ثلاث لاءات… تتحكّم بمستقبل لبنان

مدة القراءة 5 د

كم بدت مستغرَبة الطريقة التي قارب بها الحكم، ممثّلاً برئيسيْ الجمهورية والحكومة، الأزمة غير المسبوقة في تاريخ لبنان مع دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فعندما قرّر وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الطلب من القائم بأعمال السفارة الأميركية أن ينضمّ إلى الاجتماع اليتيم لِما سُمّي “خليّة الأزمة”، تبيّن أنّ العقل المدبّر لها أراد أن يقول إنّ الأزمة هي في الخليج وليست هنا في لبنان. وجاء في إطار مماثل تكليفُ بطرس عساكر ممثّل جامعة الدول العربية في باريس بالتحرّك في اتّجاه الجامعة العربية.

في المقابل، لم يتأخّر قصر بعبدا في التحرّك صوب واشنطن للاستفسار عن العقوبات التي أنزلتها وزارة الخزانة هناك بالنائب جميل السيّد ورجليْ الأعمال داني خوري وجهاد العرب. أفلا تستحقّ عقوبات نزلت بوطن بكامله، بسبب مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي المعادية للسعوديّة ودولة الإمارات العربية على خلفيّة حرب اليمن، أن يبادر الرئيس ميشال عون إلى الاستفسار من الرياض عمّا حدث؟

تتذرّع أوساط الرئيس ميقاتي بأنّ “تمسُّك” واشنطن وباريس ببقائه هو من أجل أن تتمّ الانتخابات النيابية في موعدها. لكن هل لا يزال بالإمكان إجراؤها في ظلّ ما وصلت إليه الأمور في لبنان على كلّ الصعد؟

لا يقلّ الرئيس نجيب ميقاتي “شطارةً” عن الرئيس عون، عندما سارعت أوساطه منذ نشوب الأزمة، ولا تزال “تتشاطر”، إلى توزيع معلومات تزعم أنّ الولايات المتحدة وفرنسا تقفان إلى جانب بقاء حكومته وتدعوان إلى عدم إقدامه على تقديم استقالته، في وقت لم تصدر علانيةً أو ضمناً أيّة إشارة عن هاتين الدولتين ما يؤكّد ما ذهبت إليه أوساط رئيس الحكومة.

“فالج ما تعالج”، هو مثلٌ يصحّ أكثر من أيّ وقت مضى على حال الحكم الذي يقدّم الدليل القاطع على أنّ “لبنان تحت الاحتلال الإيرانيّ”، على ما قاله النائب السابق الدكتور أحمد فتفت، الذي يرى أنّ الأزمة مع الخليج العربي تتطلّب حلّاً سياسيّاً يبدأ أوّلاً بالمبادرة إلى إقالة وزير الإعلام، فإذا لم يتمّ ذلك يجب على الرئيس ميقاتي الاستقالة، ولندع حزب الله يحكم لبنان كي نرى كيف سيُنهي الحزب هذه الأزمة وسواها من الأزمات. غير أنّ الدكتور فتفت يستبعد مثل هذا الحلّ مع الرئيس ميقاتي الذي قال مَن هو عام 2011 حين نزل عند رغبة “القمصان السود” لكي يصل إلى السراي.

في سياق الحديث عن “شطارة” المتوسّلين لمعالجة الأزمة في الرياض وليس في بيروت، يأتي ما كشفته المعلومات عن زيارة قرداحي لبكركي. فهي تمّت بطلب من مرجعيّته السياسية، رئيس “تيار المردة” النائب السابق سليمان فرنجية؟ قال وزير الإعلام للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وفق طلب مرجعيته، إنّه يعلم مدى متانة العلاقة التي تربط الكنيسة المارونية بالمملكة، وإنّه “مستعدّ” ليضع استقالته بتصرّف البطريرك إذا كان من شأن ذلك أن يحلّ الأزمة. فردّ البطريرك قائلاً: “أعطني وقتاً لنرى ماذا بالإمكان القيام به”. وكانت النتيجة أنّ ما قام به وزير الإعلام بطلب من فرنجية هو نقل المشكلة إلى الرياض ليتمّ حلّها هناك بدلاً من أن تكون في بيروت ويتمّ حلّها هنا. ولذلك لم يتمكّن البطريرك من القيام بشيء، فيما سارع قرداحي بطلب من مرجعيّته إلى التمسّك بالبقاء في منصبه.

