قال محدّثي الخليجي: “الأمير تميم بن حمد شابّ يمكن الاستبشار جدّاً بسياساته، لكن حينما تتمّ الإجابة على سؤال واحد جوهري”.
سألته: وما هو؟
قال: مَن هو مركز القرار النهائي في الدوحة؟
رفض محدّثي أن يفصح أكثر من ذلك. لذلك، هنا، وهنا فقط، ننتقل من المعلومة إلى التحليل القائم على الفرضيّات.
نبدأ بالسؤال الأول عن علاقة الأمير الحالي (الابن) بصاحب اللقب الرسمي الأمير الوالد (الشيخ خليفة بن حمد).
يقول مصدر خليجي عاصر أوّل قمّة خليجية حضرها الأمير تميم إنّ الأمير الجديد أكّد في اجتماعات جانبية مع زعماء الخليج أنّه سوف يبدأ صفحة جديدة في مسار العلاقات القطرية – الخليجية
الأمير الوالد قام بـ 3 قرارات مصيرية غيّرت واقع قطر المعاصر:
1- الانقلاب على والده.
2- تغيير سياسات البلاد من دولة خليجية صغيرة إلى لاعب إقليمي عابر لحجم ومساحة وتعداد البلاد.
3- التخلّي عن الحكم لابنه تميم رسميّاً. الأمير تميم هو أمير البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلّحة.
والرجل ليس بعيداً عن فهم شؤون الحكم، فقد شغل منصب وليّ عهد قطر من آب 2003 حتى حزيران 2013، أي 9 سنوات و10 أشهر و20 يوماً.
والأمير تميم (41 سنة) درس في كلية ساند هيوتين العسكرية، ويجيد الإنكليزية والفرنسية، وهو الابن المميّز لدى والده ووالدته الشيخة موزة المسند.
إذن الأمير الأب له 3 قرارات مصيرية هي بمنزلة الأعمدة في بناء قطر الحالية، وهي: عزل والده، بناء حكم وسياسات جديدة، تنازل عن الحكم لابنه.
والتاريخ يدلّل على أنّ حكم قطر يمرّ دائماً بعواصف وصدامات شخصية وعائلية وقبلية تصل إلى مرحلة الإقصاء والعزل السياسي داخل آل خليفة وأقرانهم وفروعهم المختلفة.
منذ العام 1876م، أي منذ حكم الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، وتداول السلطة ومقاليد الحكم لا تنتقل بسلاسة.
الشيخ عبدالله بن جاسم تنازل عام 1949، والشيخ علي بن عبدالله آل ثاني تنازل عام 1960، والشيخ أحمد بن علي آل ثاني خلعه عمّه خليفة الذي خلعه ابنه حمد في حزيران 1995.
حالة تنازل الأمير الأب “حمد” لابنه تميم في حزيران 2013، هي الحالة الوحيدة التي تمّت “بتراضٍ وسلاسة وسلميّة”.
من هنا تصبح علاقة الأمير الأب بالأمير الابن حالة فريدة في الموروث السياسي لعلاقة آل ثاني بملفّ السلطة والحكم.
وهكذا تصبح حالة الأمير الأب مع الأمير الابن حالة مميّزة في أسلوب انتقال السلطة في قطر.
ومن هنا أيضاً يصبح السؤال الجوهري: هل نقل الأمير الأب “السلطة” بمعنى القوّة والسلطات والنفوذ كاملةً لابنه تميم، أم نقل فقط مسمّى المنصب وأصبح يدير الأمور من المقاعد الخلفيّة؟
هذا السؤال تفرّعت منه عدّة أسئلة تفصيلية تقول:
1- هل نقل الأمير الأب السلطة كاملةً وابتعد عن صناعة القرار؟ (احتمال أول).
2- هل نقل الأمير الأب السلطة شكليّاً وأصبح يدير شؤون البلاد من مكتبه بالديوان الأميري (ما زال يحتفظ به حتى الآن)؟ (احتمال ثانٍ).
