هل تريد إيران الاتّفاق النوويّ؟

مدة القراءة 6 د

نيك بيلهام – (Nick Pelham) الإيكونوميست

 

لا يبدو أنّ إيران وأميركا قريبتين من إحياء الاتفاق النوويّ المتعدّد الأطراف (أعضاء مجلس الأمن وألمانيا، والاتحاد الأوروبيّ من جهة، وإيران من جهة مقابلة)، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (jcpoa)، وذلك على الرغم من المحادثات التي جرت وقائعها عام 2021. وهو الاتفاق الذي أقدم دونالد ترامب على سحب أميركا منه عام 2018. كلا الطرفين يقولان إنّهما يرغبان بالعودة إلى شروط الاتفاق الأصليّ، بشرط أن يعود إليه أوّلاً الطرف الآخر. لكنّ العالم تغيّر منذ ذلك الحين. ومع احتمال استمرار الجمود في المفاوضات عام 2022، فإنّ ذلك يعني أنّ إمكانيّة التصعيد بين الغرب وإيران تتزايد.

والتغيير الكبير الحاصل الآن أنّه على الرغم من استعادة الديموقراطيين للسلطة في أميركا، إلا أنّ المتشدّدين يسيطرون الآن على كلّ مقاليد السلطة في إيران. فالرئيس الجديد للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، إبراهيم رئيسي، تجاهل جهود استعادة الاتفاق النووي، وعقب أشهر من تهرّبه، يمكن القوى العظمى أن تستنتج أنّ رئيسي وراعيه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لم يعودا مهتمّيْن باتفاق نووي كامل.

التغيير الكبير الحاصل الآن أنّه على الرغم من استعادة الديموقراطيين للسلطة في أميركا، إلا أنّ المتشدّدين يسيطرون الآن على كلّ مقاليد السلطة في إيران

إنّ المتشدّدين في إيران قلقون من أنّ الغرب يريد استعمال الاتفاق النووي خطوةً أولى للحدّ من النفوذ الإقليميّ لإيران، ومن برنامجها الصاروخي الباليستي، والضغط عليها في ملفّ حقوق الإنسان. ومن شأن تحسين العلاقات مع الغرب أيضاً أن يُحيي قوّة الإصلاحيين الإيرانيين في صراعهم مع النواة الداخلية للنظام، وأن يرفع آمالهم في إضعاف الحماسة الدينيّة لإيران. لذا قد يقرّر المتشدّدون أنّ من الأفضل تجنّب الرجوع إلى الاتفاق النووي. إضافة إلى ذلك، لن يرغب السيّد خامنئي في أن تزعج القوى الغربية ترتيبات خلافته، التي ستكون على الأرجح لابنه مُجتبى.

وبالنتيجة، فإنّ الدبلوماسيين الغربيين سيصرفون جهودهم مطلع عام 2022 في محاولة صياغة بدائل إبداعيّة. فمُعادلة “المزيد مقابل المزيد”، ستحرّر إيران من عقوبات أكثر ممّا نصّ عليه الاتفاق النوويّ الأصليّ مقابل تعليق برنامجها النووي على المدى الطويل. أمّا معادلة “الأقلّ مقابل الأقلّ”، فتحرّر حوالي 100 مليار دولار من الأصول الإيرانيّة المجمّدة في الخارج مقابل تراجع طهران عن تخصيب اليورانيوم. وستطالب إيران أميركا بإلغاء جميع العقوبات التي فرضها ترامب عليها، مع وعد أميركيّ بعدم التراجع عن الاتفاق مرّة أخرى. وستصرّ الولايات المتحدة بالمقابل على أن تقلّص إيران أوّلاً عمليّات التخصيب النووي.

ومن المرجّح أن يشجّع جمود المفاوضات المتشدّدين في طهران، الذين سوف يجادلون بأنّ العقوبات الأميركية المفروضة على المصارف وعلى النفط تعزّز قدرة إيران على الصمود، وتسرّع من تنويع مواردها بعيداً عن الوقود الأحفوري (النفط). وسيسعى رئيسي إلى الاقتراب من الصين، وتحسين العلاقات التجارية مع منظمة شنغهاي للتعاون، وهي نادٍ انضمّت إليه إيران في عام 2021، ويضمّ أيضاً الصين والهند وروسيا. وفي الأثناء، تضاعفت مبيعات النفط الإيراني إلى الصين عام 2021، وستستمرّ في الارتفاع. وقد يسود برود إضافيّ لدى الرأي العام الإيرانيّ اتّجاه أميركا.

