يتمحور أحد أكبر مخاوف حزب الله حول احتمال حصد القوّات اللبنانية عدداً كبيراً من المقاعد المسيحية في الانتخابات النيابية المقبلة. لهذا أنشأ الحزب فريق عمل لدراسة الساحة الانتخابية جيّداً، والمسيحية تحديداً. والهدف الخروج بتوصيات نظرية وتنفيذية لإبقاء جبران باسيل “الرقم 1” مسيحياً في مجلس النواب، بعد انتخابات 2022، إذا حصلت.
هو ليس نقاشاً جديداً داخل صفوف الحزب. سبق أن بدأت ورشة للعمل الانتخابي، وأهمّ عنوان فيها: كيف نساعد حليفنا المسيحي في الحدّ من خسارته الشعبية؟
تشير المعلومات إلى أنّ فريق العمل قام بجولة على عدد من الأقضية المتداخلة حيث يتمتّع الحزب بوجود انتخابي، سواء كان ضئيلاً أم كبيراً. فظهر حجم التشابكات الانتخابية التي قد تحول دون تطبيق خطّة الحزب بمساعدة حليفه المسيحي على أرض الواقع الانتخابية
يدرك الحزب أنّه سبب مباشر في خسارة التيار الوطني الحرّ جزءاً من شعبيّته. فالمزاج العامّ لدى الطوائف كافّةً كفر بالسياسيّين وبالقوى السياسية على اختلافها، “غير أنّ النقمة الشعبية على حزب الله لها حسابات أخرى لدى المسيحيين”.
في إحدى ورشات العمل، اتّخذ حزب الله قراراً بدعم حليفه رئيس التيار الوطني الحر انتخابيّاً في الحملات والترشّح والتصويت في الأقضية التي يتمتّع فيها بوجود شعبي حتى لو كان بسيطاً. بيد أنّ هذا القرار ما لبث أن اصطدم بعوائق عدّة أبرزها:
– هل يحدث هذا الدعم ردّة فعل معاكسة لدى المزاج المسيحي؟
– وماذا ستكون ردّة فعل الحليف والشريك الشيعي الذي لا غنى عنه، رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه برّي؟
انطلاقاً من هاتين الإشكاليّتين، تشير المعلومات إلى أنّ فريق العمل قام بجولة على عدد من الأقضية المتداخلة حيث يتمتّع الحزب بوجود انتخابي، سواء كان ضئيلاً أم كبيراً. فظهر حجم التشابكات الانتخابية التي قد تحول دون تطبيق خطّة الحزب بمساعدة حليفه المسيحي على أرض الواقع الانتخابية.
1- في الشمال: دائرة المرشّحين على الرئاسة، حيث معاقل كلّ من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في البترون، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بشرّي، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية في زغرتا، يعاني حزب الله مشكلةً أساسيّةً في تجيير أصواته. أيّهما يختار: باسيل أم فرنجية؟ وهما على طرفيْ نقيض في كلّ شيء؟ هل يكرّر حزب الله تجربة العام 2016 بدعم باسيل على حساب فرنجية بعدما وجد صعوبة في إقناع الأخير بخيار عون الرئاسي فيما كاد فرنجية أن يدخل قصر بعبدا؟ ليس الجواب سهلاً على حزب الله، الذي بات محرجاً مع حلفائه، ولا سيّما أنّ كلّاً منهم في وادٍ.
2- في جبيل وكسروان: إذا رشّح حزب الله إحدى شخصيّاته عن المقعد الشيعي ولو لمصلحة باسيل، سيؤدّي ذلك إلى نجاح الشخصيّة الشيعيّة مقابل خسارة مقعد مسيحي. وإذا امتنع الحزب عن ترشيح شيعي لمصلحة إعطاء الشيعة أصواتهم للمرشّح عن المقعد الماروني المحسوب على باسيل، فسيخسر الحزب مقعداً شيعياً نيابياً مع احتمال أن ينعكس الدعم الشيعي للمرشّح الماروني سلباً لا إيجاباً على المزاج العامّ المسيحي في المنطقة، ولا سيّما أنّ الـ10 آلاف صوت شيعيّ قد لا توفّر حاصلاً انتخابيّاً.
