هل بدأ جهاز الموساد بالتفكّك؟
سؤال مشروع، بعد استقالات جماعيّة لـ3 من رؤساء الأقسام المركزية في الجهاز الذي أنشىء قبل قيام دولة إسرائيل. استقالات هزّت عرش الاستخبارات والأسطورة الجاسوسية الغامضة والسريّ، في سابقة أولى في تاريخه. هو الذي اشتهر بخطورته وعمليّاته المركّبة والمعقّدة خارج حدود الدولة العبرية، حيث الخارج هو مسرح عمليّاته، وصرامة هيكليّته.
الاستقالات أعمق من خلاف تقنيّ على كيفيّة إدارة الجهاز بين رئيس الموساد الجديد ديفيد برنياع والقيادات الأخرى. وهي أكثر عمقاً من تباين السياسة بين مدرسة تقليدية في الجاسوسيّة ومدرسة سيبرانية حديثة. وقد تتجاوز كلّ هذا إلى ما يبدو أنّه حالة انشقاق واضحة وصراع بين قيادات الجهاز.
يعاني الموساد من أزمات كثيرة، ليس أكبرها الاستقالات الأخيرة، لكنّها الأكثر تأثيراً على بنيته الداخلية، في حين أنّ استخدامه في السياسة من قبل رؤساء الوزراء المتعاقبين يساهم في ضرب “أسطورة الغموض” التي حافظ عليها طوال قرن تقريباً
الجنرالات الثلاثة هم رؤساء قسم التكنولوجيا، وقسم الحرب على الإرهاب، وقسم “تسوميت”، المسؤول عن تشغيل العملاء. ويعتزم رئيس قسم “الحرب الاستراتيجيّة” اللحاق بهم وتقديم استقالته أيضاً.
واعتبرت مصادر أمنيّة في أحاديث صحافية أنّ هذه الهزّة “ذات بعد استراتيجيّ خطير”، خصوصاً أنّ الذين تركوا مناصبهم هم من “النخبة”، ومن “بين الأفضل في الجهاز”. وحذّرت من التبعات المدمّرة لهذه التغييرات على سمعة جهاز الموساد، ومن تأثيرها على العمليّات النوعيّة المقرّرة.
تقول الرواية الرسمية الإسرائيلية إنّ السبب الحقيقي هو وجود ثورة حقيقية وتحوّل استراتيجي ، ومحاولة لإعادة هيكلة الجهاز، بعد مرور ستة أشهر على تسلّم برنياع القيادة، خلفاً ليوسي كوهين، في عهد بنيامين نتانياهو.
يعتقد برنياع أنّ التحديث أمر لا بدّ منه لإعادة ترتيب مؤسسة باتت تحتاج إلى تغيير جذري بهدف “الوصول إلى ذروة الأنشطة العمليّاتيّة والاستخباريّة”. لكن ما يقلّل من قيمة هذا المبرّر البيروقراطي أنّ المستقيلين كانوا في طريق الصعود الوظيفي، وهم كانوا مرشّحين لتولّي قيادة الموساد لاحقاً.
تحوّل سيبراني استراتيجي
بحسب القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي فإنّ الموساد يقوم بعمليّة تحوّل سريع واستراتيجي تجاه الفضاء السيبراني، ونحو اعتماد ما يُطلَق عليه “الذكاء الصناعي” والتكنولوجيا في عالم الـ”نت”، وهو ما يفترض أن يشهد تقليص الاعتماد على العنصر البشري.
لكنّ مراقبين يتحدّثون عن خلافات داخلية بين قادة الأركان وبين الرئيس الجديد، بعد محاولته إعادة هيكلة الجهاز وفصل أقسام بعضها عن البعض الآخر، والتركيز على المجال التشغيلي والتكنولوجيّ. ونتيجةً لهذه التغييرات، سيتمّ تقسيم الشُعَب التقليدية إلى شُعَب ثانوية، وسيخسر عدد كبير من كبار الضبّاط وظائفهم، وسيضطرّون إلى ترك الجهاز، وسيخسر بعض الجنرالات صلاحيّاتهم.
بحسب القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي فإنّ الموساد يقوم بعمليّة تحوّل سريع واستراتيجي تجاه الفضاء السيبراني، ونحو اعتماد ما يُطلَق عليه “الذكاء الصناعي” والتكنولوجيا في عالم الـ”نت”، وهو ما يفترض أن يشهد تقليص الاعتماد على العنصر البشري
أما المراسل السياسي إيتمار آيخنير، فرأى أنّ برنياع قاد منذ رئاسته الجهاز “تغييراً استراتيجيّاً في العمل. ولولا هذه التغييرات لفقد الموساد رأس حربة الأجهزة الاستخبارية حول العالم. وشعر برنياع أنّ الموساد ترتيبه متأخّر في كلّ ما يتعلّق بالتكنولوجيا، مقارنةً بأجهزة أخرى حول العالم. وقرّر الاستثمار أكثر في مجال التكنولوجيا والربط بين المجالين التكنولوجي والعمليّاتي، خصوصاً أنّ العمليّات الخارجية، بالشكل والأدوات القديمة، لم تحقّق النجاح المنشود. وهنا يمكن الحديث عن العمليّة الاستخباريّة التي يمكن وصفها بالفاشلة للحصول على معلومات بشأن الطيّار المفقود رون أراد”.
استخدام الموساد في السياسة الداخلية
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، قد كشف من على منصّة الكنيست عن عملية لجهاز الموساد، جرت أخيراً، لتعقّب آثار الطيّار المفقود رون أراد، الذي أُسقِطت طائرته في لبنان في العام 1986، واختفت آثاره منذ العام 1988.
وقال بينيت إنّ العملية نفّذها الموساد بهدف محاولة جمع معلومات جديدة عن مصير مساعد الطيّار، رون أراد، الذي يُفترَض أنّه مات، وقد كانت عمليّة معقّدة وواسعة النطاق تهدف إلى حلّ أحد الألغاز الأقدم في البلاد.
أثار هذا الحديث عاصفة انتقادات إسرائيلية، بسبب ما قيل من أنّه تسريب غير مسموح به لأسرار عسكرية وأمنيّة، وتوظيف حزبي وسياسي لمسائل غاية في الخطورة، وأنّه ليس من الصواب التلاعب بمشاعر الجمهور في إحدى القضايا الحسّاسة في المجتمع الإسرائيلي، خاصة أنّه لا يوجد تقدّم فيها.
إقرأ أيضاً: لقاء الـCIA – الموساد (2/2): هذا هو رئيس فلسطين الجديد؟
وقد انتقدت الليكودية ليمور ليفنات هذا السلوك، ونوّهت بأنّ بينيت ذاته هو مَن انتقد سلفه نتانياهو، بسبب انتهاجه السلوك نفسه، ولا سيّما بالكشف عن الأرشيف النووي الإيراني أمام العالم كلّه، واعتباره ذلك خطوة جريئة قام بها الموساد في قلب إيران، وقد أنجز هذه العمليّة في فترة ولاية رئيسه السابق يوسي كوهين، وفيها تمّت سرقة آلاف الوثائق من الأرشيف النووي الإيراني.
في الخلاصة، يعاني الموساد من أزمات كثيرة، ليس أكبرها الاستقالات الأخيرة، لكنّها الأكثر تأثيراً على بنيته الداخلية، في حين أنّ استخدامه في السياسة من قبل رؤساء الوزراء المتعاقبين يساهم في ضرب “أسطورة الغموض” التي حافظ عليها طوال قرن تقريباً.