في اجتماعٍ استثنائي لمجلس وزراء خارجية مجلس التعاون الإسلامي بإسلام أباد (باكستان)، قال وزير الخارجية السعودي إنّ الوضع بأفغانستان شديد الخطورة، وكلّ شيء يوشك على الانهيار، والخشية أن تعود أفغانستان مأوى للإرهابيّين.
والواقع أنّه منذ مطالع العام 2021 تجدّد العنف على أيدي التنظيمات المتطرّفة التي تعمل تحت شعاراتٍ دينية سنّيّة أو شيعيّة. ونحن نعلِّل في العادة تصاعد العنف ضدّ المؤسسات والأشخاص من جانب التنظيمات الشيعية العنيفة التي تقودها طهران بأنّه ضغطٌ على الولايات المتحدة، وضغطٌ على الدول والإدارات والمجتمعات العربية (والإسلامية). وسأعود للإسلامية التي بين القوسين فيما بعد.
بيد أنّ العنف الإيراني المتجدّد ما اندلع بمفرده في لبنان وسورية والعراق واليمن، بل عاد للاندلاع وإنْ بشكلٍ متقطّع تحت عنوان داعش بسورية والعراق وبعض نواحي الساحل الإفريقيّ.
الواقع أنّه منذ مطالع العام 2021 تجدّد العنف على أيدي التنظيمات المتطرّفة التي تعمل تحت شعاراتٍ دينية سنّيّة أو شيعيّة
ما افتخر حسن نصر الله منذ أشهرٍ بالصواريخ الدقيقة، بل افتخر بأنّ لديه مئة ألف مقاتل، وكان يذكر ذلك في سياقاتٍ داخلية لبنانية، وهو أمرٌ شديد الإزعاج.
أمّا في العراق فإنّ الأمر تجاوز ذلك بكثير من خلال المسيَّرات والصواريخ الباليستية والمدفعية والكاتيوشا، وكلّ ذلك ضدّ أهداف في المنطقة الخضراء في بغداد، منها السفارة الأميركية، ومنها كما صار معروفاً منزل وحياة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي.
أمّا تدخّلات الميليشيات الإيرانية في سورية فتميّزت في العام 2021 بمهاجمة القواعد العسكرية الأميركية لأوّل مرّة. وهذا إضافة إلى تثبيت مواقعهم في الشمال والشمال الشرقي بالبلاد، وفي الجنوب على حدود الأردن، وفي الجولان والمنطقة الدرزيّة.
أمّا في اليمن فلا تسلْ. فهم منذ حوالى الثمانية أشهر يهاجمون ويقصفون بشكلٍ يوميٍّ وعلى عدّة جبهات في مأرب والجوف ومخيّمات النازحين وفي الساحل الغربي وأخيراً في حجّة. وكلّ ذلك بالمسيَّرات والباليستيات والمدفعية. لقد فقدوا الآلاف في تلك الهجمات الانتحارية، لكنّهم ما ارعووا ولا توقّفوا لإعادة النظر في مقترحات السلام التي عُرِضت عليهم، فهُم شأنهم في ذلك شأن الميليشيات الإيرانية الأُخرى يُكلَّفون بالهجوم وليس من حقّهم التساؤل أو التراجع أو حتى التفاوض الحقيقيّ.
ولْنَدَع إرهاب الدولة هذا، ولنصِرْ إلى إرهاب داعش. الداعشيون تحرّكوا بقوّةٍ هذا العام في كلٍّ من سورية والعراق، وهذا إلى الناسبين أنفسهم إليهم في مناطق الساحل الإفريقي المنكوبة بهم، وإلى مشكلاتٍ أُخرى. وسواء في سورية أو العراق والمنطقة الكردية، يقوم هؤلاء بهجمات مفاجئة ويُحدِثون خسائر معتبرة في الأرواح والمباني. وعندهم “موضة” جديدة، وهي أنّهم يحاولون العودة لاحتلال بعض القرى. هي حياةٌ جديدةٌ دبّت في هذا الجسد الذي اعتبرناه ميتاً، وفي كلٍّ من سورية والعراق. وقد واجهه العسكريون والأمنيّون جميعاً، إنّما هذه المرّة لا يقف الأميركيون في الطليعة لأنّ قواهم القتالية انسحبت من العراق، وتحصّنت في سورية بقواعدها. وربّما، حسب هؤلاء، كان التراجع الأميركي فرصةً لهم.
