جملة واحدة يمكنها اختصار الهدف من إطلالة رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الإثنين، وهي كيف استذكر محاولاته في العام 1990 لتحرير لبنان، لكنّ القوى الخارجية والداخلية كانت أقوى.
لم يخرج عون في إطلالته إلا ليطلق هذه الجملة، بغضّ النظر عن تدعيمها بمواقف أخرى توّجتها دعوته إلى حوار للبحث في ثلاثة ملفّات أساسية، وهي الاستراتيجية الدفاعية، اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، والاتفاق على خطة التعافي المالي والاقتصادي.
جملة واحدة يمكنها اختصار الهدف من إطلالة رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الإثنين، وهي كيف استذكر محاولاته في العام 1990 لتحرير لبنان، لكنّ القوى الخارجية والداخلية كانت أقوى
هكذا أوصل عون رسائل متعدّدة الاتّجاهات في هذه الإطلالة:
أوّلاً، اعترف بدور حزب الله في المقاومة، لكنّه شدّد على دور الدولة في امتلاك قرار السلم والحرب، ضمن استراتيجية دفاعية. وهذه رسالة مزدوجة موجّهة إلى حزب الله أوّلاً، وهدفها استفزاز الحزب، وموجّهة إلى الخارج من خلال الإشارة إلى أنّه مستعدّ للبحث في استراتيجية دفاعية تجعل الإمرة على السلاح بيد الدولة اللبنانية.
ثانياً، استهدف شرائح المجتمع المسيحي الذي يتوق إلى التغيير، من خلال دعوته إلى اعتماد اللامركزية الماليّة والإدارية الموسّعة، فيخرج عون بذلك من اتفاق الطائف القائم حالياً، ويحاكي المجتمع الدولي من حيث استعداده للتطوير، ويستهدف حزب الله المسيطر بشكل كامل على الدولة ومؤسّساتها والقادر على تعطيلها متى يشاء، ولا سيما أنّ التعطيل السياسي ينعكس سريعاً على كلّ الوقائع الإدارية والماليّة والاقتصادية.
ثالثاً، تهدف دعوته إلى الاتفاق على خطة التعافي المالي، إلى استقطاب الحزب نحو ما يسمّيه عون “حرب مكافحة الفساد”، التي ما هي إلا طريقة للانتقام من خصومه في السياسة الذين يصفهم بـ”أركان الطائف”. ويحاول بهذا العنوان أيضاً استقطاب المجتمع المدني والمجتمع الدولي.
لكنّ كلّ هذه النقاط لا تخرج عن سياق الاستثمار السياسي الذي يريد له عون أن يتطوّر إلى نقاش سياسي تفصيليّ بينه وبين حزب الله يبحث في ضمان مستقبل الوريث الرئاسي، بعدما نجح في ضمان المستقبل الحزبي والسياسي لوريثه. وهو يعلم أن لا مجال لضمان المستقبل الرئاسي لجبران باسيل إلا في هذه الأشهر المتبقّية من ولايته.
لن يقبل عون أن يغادر السلطة فيما خصومه الذين أراد اقتلاعهم يحتفظون بمواقعهم. وهي معادلة ثابتة في طريقة تفكير عون
وكانت الاتصالات بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، قبل موعد كلمة رئيس الجمهورية، قد أسهمت في تخفيف حدّتها، وأعادت تجديد فتح بازار التفاوض على صفقة جديدة غير واضحة المعالم حتى الآن، في ظلّ إصرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي على عدم تحقيق أيّ مطلب يريده عون، خصوصاً على صعيد التعيينات في الفئة الأولى في مختلف المجالات الإدارية والمؤسساتية والعسكرية والأمنيّة والقضائية.
حرب مفتوحة؟
هي الحرب المفتوحة على مصراعيها في هذه الأشهر المتبقّية من ولايته. تلك الأشهر هي أكثر ما يستفزّ عون في هذه المرحلة. وهو الذي ينظر إلى نفسه، محكوماً بالمغادرة، فيما لا يزال مَن أراد اقتلاعهم ووضعهم في السجون ثابتين في أماكنهم. وبينما هو غير قادر على حفظ مقعد وريثه يحافظون هم على مواقعهم.
ستستمرّ تلك الاتصالات طوال هذه الأيام الفاصلة عن موعد حدّده جبران باسيل في الثاني من كانون الثاني لإطلاق جملة مواقف سياسية. وفي حال تمّ التوصّل إلى جوامع مشتركة مع حزب الله يمكن حينها للموقف أن يكون متوازناً اتجاه الحزب، مع الحفاظ على مبدأ التصعيد في سبيل استعادة بعض الشعبية التي خسرها. أمّا في حال فشلت المساعي ولم يتمّ الوصول إلى أيّ اتفاق فإنّ ذلك سينطوي على “مترتّبات سياسية” سلبية بين الطرفين، على ما قال باسيل في كلمته بعد “لا قرار المجلس الدستوري”.
إقرأ أيضاً: عون الهارب.. يسعى إلى “حوار” مستحيل
هنا لا بدّ من العودة إلى الجملة الأولى التي وردت في هذه السطور وتقصّد عون إطلاقها، والاستدلال بها في المرحلة المقبلة. لن يقبل عون أن يغادر السلطة فيما خصومه الذين أراد اقتلاعهم يحتفظون بمواقعهم. وهي معادلة ثابتة في طريقة تفكير عون، الذي كان يتفاوض في أواخر الثمانينيّات مع النظام السوري بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وعندما أيقن أنّ حافظ الأسد لن يمنحه هذه الفرصة سارع إلى إعلان حرب التحرير، التي كانت نهايتها معروفة.
حالياً يعيد عون التجربة نفسها بالأدوات نفسها، وينتظر جواباً واضحاً من حزب الله في ما يتعلّق بدعم باسيل لرئاسة الجمهورية. وفي اللحظة التي سيتأكّد فيها أنّ الحزب لن يمنحه هذا الموقف، سيعلن حرب تحرير جديدة، بمواقف مرتفعة السقف تحمّل حزب الله مسؤولية اختطاف الدولة، ويستهدف سلاح الحزب ويتمايز عنه كثيراً. وذلك سيكون عنواناً لمعركة جديدة يهدف من خلالها إلى البقاء في بعبدا إمّا على قاعدة التمديد له في الرئاسة مقابل التمديد للمجلس النيابي، أو ترك المجلس النيابي تنتهي ولايته، وحينها يعود إلى قاعدة وضعها سابقاً مفادها أنّه “لا يمكن تسليم البلد إلى الفراغ”.