يدرك الحزب أنّه سبب مباشر في خسارة التيار الوطني الحرّ جزءاً من شعبيّته. فالمزاج العامّ لدى الطوائف كافّةً كفر بالسياسيّين وبالقوى السياسية على اختلافها، “غير أنّ النقمة الشعبية على حزب الله لها حسابات أخرى لدى المسيحيين”
3- في الجنوب: لا قدرة لحزب الله على الخرق مسيحيّاً لعدّة اعتبارات، أوّلها أنّ شريكه برّي لن يشاركه في أيّ محاولة لتعويم باسيل.
في حاصبيا، المقعد محسوم للحزب السوري القومي الاجتماعي.
في الزهراني حيث يمكن لباسيل أن يُحدث خرقاً عبر المرشّح عن المقعد الكاثوليكي الذي يشغله حاليّاً النائب ميشال موسى، لا إمكان لحزب الله أن يلعب دوراً لأنّ ذلك سيُعتبَر مواجهة مع برّي أوّلاً، ولا إمكان للحزب لتجيير عدد كافٍ من الأصوات ثانياً.
كذلك الأمر في صيدا وجزين، حيث سيضطرّ الحزب إلى أن يختار بين أحد حليفيْه برّي أو باسيل. ومن المعلوم أنّ أولويّة حزب الله تبقى المحافظة على الثنائيّة الشيعيّة بعيداً عن أيّ توتّرات لا داعي لها، ولا سيّما أنّ مرشّح التيار يُرجَّح أن يكون النائب الحالي زياد أسود (ما لم يُقرَّر عكس ذلك) الذي لا يحظى بدعم من الأصوات الشيعية في صناديق الاقتراع.
4- في البقاع الغربي: يتربّع النائب إيلي الفرزلي على صدارة المقعد، بدعم لا يتغيّر من الرئيس نبيه بري، وبحلف مستجدّ مع الرئيس سعد الحريري، وبمقبولية في الشارعين الشيعي والسنّي.
وفي بعلبك الهرمل، سيكون الحزب مضطرّاً إلى المفاضلة بين حليفه الحزب السوري القومي الاجتماعي وبين التيار الوطني الحرّ إذا أراد تغيير هويّة صاحب المقعد المسيحي.
5- في بعبدا عاليه: الدائرة المفترض أنّها الأكثر وضوحاً وسلاسةً بالنسبة إلى الحزب، تحدّثت معلومات عن نيّة تيار المردة إحراج حزب الله عبر ترشيح إحدى شخصيّاته في بعبدا، وحينئذٍ سيكون الحزب أيضاً مضطرّاً إلى المفاضلة بين حليفيْه وسط تساؤلات عن مدى جدوى انقسام الأصوات بين الفريقين.
6- وحدها بيروت قد تكون واضحة حتى الساعة، إذ يمكن للحزب أن يجيِّر أصواته لمصلحة التيار الوطني الحرّ، خصوصاً في دائرة بيروت الثانية، كما فعل سابقاً.
إقرأ أيضاً: الحزب خسر المسيحيين… بعد السنّة
هذه هي الخريطة الأوّليّة للساحة الانتخابية التي تبدو شائكة، وهي حتماً محطّ دراسة على طاولة الحلفاء. وبينما يكثر الكلام الانتخابي والترجيحات المرتبطة بهويّة الخاسرين والرابحين، يقول البعض إنّ هذا الكلام سابق لأوانه لأنّ عدد اللوائح المرشّحة ستؤثّر حتماً على النتائج وعلى الحواصل وإمكانيّة النجاح بنسب مئوية بسيطة.
أمّا بالنسبة إلى حزب الله، وكيف سيعالج إشكاليّته مع الحلفاء، فهذه هي ورشة العمل المقبلة والحقيقية.