في سياق غير متوقّع، كشف “التحالف العربي” بقيادة السعودية عن تورّط “حزب الله” في اليمن، وعرض فيديو يوثّق لمن قال إنّه مسؤول في حزب الله يعطي توجيهات سياسياً وعسكرية لقيادي حوثي، ويساعدهم على تفخيخ طائرات من داخل مطار صنعاء الدولي، لتنفيذ “عمليات إرهابية بحقّ الشعب اليمني”.
وقد أعلن المتحدّث باسم “التحالف” العميد الركن تركي المالكي، في مؤتمر صحافي عرض خلاله أدلّة تثبت تورّط “حزب الله في اليمن”، أنّ “خبراء من حزب الله يدرّبون ميليشيات الحوثي على تشغيل وتفخيخ الطائرات المسيَّرة”، وتابع القول: “حزب الله اللبناني يتحمّل مسؤولية الوفيات واستهداف المدنيين بالمملكة”.
اللافت في هذا الإعلان هو التوقيت، بشكل يتجاوز المضمون، لأنّه يأتي في أعقاب المبادرة التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع السعودية من باب معالجة الأزمة مع دول الخليج، والتي نشأت بسبب المواقف التي أدلى بها وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي، والعمل على تحسين العلاقات بين لبنان والخليج بعدما قدّم ماكرون استقالة وزير الإعلام أمام السعوديّين في محاولة لكسر الجليد والعمل على تهدئة التوتّر وفتح صفحة جديدة… ولو أنّ السعوديّين تعاطوا “شكلاً” بإيجابيّة مع تلك المبادرة، لكن بالمضمون أبقوا على دفتر شروطهم كما هو بلا أيّ تعديل.
لذا يكون هذا هو الاختبار الثالث أمام حكومة ميقاتي، بعد “أزمة قرداحي”، وبعد أزمة اجتماع المعارضة البحرينية في الحازمية برعاية حزب الله، وتحريضها على القيادة البحرينية.
يرى المطّلعون على موقف ميقاتي أنّ سياسة النأي بالنفس هي العنوان الوحيد الذي يختصر خطاب رئيس الحكومة إزاء ما يحصل
يأتي الاتّهام أيضاً وسط محادثات تجريها السعودية مع إيران، وأخبار عن جولة جديدة محتملة من التفاوض بين الدولتين في بغداد خلال الأيام القليلة المقبلة. وكان سائداً الاعتقاد بأنّ تهدئة الساحة اليمنيّة سيكون واحداً من شروط استكمال هذا الحوار، فإذا بالمضبطة الاتهاميّة تشي بأنّ طريق التقدّم بالحوار غير معبّدة بالورود.
وفق بعض المواكبين فإنّ ملاحظتين أساسيّتين لا بدّ من التوقّف عندهما:
أوّلاً، ليست المرّة الأولى التي تتّهم السعودية حزب الله بتدريب الحوثيين، وسبق لها أن عرضت بعض الفيديوهات المشابهة التي تثبت برأيها ضلوع حزب الله في الحرب اليمنية، دليلاً على الاتّهامات التي توجّهها.
ثانياً، لا يبدو حتى الآن أنّ التشابه قائم بين ردّة فعل السعودية بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده المتحدّث باسم “التحالف”، وبين ردّة الفعل التي نتجت عن الكشف عن الكلام الذي أدلى به الوزير جورج قرداحي. إذ اتّسمت الحملة الاعتراضية من جانب الرياض والعواصم الخليجية بمنحى تصاعدي سريع وصل إلى سحب السفراء المعتمدين لدى الجانبين. أما هذه المرّة فلم نشهد خطوات تصعيدية أو عقابية.
ولعلّ هذا ما يبرّر السكون الذي يلفّ المقارّ الرسمية اللبنانية، التي لم تبادر إلى تسجيل أيّ تعليق على أيّ من الاتّهامات التي وُجِّهت إلى “حزب الله”.
إقرأ أيضاً: ماذا بين التسوية الكبرى والصفقة الصغرى؟
وبهذا المعنى، فإنّ احتمال أن يبادر رئيس الحكومة إلى أيّ خطوة من باب ردّ الفعل على الاتّهام السعودي لـ”حزب الله”، أي أن يقلب الطاولة بوجه شركائه الحكوميين، ولا سيما في هذه الظروف السياسية المعقّدة التي تحول دون التئام مجلس الوزراء، غير مطروح راهناً على بساط البحث. أقلّه ما دامت الاتّهامات السعودية “مضبوطة النفس”، ولم تتوسّع باتجاه المزيد من الإجراءات الاعتراضية، مع العلم أنّه كان سائداً الاعتقادُ بأنّ بداية العام ستشهد عودة للسفراء اللبنانيين والخليجيين إلى مقارّهم الدبلوماسية.
وعليه، يرى المطّلعون على موقف ميقاتي أنّ سياسة النأي بالنفس هي العنوان الوحيد الذي يختصر خطاب رئيس الحكومة إزاء ما يحصل، ذلك لأنّ رفض التدخّل بشؤون الآخرين هو واحد من ثوابته السياسية التي لطالما نادى بها، وهو لن يتردّد في تكراره من جديد، تعليقاً على هذه التطوّرات.
هل بات عنوان النأي بالنفس هو الجواب المطلوب من الدول العربية المعنية؟
التجارب الجديدة تثبت العكس…