عون ونصر الله وميقاتي: لا خلاص معهم

مدة القراءة 5 د

عندما كان عشراتٌ من مقاتلي الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله البالغ عددهم، بحسب إحصائه، المئة ألف، يتبخترون بين فاريا وعيون السيمان في أعالي الجبال (طبعاً لإرعاب إسرائيل وليس المواطنين الآمنين!)، كانت حرائق هائلة تشتعل في غابات قضاء صور وتعجز كلّ المحاولات عن إطفائها. حزب الله كان يهدّد إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور من أعالي الجبال، فيما كان الرئيس نبيه برّي يطالب بتعيين مأمورين للأحراج (= الغابات) خارج القيد الطائفي، لأنّ رئيس الجمهورية، غير الطائفي بتاتاً، يأبى منذ أكثر من ثلاث سنوات تعيين هؤلاء الموظفين من الفئة الرابعة، لأنّ أعداد المسلمين بينهم تزيد على أعداد المسيحيين المرشّحين لتلك الوظائف الشامخة!

لستُ أدري أيّ الأمور هو الأكثر إثارةً للسخرية والسخط معاً: هل هو الإصرار على ادّعاء مقاتلة إسرائيل من أقاصي جبال لبنان، أم هو تذكُّر برّي لمأموري الأحراج أخيراً وسط الحرائق، أم إصرار فخامة الرئيس على “حقوق” المسيحيين الذين لسوء الحظ لا يريدون أن يكونوا موظّفين في إدارة حفظ الغابات التي تحترق عشرات الآلاف من أشجارها كلّ عام بسببٍ وبدون سبب.

لقد كثرت الجبهات المعارِضة، لكنّها تنشغل بالانتخابات، وتنسى أولئك الذين قد يُقْدِمون أيضاً على تعطيل الانتخابات أو تزويرها

هذان الحدثان اللذان يشيران إلى العبثيّة القاتلة، التي يمارسها المتسلّطون وسط الخراب المتمادي، لا تقلّ دلالتهما عن دلالات “حركات” نجيب ميقاتي لفكّ الأسْر عن حكومته المفكّكة بأزمات وبدون أزمات. هناك الأسْر بسبب القاضي طارق البيطار. وهناك الأسْر بسبب الجبّار، أقصد جورج قرداحي المغوار. وهناك أخيراً الأسْر الثالث الذي فرضه الميقاتي على نفسه بالإصرار على إرضاء نصر الله ورئيس الجمهورية ميشال عون اللذين لا يعملان معاً للمرّة الأولى منذ العام 2006.

من لبنان إلى العراق وإلى اليمن، يشعل المتأيرنون، المُسمَّون ممانعةً ومقاومةً، الموقف إعداداً واستعداداً للمفاوضات حول الملفّ النووي الإيراني في 29/11 في فيينا. ويا ويلنا إذا لم تنجح المفاوضات.

إنّما لماذا يكون على ثلاثة بلدان عربية أو أربعة أن تخرب لتستمتع إيران بالضغط على الولايات المتحدة أو تعتقد ذلك؟ فهذا أمرٌ لا يسأل أحدٌ عنه الإيرانيّين ولا حزب السلاح عندنا. لقد صرنا نعرف مواقع الحزب في عيون السيمان وفي جرود العاقورة وفي صنّين وفي الباروك، ليس لأنّ الحزب خاض معارك منها ضدّ إسرائيل، بل لأنّ الحزب مصرٌّ على إعلامنا كلّ الوقت أنّ أمننا ورقةٌ بيده في معاركه الداخلية وفي تهديداته الخارجية، وفي كلّ الأوقات، للإساءة إلى المواطنين.

كلّ هذه الوقائع يعتبر الميقاتي (رأس السلطة التنفيذية أو الإجرائية بحسب الدستور) أنّه غير معنيٍّ بها. فهو لا يتذمَّر ولا يطالب بالخلاص من سلاح الحزب، ولا يُظهر اهتماماً بحرائق الغابات لانشغالاته بالبيطار وبالقرداحي وأشباههما، لكأنّه لا يعرف قول السيّد المسيح لمارتا: “تسألين عن أشياء كثيرة، والمطلوب واحد”. المطلوب أن تكون رئيساً للحكومة التي لا تملك من صلاحيّاتها وممارساتها الآن غير اللقب الفخم.