3- هل ترك الأمير الوالد السلطة جزئيّاً وتدريجيّاً للأمير الابن وأصبح الأمير تميم يدير الأمور اليومية، لكنّه يشاور والده في القرارات الكبرى مثل العلاقات الخليجية، صفقات السلاح، المعاهدات والاتفاقات الأمنيّة، التوجّهات الماليّة والاقتصادية الكبرى؟ (احتمال ثالث)
الملاحظ أنّ الأمير الأب في صدارة المشهد إعلامياً ومعنوياً بشكل مميّز، ويظهر ذلك في استقباله لكبار زوّار الدولة بالذات من الزعامات الخليجية في مكتبه أو قصره الخاص.
والملاحظ أيضاً أنّ “العلاقة الحديديّة” التي كانت تربط بين الأمير الأب ومستشاره المقرّب جدّاً الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة الأسبق، ما زالت مستمرّة وفعّالة.
يتردّد في أوساط الدوحة أنّ الرؤية السياسية وأسلوب إدارة الحكم اللذين كان “يهندسهما” الشيخ حمد بن جاسم لا يتّفقان مع رؤى الأمير تميم، وقد ظهر ذلك في قرارات مهمّة جدّاً اتّخذها الأمير تميم داخل الديوان والحكومة وهيئة الاستثمار الفنيّة وهيئة أملاك الدولة في الشهور الأولى لتولّيه الحكم، وكلّها تمثّل سياسة مناقضة تماماً لسياسات وقرارات الشيخ حمد بن جاسم حينما كان رئيساً للحكومة القطرية.
يقول مصدر خليجي عاصر أوّل قمّة خليجية حضرها الأمير تميم إنّ “الأمير الجديد أكّد في اجتماعات جانبية مع زعماء الخليج أنّه سوف يبدأ صفحة جديدة في مسار العلاقات القطرية – الخليجية، وأنّه يحتاج فقط إلى بعض الوقت لإصلاح وتغيير السياسات السابقة التي كانت تقلق زعماء الخليج”.
وأكّد المصدر الخليجي أنّ ” قرار مقاطعة قطر جاء بعد تأكّد كلّ من الرياض وأبوظبي والمنامة أنّ قدرة الأمير تميم مقيّدة بسياسات عهد والده، بل إنّ البعض تشدّد ووصل إلى حدّ التأكيد أنّ الحكم الجديد هو شكل جديد لمضمون قديم لم يتغيّر”.
الآن هناك عناصر مختلفة ومؤاتية يمكن أن تجعل الأمير تميم أكثر قدرة على إحداث التغيير المطلوب في سياسات قطر الإقليمية.
هذه العناصر هي:
1- رفع الحصار العربي عن قطر وعودة العلاقات الطبيعية.
2- العلاقة المميّزة بين أجهزة قطر الأمنيّة والحزب الديموقراطي الأميركي، وبين الأمير تميم والرئيس وبايدن.
3- علاقات الثقة الشخصية التي كوّنها الأمير تميم مع رجب طيب إردوغان والمرشد الأعلى الإيراني.
4- الدور القطري الناشط في أماكن صراع مهمّة مثل أفغانستان، سوريا، الشيشان، لبنان والعراق.
5- تنامي الاستثمارات القطرية وعمليات الاستحواذ القوية على أكثر من 500 مشروع.
وهي من أهمّ المشروعات الربحيّة والعلامات التجارية البارزة، والمشروعات العقارية المميّزة في العالم.
ولعلّ أهمّ استثمار معنوي هو احتضان قطر لكأس العالم لكرة القدم.
فائض القوة هذا يضع قطر في العام 2022 في مركز قوّة مميّزة غير مسبوق منذ العام 1995.
