دولار 2022 الرسمي: بين 3 و 6 آلاف ليرة

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتجه بعد الأعياد أو ربّما في الأشهر الأولى من السنة الجديدة، إلى رفع سعر الصرف الرسمي للدولار من 1500 إلى 6000 ليرة.

لا يلبّي هذا القرار مطلب صندوق النقد الدولي توحيد سعر الصرف، لكنّه في نظر سلامة يقرّب الأسعار  بعضها من البعض الآخر، وربّما يجمعها مستقبلاً، قريباً من “كلمة سواء”.

تشير التقديرات الأوّلية إلى أنّ الرقم الجديد سيكون قرابة 6000 ليرة لبنانية، في حين تذهب تقديرات بعض المراقبين أبعد من ذلك، فتعتبر أنّ الرقم ستحدّده التطورات السياسية المقبلة، وسيكون مربوطاً بشكل وثيق:

المعلومات المستقاة من أوساط مصرف لبنان تكشف أيضاً أنّ “المركزي” ما عاد قادراً على امتصاص الليرات اللبنانية أكثر مما يفعل حالياً

– أولاً، بعودة الحكومة إلى الاجتماع.

– ثانياً، بانطلاق المفاوضات رسمياً مع صندوق النقد الدولي.

في هاتين الحالتين سيمسي تحديد الرقم الجديد أمراً سهلاً مهما كان، وبالتالي لا يمنع من أن يكون 6 أو حتى 8 آلاف ليرة، طالما أنّ هذا الرقم هو الرقم الرسمي الأدنى من بين الأرقام الثلاثة التي يتبنّاها سلامة، وهو ثلث تسعيرة منصّته “صيرفة” (الأرقام الثلاثة هي: تسعيرة 8 آلاف ليرة للتعميم 601، وتسعيرة 12 ألفاً للتعميم 158، وتسعيرة 22 ألفاً لمنصّة “صيرفة”).

المؤشّرات إلى قرب اتّخاذ قرار كهذا ليست جديدة. فقد سبق أن ظهرت مع نشر نصّ التعميم 161 الذي تحدّث عن إعطاء الموظفين رواتبهم بالدولار بدل الليرة، وعلى سعر صرف منصّة “صيرفة”. وعلى الرغم من أنّ عمره ينتهي بنهاية السنة الحالية مبدئياً، إلاّ أنّه مرشّح للتمديد، لأنّ المجلس المركزي أكسبه صفة “التعميم الأساسي”، وهي صفة تخصّ التعاميم التي تحوز مفعولاً طويلاً، وهي قابلة للتعديلات عبر “التعاميم الوسيطة”، وهذا يعني أنّ التعميم كان “نقطة تحوّل واضحة باتجاه بداية الابتعاد عن سعر الصرف الرسمي، الذي ساد منذ العام 1997” (بحسبما يؤكّد خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي).

وقد بدا هذا الواقع جلياً أيضاً بعد تصريح سلامة لـ”فرانس برس” يوم الثلاثاء الفائت. إذ قال إنّ “سعر 1507 ليرات للدولار المعتمد رسمياً منذ 1997 لم يعد واقعياً”، معتبراً في الوقت نفسه أنّ توحيد سعر الصرف أمرٌ غير ممكن قبل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

 

تكشف أوساط مصرف لبنان لـ”أساس” أنّ “رفع سعر الدولار المصرفي إلى 8 آلاف ليرة بموجب التعميم 601 يؤكّد أنّ ثمّة تعديلاً لسعر الصرف سيبصر النور قريباً”، خصوصاً بعد تقبّل اللبنانيين لمضمون التعميم المذكور وموافقتهم الضمنية على رقم 8 آلاف ليرة للدولار المصرفي الواحد، وهو ما يعني أيضاً أنّ التعميم كان بمنزلة جسّ نبض بين الناس.

