تحكم العلاقة بين القوى السياسية تشابكات كثيرة ومعقّدة، إلا أنّها واضحة في آنٍ معاً. سيتحدّث اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يقول في أوساطه عندما يُسأل عن كلمته “بدي احكي كل شي”. ينقل زوّار عون عنه هذه الأيام أنّه طفح كيله من حزب الله ولديه رغبة عارمة بـ”بقّ البحصة”، ولكن !
ففي المعلومات المحيطة بتحضيرات الكلمة أنّ نقاشاً دار بين المعنيّين في القصر حول صوابيّة بقّ البحصة إن لم يكن سيترافق مع موقف حاسم من تفاهم “مار مخايل” يصل إلى إعلان الطلاق، وإلّا “فما نفع التصعيد من دون تتويجه بإعلان الانفصال عن حزب الله؟”. وعليه تبدو الكلمة محكومة بسقف التحالف “الذي لا غنى عنه استراتيجيّاً”.
وفي المعلومات أنّ عون سيتحدّث عن أزمة القضاء والحكومة والتحقيق الجنائي ومسؤوليّة حاكم مصرف لبنان، وسيكرّر دعوته إلى عودة جلسات مجلس الوزراء لأنّ استمرار الانصياع لرغبة الثنائي ليس إلا تدميراً وتنكيلاً بما تبقّى من مسيرة العهد، على أن تكون عناوينه ممهّدة لكلمة باسيل في الثاني من كانون الثاني المقبل.
دعا الراعي الرئيس عون إلى رفع غطاء الشرعية عن كلّ معرقل، وهو قصد بذلك حزب الله
لا صحّة لِما يُشاع عن رغبة عون بإرساء معادلة جديدة تقوم على الحكومة والتحقيق مقابل إجراء الانتخابات والتوقيع على العقد الاستثنائي لمجلس النواب. إذ ينقل مقرّبون منه عنه إصراره على إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل. وعليه، ولأنّ توقّعات الاستحقاق الانتخابي قاسية، فإنّه لا بدّ من المحافظة على التحالف مع حزب الله على الرغم من إدراك عون وباسيل للتحوّلات في المزاج المسيحي ضدّ حزب الله.
جوهر موقف عون كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قد سمعه بعد قدّاس الميلاد في اللقاء الذي جمع الرجلين في بكركي. وفي المعلومات أنّ عون لم يكن منزعجاً من عظة الراعي العالية السقف اتجاه حزب الله ومسؤوليّته عن تعطيل العودة الحكومية. بل ينقل مطّلعون على جوّ لقائهما في بكركي قول عون للراعي في حديثهما عن الحكومة “يلي بدّك منه شبر بدّي منه كيلومتر”. فالرجلان متّفقان على ضرورة أن يقوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالدعوة إلى جلسة “مهما كانت تداعيات ذلك لأنّ الوضع الحالي لم يعد محتملاً”. ودعا الراعي الرئيس عون إلى رفع غطاء الشرعية عن كلّ معرقل، وهو قصد بذلك حزب الله. فبدت عظة البطريرك دعوة صريحة إلى فكّ التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله “لِما للأخير من دور في تدمير العهد”، وإلى تبنّي عنوان بكركي في “حياد لبنان”. وفي المعلومات أنّ عون والراعي ناقشا هذه العناوين في لقائهما من دون أن يحصل البطريرك على إجابات واضحة وحاسمة من رئيس الجمهورية.
في العام الماضي، اعتذر عون عن عدم الحضور إلى بكركي لحضور قدّاس الميلاد كما ينصّ البروتوكول. لكنّ حضوره هذا العام ربطاً بعناوين بكركي وبالاستحقاقات المقبلة وبالأزمة الراهنة له دلالات كبيرة. وكان الراعي قد افتتح عظته بالكلام عن تفجير بيروت والتحقيق، وهو بذلك كرّس بوصلة “المعركة المسيحية التي لن تستطيع أيّ من القوى المسيحية التساهل فيها”. ومن جهة أخرى، يبرز السؤال التالي: هل يتبنّى عون الحياد البطريركي أو على الأقلّ يلوّح به في حديثه عن أزمة لبنان مع محيطه؟ يقول المقرّبون منه إنّه احتمال قائم، لكنّه يخضع للدرس، ولا سيّما أن لا قرار بفكّ ورقة التفاهم مع حزب الله حتى يومنا هذا.
إقرأ أيضاً: خطاب عون السنوي “توطئة” لباسيل: ما خلّونا..
تزامناً مع احتفالات عيد الميلاد الممزوجة بعناوين سياسية متفجّرة، تشير المعلومات إلى أنّ حزب الله بدأ بمسعى جديد أو بمبادرة جديدة، تاركاً “مساحة حرّة” لحليفه ليعبّر فيها عن غضبه ويحاكي جمهوره. وسيحكم كلمةَ عون نفسٌ تصعيديٌّ يمهّد لتصعيد أكبر من قبل باسيل بداية العام على أنّ غداً لناظره قريب في إنضاج تسوية يوافق عليها الجميع، وإلا فإنّ الساحة اللبنانية ستكون مقبلة على احتمالات أكثر سخونة بدأت بتصعيد المملكة العربية السعودية اتجاه دور حزب الله في اليمن. والآتي أعظم..