نهاية العالم في “2012” ونهاية لبنان اليوم

مدة القراءة 7 د

ينشر أساس بدءًا من اليوم سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث 2021، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.

 

لست من هواة الأفلام. بالكاد أعرف أسماء أفلام لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. الذهاب إلى السينما كان مناسبة لدعوة صديقة جديدة. وغالباً ما كنت أترك لها اختيار الفيلم. ليس بدافع اللياقة فحسب، إنّما تحاشياً لـ”الجرصة” بسبب عدم معرفتي بعالم الأفلام. لكن منذ أيام، وبالصدفة، شاهدت، وللمرّة الأولى، فيلم “2012” الذي صدر في العام 2009. “تصبّرت” أمام الشاشة لأكثر من ساعتين. فيلم من نسج الخيال حول نهاية العالم، تلك الفكرة التي كانت تؤمن بها بعض التيارات الفكرية والفلسفية. زلازل وبراكين وفيضانات تدمّر الحجر، تُنهي حياة البشر، تزيل الجبال والأودية… مَشاهد قويّة. مخيفة. تجعلك تصدّق للحظة إمكانية وجود نهاية للكون، وتخشى أن تعيشها.

مشاهد النهايات في “2012” دفعتني للتفكير في ما نعيشه من نهايات للبنان الذي نعرفه في جوّ من الفوضى تشبه الفوضى التي ترافق نهاية العالم في الفيلم.

على أبواب العام 2022 قد يبدو المشهد “النُهيوي” للبنان خياليّاً أكثر من المشاهد “النُهيوية” في الفيلم “2012”. ولكنّه حقيقة

1- نحن نعيش نهاية النظام السياسي القائم على الميثاق الوطني وعلى الديموقراطية التوافقية. الميثاق الذي قام على “لا للشرق ولا للغرب” انتهى. انتهى بفعل اختطاف حزب الله للبنان وزجّه في المحور الإيراني، المحور المُعادي للشرق قبل الغرب، وذلك خلافاً لإرادة السواد الأعظم من اللبنانيين. والديموقراطية التوافقية انتهت عندما جلس حزب الله إلى طاولة مجلس الوزراء وفي قاعة المجلس النيابي وفائض قوّة سلاحه حاضر أيضاً. الديموقراطية التوافقية انتهت حين تحوّلت الى تعطيليّة للنظام وللدستور وللحياة السياسية.

2- إنّنا نشهد نهاية الدستور في لبنان. هذا الدستور الذي اعترته شوائب منذ بداية تطبيقه، لعلّ أبرزها احتفاظ حزب الله بسلاحه خلافاً لقرار حلّ الميليشيات، تحت عنوان “مقاومة إسرائيل”، واستمرّ بعد تحرير الجنوب والبقاع الغربي في العام 2000 خلافاً لاتفاق الطائف وتحت حجّة مزارع شبعا غير المثبتة لبنانيتها، وحكم “الترويكا” في تسعينيات القرن الماضي تحت وصاية عنجر، والتمديد للرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود بقرار من دمشق. بعد 2005 راح الدستور يتعرّض لضربات قويّة، منها تعطيل حزب الله وميشال عون استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في 2007 وبين 2014 و2016، وإلزام قوى 14 آذار بالقبول بثلث معطّل للطرف الخاسر في الانتخابات، رغم الأكثرية الواضحة لقوى 14 آذار في الدوحة الذي ألغى عمليّاً الأكثرية النيابية، وبالتالي جوهر الانتخابات النيابية، والتمديد للمجلس النيابي عدّة مرّات بين 2014 و2018. ويبدو أنّ هذه الضربات ستُستكمل بتطيير انتخابات 2022 وتسليم ميشال عون الحكم إلى الفراغ الذي تسلّم منه قبل ستّ سنوات.

3- إنّنا نشهد نهاية النظام الاقتصادي بكلّ قطاعاته. فالقطاع السياحي، العمود الفقري في الاقتصاد اللبناني، ينازع بعدما افتقد السيّاح الخليجيين نتيجة سياسات حزب الله وحروبه في المنطقة. والقطاع التجاري يحتضر. أكثر من 50% من المتاجر أغلقت أبوابها. والباقية خفّضت كميّة استيرادها للبضائع لأكثر من النصف. وها هي مناسبة الأعياد الحالية خير شاهد على احتضار هذا القطاع. القطاع الصناعي أطلق الصرخة تلوَ الصرخة. ولا من مُجيب. وأتى قرار دول الخليج إغلاق أبوابها بوجه منتجاته، إثر اكتشاف كبتاغون آتٍ من لبنان، لـ”يكمل النقل بالزعرور”، كما نقول بالعاميّة اللبنانية. أمّا القطاع الزراعي المتجذّر بالأرض فجذور أشجاره مهدّدة باليباس. المزارعون غير قادرين على شراء الرشوش والأسمدة المسعّرة بالدولار. وقد قضى على أيّ أمل بالاستمرار قرارُ إغلاق الأسواق الخليجية بوجه المنتجات الزراعية بعدما تمّ حشو بعضها بالكبتاغون!