تتحرّك الميليشيات الإيرانية بأوامر إيرانية، فكيف يتحرّك الداعشيون؟ أما تزال لهم علاقات ووجوه تواصُل مع جهاتٍ رسمية أو فاعلة في الدول؟! لا يبدو ذلك، وإنّما هي خلايا نائمة وأخرى متغلغلة على أطراف المناطق التي فيها تنظيم النصرة أو الأتراك، وفي العراق ببعض النواحي النائية التي كانوا يحتلّونها.
الأمر الجديد تماماً هو استيلاء طالبان على كابل، فاكتملت بذلك سيطرتها على أفغانستان خلال الصيف الماضي. وطالبان تنظيم عنيف وقبلي اتجاه شعبه، لكنّه يريد السيطرة وحده، ولا يقبل إشراك داعش. في حين يحاول داعش منذ أربع سنوات أن يتسلّل إلى أفغانستان. كان الأميركيون يواجهونه، وما بقي لمواجهته غير طالبان، والطالبانيون يتجنّبون الاصطدام به لأنّه قاسٍ قسْوةً شديدةً لا يتحمّلها الطالبانيون أنفسهم. وعلى كلّ حال فقد حصلت تفجيرات في ثلاثة مساجد للشيعة، وما قال الطالبانيون إنّهم قبضوا على أحدٍ أو اتّهموه!
وما يخشاه وزير الخارجية السعودي والباكستانيون، وربّما الهنود والصينيون والروس والإيرانيون، ليس الدواعش فقط، بل وتنظيمات وشراذم العنف الأخرى التي تأتي من “محيط التذمّر” على حدود أفغانستان وبالجوار القريب. وهذا إضافةً إلى التمرّدات القبلية والإثنية بداخل أفغانستان بسبب انهيار نمط العيش، وسيطرة الجوع والبرد في الشتاء.
كنتُ قد شكوتُ من تداعيات نموذج طالبان في أفغانستان على العالم السنّيّ، وقلت إنّه يشبه النموذج الإيراني الشيعي من حيث تحكّم رجال الدين. لكن يتبيّن الآن أنّ الطالبانيين يخشاهم الجميع لأنّهم مستعدّون لممارسة العنف ولو بدون داعٍ. لكنّهم ليسوا صالحين أبداً ولا مؤهّلين لإدارة دولةٍ ونظام، وأن يكونوا مسؤولين عن الأمن ونظام الحياة في بلادٍ شاسعةٍ وصعبةٍ مثل أفغانستان. لقد بدأ تأثيرهم السيّء يتسلّل حتى إلى باكستان التي سبق لها أن ساعدتهم. “فطالبان باكستان” شعرت بالقوّة وتريد مدَّ سيطرتها بالعنف مؤتمرةً بطالبان أفغانستان.
لماذا هذا الاستقواء بالعنف من جديد؟
لأنّ البدائل بعد الإرهاب ما أفضت إلى قيام حكومات مستقرّة في دولٍ وطنيةٍ ناضجة. وعدم الاستقرار هو أفضل البيئات لعودة تنظيمات الإرهاب للظهور. وعلى الجانب الآخر فإنّ الإيرانيين الذين أنفقوا كثيراً على ميليشيات العنف، يشعرون أنّهم ما يزالون بحاجة إليها في إزعاج الولايات المتحدة وحلفائها، وفي زيادة الاختراقات في دول الجوار العربية.
ليست طالبان مخرجاً من أيّ نوع. فهي من جهة نموذج للحكومة (الدينية) السيّئة، وهي من جهةٍ أخرى وفي ظروفٍ معيّنةٍ وإذا لم تتلقّ بالابتزاز مساعدات من هنا وهناك، مستعدّة لاستقبال الإرهابيين، كما فعلت مع أُسامة بن لادن من قبل. ولنتأمّل الحشود التي تحاصر مطار كابُل لأنّها تريد مغادرة حكومة بلادها الشديدة النجاح!
إقرأ أيضاً: الفشل في إخماد العنف باسم الدين!
إنّ هذا العنف باسم الدين مرضٌ عُضالٌ ينبغي الخلاص منه بكلّ السبل، أو يعود بنا الحال إلى ما بعد العام 2001 حين سادت الأفعال المُهلِكة وردود الأفعال الأكثر إهلاكاً!