وتعتبر هذه الأوساط أن لا قرار واضحاً حتى اللحظة بما يخصّ تحديد الرقم الرسمي الجديد، ولو أنّها ميّالة إلى اعتبار أنّ رقماً مثل 8 آلاف ليرة يصعب على الناس تحمّله، خصوصاً في حال لم يستثنِ قروضَ الدولار لدى المصارف، وبالتحديد القروض السكنية التي تبلغ قيمتها بحسب أرقام “المركزي” نحو 15 مليار دولار (القروض باللبناني وبالدولار). وبالتالي فإنّ رفع السعر الرسمي إلى هذا الحدّ “سيتسبّب بأزمة عقارية مع اعتراض المقترضين وتوقّفهم عن الدفع”. وهذا بدوره قد يؤثّر على أرقام الخسائر التي توصّلت إليها الحكومة مع المصارف والمصرف المركزي، لكنّها في المقابل ترجّح أن يكون الرقم الجديد “المبدئي” (مع التشديد على مصطلح مبدئي) نحو 3000 ليرة لبنانية.

وقد يكون هذا الرقم مجرّد انطلاقة في مسير توحيد أسعار الصرف، إذ لا يُستبعد أن يحصل ذلك على “جرعات”، من خلال رفعه تدريجياً: في المرة الأولى إلى 3 آلاف، ثمّ بعد ذلك إلى 6 آلاف وصولاً إلى سقوف أخرى، بحسب المقتضى، قد تقترب من 10 آلاف ليرة أو أكثر.

أوساط مصرف لبنان تكشف لـ”أساس” أنّ رفع سعر الدولار المصرفي إلى 8 آلاف ليرة بموجب التعميم 601 يؤكد أنّ ثمّة تعديل لسعر الصرف سيبصر النور قريباً

ولا يُستبعد أن تُستبق هذه الخطوة بقرار يسمح بدفع القروض السكنية وتلك الشخصية المتبقّية “دُفعة واحدة”، لفتح المجال أمام من هو قادر على تسديدها، قبل زيادة سعر الصرف.

لكن كيف تُحتسب التسعيرة الرسمية الجديدة؟

إبّان الأزمة التي انطلقت شرارتها بعيد 17 تشرين الأول 2019 كان حجم الكتلة النقدية بالليرة، في السوق، بحسب أرقام مصرف لبنان، 13.5 تريليون ليرة لبنانية، في مقابل سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات للدولار الواحد.

أمّا اليوم فإنّ الكتلة النقدية، بحسب آخر تقرير أصدره مصرف لبنان في التاسع من الشهر الحالي، تصل إلى 54 تريليون ليرة، وهذا يعني أنّ الكتلة تضاعفت 4 مرات تماماً. وعليه فإنّ سعر الصرف البديهي هو 4 أضعاف الرقم الرسمي الحالي (1507) أي 6000 ليرة لبنانية.  

وتكشف المعلومات المستقاة من أوساط مصرف لبنان أيضاً أنّ “المركزي” ما عاد قادراً على امتصاص الليرات اللبنانية أكثر ممّا يفعل حالياً، لأنّ خفض الكتلة النقدية إلى أقلّ من الموجود في السوق اليوم “سيتسبّب بأزمة سيولة حادّة قد تُكبّل الاقتصاد وتشلّه”، ومن هنا على ما يبدو، جاء ابتكار التعميم 161 الذي قام على فكرة خلق “عرض مصطنع” للدولار من خلال دفع المستحقّات من ودائع “اللولار” ورواتب الموظفين بالدولار الأميركي بدل الليرة، من أجل تجنّب زيادة الكتلة النقدية باللبناني قدر المستطاع.

في المحصّلة، يمكن القول إنّنا أمام مفترق جديد مطلع السنة الجديدة، ربّما لا يلبّي تطلّعات صندوق النقد كاملة، لكنّه في المقابل سيضع حتماً على كاهل المواطنين المزيد من الأعباء، لأنّه سيرفع بشكل مؤكّد أسعار نحو 90% من السلع، بدءاً من “حبّة العلكة” ووصولاً إلى التلفزيون أو الفرن أو البرّاد أو السيارة أو الإنترنت… ما دامت هذه السلع كلّها مستوردة من الخارج، وما دامت الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة ستُحتسب بموجب الرقم الرسمي الجديد.

إقرأ أيضاً: جنون الدولار: سلامة يوزّع الخسائر “بالسرّ”

هذا كلّه متوقّف على مصير الحكومة وقدرتها على الاجتماع مجدّداً، وإلاّ فإنّ سعر صرف الدولار في “السوق الموازي” لن تلجمه أيّ منصة، ولن ينفعه دفع الودائع والرواتب بالدولار.

وفي حينه ستكون الطامة كبيرة… بل كبيرة جداً.   

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…