4- غنيّ عن القول إنّ النظام النقدي والمالي والمصرفي قد انتهى، وربّما إلى غير رجعة. الليرة تفقد قيمتها أكثر فأكثر مقابل الدولار. النظام المصرفي الذي حجز أموال الناس وسرق أكثر من 85% من قيمتها بالتكافل والتضامن مع باقي “أفراد العصابة” (الدولة ومصرف لبنان) لن يستعيد عافيته لأنّه لن يستعيد ثقة اللبناني ولا الأجنبي به، خاصة أنّ حجز الأموال وسرقتها طال المودِع الأجنبي كما اللبناني.

5- ولا أغالي إن قلت إنّ النهاية طالت أيضاً القطاع التربوي الذي اشتهر به لبنان منذ قرون بسبب هجرة الأساتذة وعدم قدرة الأهل على دفع الأقساط وحجز أموال المؤسسات التربوية في المصارف كما هي حال كلّ المواطنين. إنّها نهاية القطاع الاستشفائي أيضاً، بسبب هجرة الكوادر الطبيّة والتمريضية وتدهور الأوضاع الماليّة للمستشفيات. والأخطر فقدان المستلزمات الطبية وصعوبة الحصول على الأدوية. هل كان أحد منّا يتخيّل أنّنا سنرى يوماً ما رفوف الصيدليات فارغة؟ إنّها حقيقة في لبنان. إنّها النهاية!

ما يزيد المشهد قتامةً هو أنّ التسويات الإقليمية التي من شأنها المساعدة في وضع حدّ لنهايات لبنان وفي بناء لبنان الجديد، هي نفسها لم تبدأ بعد

في فيلم “2012” مشاهد لا تخطر على بال بشر. محيطات تغمر بلداناً. جبال تتكسّر وتختفي. ناس تحترق بكتل نيران البراكين. آخرون يسقطون في هوّة نتيجة تفسُّخ الأرض… وترافق نهايات لبنان الذي نعرفه أحداث ومشاهد وأقوال لم تكن لتخطر على بال أيّ لبناني. تبدو خيالية. ولكنّها حقيقية.

ألم نكن نعتقد أنّه أمرٌ خياليّ أن يصبح أكثر من 80% من الشعب اللبناني فقراء؟

ألا يبدو من الخيال كلامُ ومفاخرة الشيخ نعيم قاسم بأنّ لبنان أصبحت له سمعة في العالم بسبب المقاومة والانتصارات”؟! هذه “المقاومة” التي شوّهت سمعة لبنان وحوّلته من بلد العلم والفن والحضارة والإبداع… بلد جبران (ليس باسيل) وفيروز وشارل مالك… إلى بلد الإرهاب.

هل خطر على بال أيّ لبناني قولُ رئيس الجمهورية بأنّ الشباب الذين نزلوا إلى الشارع في “17 تشرين” هم الذين “طعنوا الاقتصاد 20 طعنة”، وقبل سنتين قال لهم “اللي مش عاجبو يفلّ”؟!

أليس كلاماً خياليّاً تكرارُ رياض سلامة حتى الأمس القريب بأنّ الليرة بخير، وبأنّ الودائع في المصارف محفوظة؟!

بعد أكثر من سنة على وقوعه، ألا يبدو مشهد انفجار مرفأ بيروت ومشاهد القتلى والجرحى في الشوارع والممرّضة التي تحمل ثلاثة أطفال والدمار… وكأنّه من نسج الخيال؟!

ألا يبدو خيالياً أن يتعرّض بلد للانهيار الكامل سياسياً واقتصادياً وماليّاً واجتماعياً، كما يحدث في لبنان، والحكّام فيه بهذه الدرجة من اللامبالاة واللامسؤولية وبشهادة كبار المسؤولين الدوليين، وكان آخرهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؟!

ما يزيد المشهد سورياليّةً هو أنّنا نشهد نهايات لبنان الذي نعرفه من دون استشراف لبنان الجديد. لا أحد من الأطراف السياسية أو المرجعيات لديه تصوّر لكيفيّة الخروج من النفق ولا للبنان المستقبل، باستثناء بكركي التي طرحت “الحياد” واقترحت “مؤتمراً دوليّاً” لمساعدتنا على الخروج من الانهيار. وهنا الخطورة!

وما يزيد المشهد قتامةً هو أنّ التسويات الإقليمية التي من شأنها المساعدة في وضع حدّ لنهايات لبنان وفي بناء لبنان الجديد، هي نفسها لم تبدأ بعد.

إقرأ أيضاً: 2021: أتعبتنا يا شيخ رفيق..

على أبواب العام 2022 قد يبدو المشهد “النُهيوي” للبنان خياليّاً أكثر من المشاهد “النُهيوية” في الفيلم “2012”. ولكنّه حقيقة. وإذا ما جرت الانتخابات النيابية المُقبلة وعاد الشعب اللبناني وانتخبهم هم أنفسهم ليحكموه ويتحكّموا به، عندها سيفوق المشهد “النُهيوي” في لبنان مخيّلة المخرج “رولان ايمريخ”.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانيّة

مواضيع ذات صلة

العربُ بين عامَين: دول صعدت وأخرى نزلت

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

2021: عام التخبّط الفرنسي

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

مصر 2021.. رئيس و22 ملكاً

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

العراق: 8 فرص ضاعت… والآتي أصعب

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….