حين كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلن عبر تويتر أمس أنّه يثمّن “جولة سموّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمساعي المستمرّة لتعزيز أُطر التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية كافّة، ولبنان من ضمنها”، بالتأكيد لم يقصد أنّه يتبنّى ما جاء في “النصّ السياسي” لهذه الجولة.
فـ”الجملة اللبنانية” التي تكرّرت في 5 بيانات ختاميّة، لا قدرة لحكومة ميقاتي على تبنّيها، ولا على تنفيذ ما يلزم للالتزام بها. وهي التالية: “على لبنان تنفيذ إصلاحات شاملة… وأن لا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال (إرهابية) (أو إجرامية) تزعزع أمن واستقرار المنطقة.. أو ممرّاً للمخدِّرات”، إلى دول الخليج طبعاً.
نُقل عن مصادر دبلوماسية عربية أنّ دوائر الإليزيه سرّبت مساء الأول من أمس أنباء إلى تلفزيون “العربية” عن دعوة ستوجه إلى ميقاتي لزيارة السعودية مع بعض نقاط جدول الأعمال
في الآتي التنويعات على هذه الجملة في البيانات المشتركة التي صدرت في كلّ بلد زاره ولي العهد السعودي:
1- البيان السعودي العُماني: (7 كانون الأول 2021)
“وفي الشأن اللبناني أكّد الجانبان على أهميّة إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وأن لا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابيّة أو إجراميّة تزعزع أمن واستقرار المنطقة”.
2- البيان السعودي الإماراتي:(8 كانون الأول 2021)
“وفي الشأن اللبناني، يؤكّد الجانبان على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح على مؤسّسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية، وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفّة المخدّرات المهدِّدة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم”.
3- البيان السعودي القطري:(9 كانون الأول 2021)
“وفي الشأن اللبناني أكّد الجانبان أهمّية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال تزعزع أمن واستقرار المنطقة أو ممرّاً لتجارة المخدّرات“.
4- البيان السعودي البحريني:(10 كانون الأول 2021)
“وفي الشأن اللبناني أكّد الجانبان حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وعلى أهميّة إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وحصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية، وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابيّ، ومصدراً لآفّة المخدِّرات المهدِّدة لسلامة المجتمعات”.
5- البيان السعودي الكويتي: (10 كانون الأول 2021)
“وفي الشأن اللبناني، يؤكّد الجانبان على ضرورة إجراء إصلاحات شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وفق ما جاء في قراريْ مجلس الأمن رقم 1559 و1701، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية، وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لآفّة المخدِّرات المهدِّدة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم”.
الفوارق الثلاثة:
1- نلاحظ في البيان العُماني غياب الدعوة إلى “حصر السلاح في المؤسسات الشرعية”، وغياب الحديث عن لبنان بصفته مصدِّراً للمخدِّرات.
وهذا مفهوم وطبيعي، باعتبار عُمان دولة “حوار” بين دول الخليج بقيادة السعودية، وبين خصومها، بقيادة إيران.
2- نلاحظ في البيانين، الإماراتي والبحريني، تسمية “حزب الله” بالاسم في دعوة لبنان إلى “ألّا يكون منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية، وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي“.
وهذا طبيعي، لأنّ البحرين والإمارات تعانيان بشكل مستمرّ من “ضربات” حزب الله، عبر الحوثيّين، في قصف الإمارات أكثر من مرّة بصواريخ بعيدة المدى، أو عبر تأليب إيران وشركائها، وبينهم حزب الله، شيعةَ البحرين ضدّ قيادتها.
3- أمّا في البيان الكويتي، فالجملة هي نفسها، لكن من دون تسمية الحزب بالاسم، مع إضافة حديث عن ضرورة تطبيق قراريْ مجلس الأمن رقم 1559 و1701.
زيارة الرئيس ميقاتي، إذا حصلت، للمملكة العربية السعودية، ستكون دونها قدرة ميقاتي على تحمّل هذه “الجملة المفتاح”، التي حصل الأمير محمد بن سلمان على “إجماع خليجي” عليها
الخلاصة:
زيارة الرئيس ميقاتي، إذا حصلت، للمملكة العربية السعودية، ستكون دونها قدرة ميقاتي على تحمّل هذه “الجملة المفتاح”، التي حصل الأمير محمد بن سلمان على “إجماع خليجي” عليها.
وكان الأمير محمد بن سلمان قد جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوقّع عليها وعلى أكثر منها، عندما استقبله في 4 كانون الأول، قبيل الانطلاق في “جولة الشرعية الخليجية” لهذا الموقف من لبنان وحزب الله.
فالبيان السعودي الفرنسي كان أكثر قوّة من البيانات العربية الخمسة، لأنّه أضاف إلى “الجملة المفتاح” ضرورة “الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهليّ في لبنان”. وأضاف الفرنسي جملةً فرنسية وحيدة هي التالية: “اتفقا على إنشاء آلية سعودية – فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامّة، وعزمهما على إيجاد الآليّات المناسبة، بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة، للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني”. أي أنّ ماكرون طلب “بعض الطعام والشراب للّبنانيين الجائعين”، وهذا ما سيحصل عليه، وليس مساعدة مالية للبنان الدولة أو المصارف أو الاقتصاد. مع احتمال أن يكون الجيش اللبناني وقوى الأمن فقط من مؤسسات الدولة المتاح لها حصة من المساعدات.
وهنا نصّ الفقرة اللبنانية في البيان السعودي الفرنسي: (4 كانون الأول 2021)
“في الشأن اللبناني، شدّد الجانبان على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهليّ في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود. وأكّدا على ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدّرات. كما أكّدا على أهميّة الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680، والقرارات الدولية ذات الصلة”.
ختاماً:
نُقل عن مصادر دبلوماسية عربية أنّ دوائر الإليزيه سرّبت مساء الأول من أمس أنباء إلى تلفزيون “العربية” عن دعوة ستوجه إلى ميقاتي لزيارة السعودية مع بعض نقاط جدول الأعمال. إلا أنّ إدارة التلفزيون تمهلّت في النشر بانتظار تعليمات الديوان الملكي. وحتّى الآن لم يُبث الخبر لعدم ورود التعليمات بنشره. بينما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بعد زيارة ماكرون: “يجب أن نرى أفعالاً وليس أقوالاً من الحكومة اللبنانية، والمهمّ أن نرى إصلاحات حقيقية”. وهي الرسالة الأوضح إلى ميقاتي. لذلك عليه أن يقرأ البيانات الستّة، ليعرف ماذا ينتظره.
إقرأ أيضاً: ميقاتي يتقاسم مع فرنسا جثّة لبنان
فإذا وقّع على “الجملة المفتاح” الجديدة، التي ترى لبنان دولة مصدِّرةً للإرهاب والمخدّرات، وتطالبه بـ”إصلاحات شاملة”، سيكون عليه الموافقة المسبقة علناً.
وإذا لم يوفّق إلى أيّ تغيير أو تنفيذ، فإنّ السعودية تكون قد “فعلت ما بوسعها” أمام ماكرون والغرب والعرب.. والباقي على الله.