معظم اللبنانيين، بحسب وسائل الإعلام على الأقلّ، يضعون آمالهم الكبرى في الانتخابات رجاء التغيير بهذه الطريقة (الديموقراطية). ومع أنّ المتحمّسين للانتخابات شباب، فهم يتذكّرون ولا شكّ كيف تصرّف الحزب المسلَّح مع الأكثرية النيابية المنتخبة عام 2005 وعام 2009. هم ينسون هذه الدروس لأنّهم لا يريدون الذهاب باتّجاه النزاع الداخلي المدمِّر. ولديهم توجّهان: السعي إلى الهجرة، واعتبار النظام اللبناني (وليس المنظومة فقط) في أزمةٍ تستدعي تغييراً جذرياً يرون أنّ الانتخابات موصلةٌ إليه لا محالة. وهذا اعتقادٌ يُضاهي في خطورته الرهانات السابقة على نصر الله وعون، وما أدراك ما نصر الله وعون، بل والميقاتي المتساذج والمستكين لنصر الله وعون والمتواطئ معهما فعلاً.

لا مانع لديَّ في أن يستمرّ إيمان الشباب بالانتخابات. وعلى أيّ حالٍ فالوقت قصير والنتائج أقصر. إنّما الواقع أنّ هذه الوقائع أو هؤلاء الشخوص الثلاثة: نصر الله وعون وميقاتي، وكلٌّ على طريقته، يمنعون وسيمنعون أيّ تغيير إذا ظلُّوا في مواقعهم، ونحن منصرفون عنهم إمّا لتنظيم الحملات الانتخابية أو للهجرة أو لشتم النظام أو لتدبير المحروقات للمنازل والسيارات. لا بدّ أن تكون الدعوة إلى إقالتهم جزءاً من الحملات الانتخابية. لا بدّ من العودة إلى الشارع مهما كلَّف الأمر من أجل هذا المطلب الوطني الكبير. ماذا ننتظر وقد صرنا في عزلةٍ عن العرب والعالم، ونكاد نهلك جوعاً بسببهم، غير الفشل والعنف وهدم المؤسّسات وجعل حياة المواطنين مستحيلة؟

لقد كثرت الجبهات المعارِضة، لكنّها تنشغل بالانتخابات، وتنسى أولئك الذين قد يُقْدِمون أيضاً على تعطيل الانتخابات أو تزويرها.

– لا بدّ من تصعيد مطلب الخلاص من الاحتلال الإيراني ونزع سلاح حزب الله، مهما كلّف الأمر.

– ولا بدّ من إفقاد الرئيس عون المنصب الذي مكّنه من هدم الدولة ومؤسّساتها.

– ولا بدّ من إزالة الميقاتي الذي يتمسكَن ليتمكّن، ولا قوّة له إلّا تحت غطاء حزب السلاح، والرضا العونيّ السامي والباسيل الحامي.

هم يتغطَّون معاً، وينبغي أن ينكشفوا معاً من أجل بقاء الوطن والدولة.

سيقول كثيرون إنّ هذه المطالب تطرح أهدافاً مستحيلة. بيد أنّ صعوبتها لا تنفي أنّها صحيحة، وأنّه يتوقّف على رفعها خلاصٌ وطنيٌّ اليوم أو غداً.

إقرأ أيضاً: لبنان واستعصاء الإدارة السياسية

لماذا لا تجتمع الجبهات على هذا المطلب خلال السعي إلى الفعّاليّة في الانتخابات، بل لماذا لا يكون هذا المطلب بين أسباب الفوز في الانتخابات؟!

المطلب كبير وخطير، لكنّ الخطر على الوجود الوطني والعيش المشترك من جرّاء وجودهم وبقائهم وسيطرتهم أكبر وأخطر. ليذهبوا لكي يبقى الوطن والدولة. ولكي يصحَّ المَثَل اللبناني: يا دار ما دخلك شرّ.

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…