كيف سيستعمل الأمير تميم هذه “الأوراق المميّزة” في العام 2022؟ هل سيستخدمها لتعزيز سياسات والده التقليدية بالشكل الذي عرفناه منذ 1995 حتى الآن أم سوف يساعده ذلك في الإمساك الكامل بمقود القيادة والقدرة على اتخاذ سياسات إقليمية تنسجم مع أبوظبي والرياض والقاهرة؟
يقول “رجل أمن مشرقيّ” مسؤول عن ملف النشاط الإقليمي القطري: “دور الدوحة منذ 16 عاماً يستحوذ على مساحة كبرى من المتابعة والمراقبة، وأحياناً المواجهة في مناطق الصراعات الإقليمية”.
وعاد الرجل يقول: “في كلّ الصراعات في لبنان، وسوريا، والعراق، وإيران، وتركيا، كان في الخندق المضادّ لنا”.
وفي ملفّات “الإخوان والقاعدة وداعش والحشد الشعبي هناك رهانات قطرية مخالفة للرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة”.
هنا يصبح “المأمول الشديد التفاؤل” من الأمير تميم كبيراً جدّاً”.
وهنا أيضاً يصبح السؤال: ما هو المأمول من الأمير تميم حسب أصحاب النوايا الطيّبة والرؤى الاعتدالية العروبية؟
هؤلاء يحدّدون ذلك بمطالب كلّها تبدأ بعبارة تمنٍّ تقول يا ليت:
1- يا ليت الأمير تميم يطالب قناتيْ الجزيرة العربية والإنكليزية صاحبتيْ الانتشار القويّ بتعميق الاعتدال والتنوير بدلاً من الفوضى والعدميّة والتطرّف.
2- يا ليت الأمير تميم يستخدم النفوذ القطري لدى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين لتحويل هذه الجماعة من منصّة للإرهاب التكفيري إلى حزب سياسي إصلاحي بلا ميليشيات يؤمن بمنهج الدولة الوطنية.
3- يا ليت الأمير تميم يعمل لأن يكون تعامل الدولة والأجهزة القطرية مع دول المنطقة من خلال أجهزة هذه الدول الرسمية بشكل غير عابر لها، فلا يخترق هؤلاء ولا يتعامل مباشرة مع جماعات وأحزاب تؤدّي أدواراً تخريبية كما حدث في السابق.
4- يا ليت قطر لا تعود إلى دعم الإخوان في الإمارات، وأئمّة الشيعة المتطرّفين في البحرين، والحشد الشعبي في العراق، ولا داعش في سوريا.
5- يا ليت قطر تستخدم نفوذها وعلاقاتها القوية مع تركيا لعقلنة سياسات رجب طيب إردوغان في المنطقة، وتحسين علاقات أنقرة مع الرياض وأبوظبي والقاهرة.
6- يا ليت الأمير تميم يستخدم أدوات الاستثمار واتفاقيات التجارة والتعاون العسكري بين بلاده وإثيوبيا في “عقلنة” قرارات “آبي أحمد” في ملفّ سدّ النهضة.
إقرأ أيضاً: ماذا تفعل لو كنت الأمير تميم؟ (1/2)
7- يا ليت قطر تستخدم العلاقة القوية جدّاً مع القيادات الحالية لحركة طالبان في منع النظام الحاكم في كابول من تحويل أفغانستان إلى ملاذ آمن لتنظيمات الإرهاب التكفيري.
8- يا ليت قطر تستخدم حجم تأثير صندوقها الاستثماري ومشترياتها التسليحية وحجم احتياطاتها من الغاز بالانسجام والتنسيق مع القاهرة وأبوظبي والرياض في العلاقات الاستراتيجية مع كلّ من واشنطن وموسكو وبكين ولندن.
9- أيّ قطر ستكون وهي في يد الأمير تميم؟ هل تستمرّ في “القديم الصعب” أم تشرع في الجديد المنسجم مع محيطها العربي؟
تكمن الإجابة في حقيقة علاقة الأمير الحالي بالأمير الوالد.