، والتخوّف من تأثيراتها السلبية المخيفة على الدين العام الأميركي، والعجز الذي يمكن أن يواجه الاقتصاد الأميركي في المديين القصير والمتوسط.
تؤكّد مجريات الأحداث منذ يوم 20 كانون الثاني من هذا العام أنّ كلّ ما راهن عليه وتعهّد به الرئيس بايدن في مجال السياسة الخارجية خلال حملته الرئاسية أخفق فيه أو اضطرّته الظروف العملية إلى تعديله بشكل كبير
خطران يواجهان استمرار بايدن في الحكم:
الأوّل: تقدّمه في السنّ والتشكيك في قدرته الصحيّة على الوفاء بالتزامات ومسؤوليات الرئاسة، ما قد يفتح الطريق دستورياً أمام نائبته “كاميلا هاريس”، التي تمثّل تيار اليسار في الحزب الديموقراطي.
الثاني: الإخفاق السياسي في الانتخابات التشريعية المقبلة، الذي يجعل مهمة إدارة وإصدار القرارات الرئاسية سهلاً، ويشير إلى زيادة احتمالات خسارته في انتخابات الرئاسة المقبلة.
يعيد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أمثال مصر، السعودية، الإمارات والأردن، تقويم مجريات ومستقبل هذه العلاقة، ليس لرغبة انفرادية طوعية منهم، لكن كردّ فعل غاضب من سياسات بايدن في الشرق الأوسط التي تقوم على:
1- الرهان على الاتفاق مع إيران بأسرع وقت وبأيّ ثمن من دون ربط الاتفاق معها بإضعاف نشاط طهران العدائي في المنطقة.
2- إعادة التموضع الاستراتيجي في المنطقة من خلال خروج القوات البرّية الأميركية من العراق، أفغانستان وسوريا.
3- إعادة “تدوير مشروع الربيع العربي” الذي فشلت فيه إدارتا جورج دبليو بوش واكتمل مع وباراك أوباما.
4- اتّباع سياسة “الواقعية الجديدة”، كما سمّاها معهد “راند” للدراسات التابع لوزارة الدفاع الأميركية، التي تقوم على تركيز المصالح وتدعيم المبادئ.
5- عدم قدرة الاقتصاد الأميركي على دفع فواتير استراتيجية في أماكن الصراع العالمي مرة أخرى، والتعامل مع الحلفاء والأصدقاء بمنطق الزبائن وليس الشركاء.
لا تروق هذه السياسات ولا تتّفق مع رؤى زعامات من أمثال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشيخ محمد بن زايد، الأمير محمد بن سلمان ونفتالي بينيت.
ويدرك كلّ هؤلاء وجود تلاشٍ تدريجيّ للتأثير الأميركي العالمي بعدما انخفض التأثير الاقتصادي الأميركي على حركة الاقتصاد العالمي منذ الستينيّات حتى الآن إلى 20 في المئة فقط من التأثير.
في الوقت نفسه أصبحت الصين الزبون المستهلك الرئيسي للنفط العربي، إذ تستورد 17 في المئة من نفطها من السعودية وحدها، وتستهلك مليون وسبعمئة ألف برميل يوميّاً، ويمرّ 39 في المئة من نفطها وتجارتها عبر مضيق هرمز.
إقرأ أيضاً: جو بايدن.. يساريّ مزيّف يُطلق النار على قدمه
من هنا نقول إنّه يتعيّن على حلفاء أو أعداء واشنطن في المنطقة أن يتدارسوا جيّداً وبعمق التغييرات الجوهرية في السياسة الأميركية في ظلّ عالم يُعاد تشكيله.
ومن هنا أيضاً لا بدّ من الإجابة على السؤال الكبير: هل نحن على استعداد للتعامل مع احتمالات فوز أو خسارة بايدن في الفترة الثانية؟
الاحتمال الأسوأ هو تحقّق كارثة خلوّ منصب الرجل وتولّي كاميلا هاريس الرئاسة.
يا ويلنا لو حدث ذلك السيناريو!