العارفون بملفّ العلاقات الإماراتيّة – السورية لم يُفاجأوا بزيارة الشيخ عبد الله بن زايد منذ أيام لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد.
الزيارة هي حلقة منطقية من سلسلة سياسات وإجراءات بدأت في كانون الأوّل 2018 حينما قرّرت الإمارات إعادة تنشيط دور بعثتها الدبلوماسية في دمشق.
منذ ذلك التاريخ وسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، الكائنة في شارع المهدي بن بركة بحيّ أبورمانة، خليّة نحل من العمل الدؤوب لتنشيط العلاقات بين البلدين.
يقول مصدر خليجي مطّلع على هذا الملفّ إنّ “الإمارات لديها ثوابت استراتيجية تترجمها من خلال دبلوماسيّتها وعلاقاتها الخارجية
هنا تبرز 4 أسئلة جوهريّة:
1- لماذا انفردت الإمارات منذ ذلك التاريخ بذلك الموقف من النظام السوري خلافاً لمواقف غيرها من الدول العربية؟
2- ولماذا حافظت على تعزيز العلاقات بين البلدين في كلّ المجالات؟
3- وما هي نتائج أو تداعيات زيارة وزير الخارجية الإماراتي الأخيرة لدمشق؟
4- وما هو تأثير كلّ ذلك على الموقف الإقليمي وتوازنات المنطقة؟
يقول مصدر خليجي مطّلع على هذا الملفّ إنّ “الإمارات لديها ثوابت استراتيجية تترجمها من خلال دبلوماسيّتها وعلاقاتها الخارجية تعتمد على المبادئ التالية:
1- إنّ مدّ الجسور مع الدول الأخرى من الممكن أن يؤدّي إلى التأثير عليها إيجابيّاً أكثر من مقاطعتها أو خصامها.
2- إنّ الإمارات تؤمن بلغة المصالح العليا في العلاقات مع الغير، وتدرك أنّ لغة الواقعية هي اللغة المناسبة لتدعيم هذه المصالح.
3- إنّ الإمارات تؤمن بأنّ من الممكن البناء على ما هو متّفق عليه مع دول وأنظمة أخرى، وتجنُّب عناصر الاختلاف بترحيلها إلى مراحل لاحقة”.
أبوظبي تريد أن ترسل رسالة إلى كلٍّ من طهران وأنقرة مفادها أنّها لن تتخلّى عن دورها الإقليمي
ويضيف المصدر أنّ “تنمية عناصر الاتفاق مع الدول الأخرى يمكن أن تساعد على إزالة أو تحسين ملفّات الخلاف”.
ويقول المصدر: “نحن نرفض منهج “كلّ شيء أو لا شيء” في التعامل مع الآخرين”.
ومن هنا يمكن فهم الآتي:
1- تُعتبر دولة الإمارات شريكاً تجارياً لسوريا بحجم تبادل تجاري يبلغ 2.6 مليار درهم (الدولار يساوي 3.6 دراهم)، وتجاوز الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات ما يساوي 6.5 مليارات درهم.
2- عدم تمويل الإمارات لنشاط أيّ ميليشيات قامت بمحاربة نظام الأسد. واقتصر دور الإمارات على دعم وتدريب قوات سوريا الديموقراطية، التي يشرف عليها الأكراد، إلى جانب مصر وروسيا.
في ربيع 2018، نُقِل عن مصادر إماراتية مطّلعة تفسيرها لموقفها من النظام السوري بقولها: “كان أمامنا منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، إمّا دعم نظام الرئيس بشار، وإمّا دعم المعارضة التي انضمّ إليها ما يُعرف بالتيار الجهادي وعناصر إرهابية من شتّى بقاع العالم، فاخترنا أن نكون في الوسط حتى نستطيع أن نلعب دوراً عمليّاً في تحقيق الاستقرار في سوريا”.
ولكن ماذا تعني سوريا بالنسبة إلى الحسابات الاستراتيجية لدولة الإمارات؟
سوريا الآن دولة فيها صراع عسكري تلعب فيه كلّ من روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل أدواراً رئيسية على ساحة القتال في هذه الدولة.
وسوريا تضمّ قوى عديدة من قوى الإرهاب التكفيري التي تعتبرها الإمارات مصدر تهديد حيويّ ورئيسيّ لسياسات الاعتدال والتسامح والواقعيّة التي تتبنّاها “أبوظبي” بقوّة وإصرار.
من هنا يمكن فهم الآتي:
1- إنّ الإمارات تقف مع مشروع الدولة الوطنية، حتى لو اختلفت معها، في صراعها مع ميليشيات الإرهاب التكفيري.
2- إنّ الفراغ العربي على الساحة السورية هو الذي أدّى إلى وجود روسي وإيراني وتركي يهدّد سلامة وسيادة الأمن القومي العربي.
3- إنّ أبوظبي تريد أن ترسل رسالة إلى كلٍّ من طهران وأنقرة مفادها أنّها لن تتخلّى عن دورها الإقليمي.
ويستطيع المتأمّل بعمق لحركة الدبلوماسية الإماراتية في العام الأخير أن يرصد الحركات التالية:
1- اتفاق السلام الإبراهيمي بين أبوظبي وتل أبيب.
2- تحسين العلاقات بين أبوظبي والدوحة، ولقاءات الشيخ طحنون بن زايد في “الدوحة ونيوم” مع أمير قطر الشيخ تميم.
3- زيارة الشيخ طحنون بن زايد لتركيا ولقاؤه الرئيس رجب طيب إردوغان.
إذا جمعنا هذه التحرّكات وأضفنا إليها التحرّك الإماراتي اتجاه سوريا، فإنّ ذلك يعني انتهاج أبوظبي لسياسات واقعية تسعى إلى تصغير المشاكل الإقليمية لمواجهة حالة “السيولة والارتباك وعدم التيقّن التي تسبّبت بها سياسات الانسحاب الأميركي وعدم الاهتمام بالمنطقة”.
يؤكّد مصدر خليجي: “المنطقة مقبلة بقوّة على حالة من الارتباك والغموض بسبب الفراغ الاستراتيجي الأميركي الذي ظهر عقب الخروج من كابول وبغداد، وهو أمر لا يتحمّل استمرار نزف الصراعات القديمة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان”.
هذا كلّه يُبرّر التحرّكات المحمومة لفتح أبواب الحوار المغلقة منذ سنوات طويلة بين الكثير من الأخصام السياسيين.
لاحظ الآتي:
1- الحوار التركي- المصري.
2- الحوار الإيراني- السعودي.
3- الحوار الإماراتي- التركي.
4- الحوار اللبناني- السوري.
5- الحوار الأردني- التركي.
6- الحوار القطري- الإماراتي.
7- الحوار القطري- السعودي.
8- الحوار التركي- اليوناني.
9- الحوار المصري- الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: دخلنا عصر “شبه التسوية”
هذا كلّه يحدث عقب سلام تعاقدي بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
قرأت قيادة الإمارات هذه التغييرات بشكل واعٍ وعميق، وقرّرت أن تكون لاعباً إيجابيّاً بدلاً من أن تجلس في مقعد المشاهد السلبي للأحداث.
إنّ قيادة الإمارات تمسك بخيوط الحوار مع الإسرائيلي والسوري، ومع السعودي والقطري، ومع التركي والمصري، ومع الاتحاد الأوروبي وروسيا، ومع الولايات المتحدة والصين، حتى تتمكّن من تنمية مصالحها العليا، وتحقيق الاعتدال المواجه للإرهاب التكفيري بواقعيّة جديدة.