وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب في 15 أيار للمقيمين، وفي 12 أيار للموظّفين، وفي 6 و8 أيار لغير المقيمين، بعد توقيعه من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وهذا يعني نظريّاً أنّ صناديق الاقتراع ستُفتح في مواعيدها الدستورية بلا أيّ تأخير أو مماطلة، بانتظار بتّ مسألتين عالقتين: تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات ورصد الاعتمادات اللازمة، وهما قراران يحتاجان إلى موافقة مجلس الوزراء، وهو أمر غير متوافر حالياً. ولكن لا يزال هذا الاستحقاق فعليّاً في مهبّ الريح… أقلّه هكذا ترجو القوى السياسية، ولا سيّما تلك السلطوية التي تعاني من تدهور دراماتيكي في حضورها الشعبي.
حتّى الآن، لا يمكن لأيّ فريق أن يجزم أنّ هذه المواعيد مثبّتة على أجندة اللبنانيين، ولا سيما مَن سيتواجهون على حلبات الملاكمة الانتخابية. ولا يمكن لهم أيضاً أن يضمنوا أنّ التأجيل حاصل حكماً ربطاً بالضغط الدولي الذي تمارسه الدول المعنيّة في هذا السياق.
ولأنّ أيّاً من الاحتمالين ليس مضموناً أو محسوماً، تخشى القوى السياسية أن لا تكون مخيّرة بل مجبرة على الذهاب إلى الاستحقاق “برجليْها” من دون أن تنجح في فرض “فرامل” قانونية تتيح التمديد. لذلك يبدو أنّ الماكينات الانتخابية قد بدأت تستشعر “الخطر”، وهو ما اضطرّ القيّمين عليها إلى إعلان “ساعة الصفر”.
على الأرض، لا يُرصد حتّى الآن أيّ تحرّك ميداني انتخابي لأيّ حزب أو مجموعة. الأرجح أنّ هذه الخطوة لا تزال مؤجّلة، باستثناء “القوات” و”التيار الوطني الحر”
في الواقع، تدلّ المؤشّرات على أنّ الأحزاب السلطوية وتلك المعارضة، بما فيها المجموعات الوافدة من حراك 17 تشرين الأول وما قبله أو بعده، قد نفضت الغبار عن ماكيناتها، أو وضعتها قيد العمل، أو بصدد تشغيلها، وفقاً لتجربة كلّ فريق الانتخابيّة.
ويتبيّن، وفق أحد المعنيّين، أنّه على سبيل المثال تعتبر ماكينة الحزب التقدّمي الاشتراكي الأسرع من غيرها في إطلاق “مولّداتها”، فيما ماكينة “القوات” كانت أوّل مَن بدأ العمل التنظيمي في الشارع المسيحي، ثمّ لحقها “التيار الوطني الحر”، فيما رُصِدت أولى تحرّكات ماكينات الثنائي الشيعي منذ حوالي عشرة أيام..
ماذا عن المغتربين؟
يقول المعنيون إنّ شغل هذه الماكينات يتركّز في هذه المرحلة على تحديث الداتا، خصوصاً بعد التغييرات التي فرضها المناخ المعارض للرأي العامّ، والنقمة التي تعاني منها أحزاب السلطة. وهناك تركيز أيضاً على بدء التدريبات، وإعادة تفعيل خطوط التواصل مع المفاتيح الانتخابية الأساسية، والأهمّ من ذلك كلّه وضع داتا المنتشرين على الطاولة لتشريحها.
لا شكّ أنّ انضمام هذا العدد الهائل من الناخبين المغتربين “دفعة واحدة” إلى الدوائر الانتخابية (أكثر من 220 ألف ناخب) أثار “النقزة” في أذهان أحزاب السلطة. لأنّ التقديرات تشير إلى أنّ المناخ العامّ لهؤلاء “الوافدين” من خلف الحدود معارضٌ ويشكّل خطراً على لوائح السلطة. ولهذا سارعت هذه الأحزاب إلى سحب لوائح شطب مفصّلة لغير المقيمين من أجل بدء التواصل معهم.
في المقابل، يقول أحد العاملين في إحدى ماكينات مجموعات الحراك المدني، إنّ هذا الفريق لم يتمكّن حتى اللحظة من الحصول على هذه اللوائح، وينتظر ورودها من وزارة الداخلية للانطلاق في التدقيق التفصيليّ في الأرقام والأسماء.
إقرأ أيضاً: سقطة المجلس الدستوري: مناصفة بين رفض وقبول الطعن..
على الأرض، لا يُرصد حتّى الآن أيّ تحرّك ميداني انتخابي لأيّ حزب أو مجموعة. الأرجح أنّ هذه الخطوة لا تزال مؤجّلة، باستثناء “القوات” و”التيار الوطني الحر” اللذين فعّلا اللقاءات مع قواعدهما الحزبية في خطوة أولى قبيل الانتقال إلى القواعد الأوسع.
أمّا بالنسبة إلى مجموعات المعارضة، ولا سيّما الآتية من حراك “17 تشرين”، فلا تزال عاجزة عن توحيد صفوفها ضمن لوائح واحدة تخوض المعركة على كامل مساحة الوطن، ضمن مشروع واحد. وذلك بسبب الخلافات التي ما تزال قائمة بين أكثر من مجموعة لاعتبارات سياسية بشكل خاص تتّصل بعناوين المعركة. وعليه، يبدو أنّ الاتجاه قد يكون للتحالف على القطعة، حسب مناطق الالتقاء، لتكون الكلمة الأساس لِمَن لديه نفوذ أقوى وقادر على تسيير المعركة.