 ومع مرور الوقت، قد تملّ القوى الغربية من هذا الاتفاق، الذي عُقِد في عام 2015، وكان ممتلئاً بمُهل “الانقضاء” التي تضع حدوداً زمنيّة للقيود على المشروع النوويّ الإيرانيّ. أمّا حظر بيع الأسلحة إلى إيران فقد انتهى وقته فعلاً. وتبدأ القيود على البرنامج النووي الإيراني بالتساقط، بحسب الاتفاق نفسه، ابتداء من عام 2024. وتسقط كلّها بحلول عام 2031. ولهذا يُفصح بعض الدبلوماسيين الغربيين عن قلقهم من أنّ الاتفاق لا يستحقّ الجهد المبذول عليه.

ومن هنا يبرز احتمال تصعيد المواجهة بين الغرب وإيران. وسيكون أوّل مسرح لهذه المواجهة هو التطوّر النوويّ لإيران. فبحلول أيلول 2021، كان لدى إيران خمسة أطنان من اليورانيوم المخصّب بنقاء انشطاري تبلغ نسبته 3.67%، بعدما كانت الكميّة المسموح بها بحسب الاتفاق تبلغ 200 كيلوغرام. وتمّ تخصيب 85 كيلوغراماً بنسبة تخصيب تصل إلى 20%، و10 كيلوغرامات أخرى مخصّبة بنسبة تصل إلى 60%، وهو ما يزيد بكثير على أيّ شيء يُحتاج إليه للأغراض المدنية. وقد أقرّ البرلمان الإيراني استعمال جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي التي من شأنها توسيع أهداف التخصيب لتشمل نسبة 90% أو أكثر، وهي النسبة المستعملة في صناعة الأسلحة النوويّة.

أمّا المسرح الثاني للمواجهة فسيكون على المستوى الإقليميّ، حيث بمقدور إيران القيام بمناورات عسكريّة على حدودها مع أذربيجان، التي لديها علاقات وثيقة مع إسرائيل. من جهتها، قد تزيد إسرائيل من عمليّاتها التخريبيّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة، واستعمال طائراتها المسيّرة ضدّ وكلاء إيران الكُثُر في المنطقة، الأمر الذي يرفع مستوى خطر اندلاع حرب إقليميّة. وقد تمنح إيران البحريّة الصينيّة حقّ استعمال جُزرها في الخليج. ويقدّر بعض المراقبين أنّ المواجهات العسكريّة الأولى بين الصين والغرب قد تكون في خليج عُمان، بدلاً من جنوب بحر الصين.

إقرأ أيضاً: إيران نحو القنبلة النّوويّة: هل حان وقت الحرب؟

لكنّ الخوف من مثل هذه السيناريوهات قد يسحب الدول المتعادية من حافّة الهاوية. فلا أحد يرغب بالحرب. وقد يعرض الغرب على إيران شروطاً أفضل تسمح للمتشدّدين في طهران بحفظ ماء الوجه (على الرغم من كلّ تبجّحهم، فإنّهم يريدون اقتصاداً أقوى). ويفتقر رئيسي إلى 600 مليار دولار من الاحتياطات التي خفّفت عبء العقوبات على إيران قبل عقد من الزمن، ويفتقر أيضاً إلى الإفراج الجزئيّ عن الأصول الماليّة المجمّدة التي منحها الغرب لسلفه روحاني. فقد الريال الإيرانيّ 90% من قيمته مقابل الدولار منذ عام 2015. وقد تضرّرت الرواتب والمدّخرات. فأسعار الموادّ الأساسيّة، مثل الأرزّ، جعلتها بعيدة المنال بالنسبة للمواطن الإيرانيّ. وأثار انقطاع الكهرباء والمياه غضباً شعبيّاً فيما يستعدّ السيد خامنئي لترتيب خلافته. ولكنّ الرجل العجوز قد يحسب أنّ نظامه سيكون أكثر أماناً من دون تدخّل الغرب.

لقراءة النص الأصليّ: اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…