لا يقلّ الرئيس نجيب ميقاتي “شطارةً” عن الرئيس عون، عندما سارعت أوساطه منذ نشوب الأزمة، ولا تزال “تتشاطر”، إلى توزيع معلومات تزعم أنّ الولايات المتحدة وفرنسا تقفان إلى جانب بقاء حكومته

من المعروف أنّ الدستور المعدّل في الطائف يضع استقالة الوزير بيده، ويضع إقالته بيد  ثلثي مجلس الوزراء. أمّا مجلس الوزراء فدونه والانعقاد اليوم ما يريده “حزب الله” الذي يُراكِم القضية تلو الأخرى كي يجعل استئناف الحكومة لجلساتها في ضمير الغيب. حتّى لو التأمت مجدّداً، فهي تلقّت إنذاراً مسبقاً من الحزب بأنّ إقالة قرداحي تعني تطيير الحكومة بدءاً باستقالة وزراء الحزب منها.

تتذرّع أوساط الرئيس ميقاتي بأنّ “تمسُّك” واشنطن وباريس ببقائه هو من أجل أن تتمّ الانتخابات النيابية في موعدها. لكن هل لا يزال بالإمكان إجراؤها في ظلّ ما وصلت إليه الأمور في لبنان على كلّ الصعد؟

بدأت تعمّ خشيةٌ من ثلاث لاءات ربما تسود مستقبل لبنان:

– لا حكومة فعليّاً ولن تعود إلى الانعقاد.

– لا انتخابات نيابية ستتمّ في 27 آذار المقبل.

– ولا انتخابات رئاسية في موعدها في نهاية تشرين الأول المقبل.

خلال لقاء سياسي، اتّصل أحد الناشطين ممّن يعملون حاليّاً في إحدى دول الخليج وقال إنّه اعتاد أن يحصل على إذن لأسرته لزيارته في الخليج، وكان يحصل عليه خلال ساعات. لكن هذه المرّة مضت أيّام على طلب مثل هذا الإذن ولا نتيجة إلى الآن. ويضيف: “بدأنا نسمع أنّ تداعيات الأزمة بين الخليج ولبنان ستظهر في عالم المصارف. وبدأنا نرى أنّ السفر المباشر بين مطارات هذه الدول وبين مطار رفيق الحريري الدولي سينتهي ليصبح عبر دول أخرى”.

ربّ سائل: هل يستحقّ لبنان أن يدفع ثمن تصريحات وزير تبيّن أنّه لا يعلم عواقب ما يقوله. ومَن يريد تأكيداً فعليه العودة إلى نصّ الحلقة التلفزيونية في برنامج “الجزيرة” التي أشعلت هذا الحريق.

إقرأ أيضاً: استثمار العهد في العزلة العربية

لكنّ الجواب، الذي أتى من الرياض على لسان وزير الخارجية، يقول إنّ الأزمة هي أزمة بلد يخضع لنفوذ إيران عبر “حزب الله”. فهل من أحدٍ يستفيق ويبحث عن الخروج منها؟

مرّة أخرى، لا يلوح أفقٌ لحلٍّ سوى نزع ورقة التوت عن حكم غطّى ولا يزال يغطّي المتسبّب الرئيسي بهذه الأزمة.

وإذا كانت من بداية، فلتكن باستقالة رئيس حكومة هي ورقة التوت بعينها.

فهل يُقدِم؟     

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…