مصطفى علوش: الخيار الثوري لا العائلي ينقذ “المستقبل”.. (1/2)

مدة القراءة 7 د

طبيب جرّاح. لاعب كرة قدم. مدرّب رياضي. كاتب وقارئ محترف. تلميذ مجتهد حصل على شهادة الماجستير في الفلسفة منذ شهر.

عايش نائب رئيس “تيار المستقبل” النائب السابق الدكتور مصطفى علوش الحياة السياسية اللبنانية بمراحلها المؤلمة، وعاصر المرحلة الذهبية لـ”تيار المستقبل” مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو يعيش اليوم تداعيات تفكّك فاعليّة هذا التيار مع سعد الحريري بعد انفجار النظام الذي أُسِّس بفعل وصايات، وفشله في الحفاظ على الدور التاريخي الكبير للبنان.

هنالك حاجة إلى خيار ثوري في “تيار المستقبل”، وذلك على مستوى القيادات، وخصوصاً تلك الشخصيّات المحترمة في بيروت والبقاع وعكار وطرابلس التي تمّ إهمالها

“طبيب الفقراء”، كما حلم والده بأن يكون يوماً، لا يزال يعمل يوميّاً طبيباً جرّاحاً في “مستشفى النيني” في طرابلس، حيث توقّفت مقابلتنا معه عدّة مرّات بسبب حالات طارئة.

يتميّز علوش بشخصيّته المستقلّة وآرائه الصريحة جداً التي ساعدته على مواكبة سعد الحريري الذي لم يرشّحه لنيابة أو وزارة بعد تسلّمه زمام التيار الأزرق. يشهد الجميع أنّ مصطفى علوش لم يرفّ له جفن، وبقي وفيّاً لابن رفيق الحريري. “أنا رجل لا أُشترى ولا أُباع، ولا يمكن لسعد الحريري أو لسواه أن يشتريني بموقع أو أن يلغي قناعاتي أو احترامي ومحبّتي. تقودني المحبّة أحياناً أكثر ممّا يقودني الاحترام، وعلاقتي بسعد هي علاقة محبّة. وأعتبر أنّه أكثر المظلومين على المستوى السياسي منذ بداياته حتى الآن”.

مصطفى علوش هو ابن باب التبّانة المولود في عائلة ذات ميول قوميّة يصفها بأنّها كانت “أقلّ من متوسّطة الحال”. عاش الحرب بفصولها وأصيب شقيقه توفيق في حروب طرابلس، فأُعيقت حركته، لكنّه أبلّ من الإصابة بطريقة جيّدة بفضل دعم عائلته. هو ابن محمد علوش “الذي تعلّم الكتابة والقراءة لوحده” ومهرديكار خلوف، ابن زواج مختلط سنّيّ علويّ، وهو كبير العائلة. وُلِد في العام 1958. درس في مدرسة الروم الأرثوذكس في بداياته، ثمّ انتقل إلى مدرسة الآباء الكرمليين، ثمّ درس سنة واحدة في الجامعة اللبنانية سافر بعدها إلى فرنسا، ثمّ عاد إلى الجامعة الأميركية حيث درس الطبّ. وبعدما تخرّج سافر إلى ميامي حيث تخصّص في الجراحة.

جرفته القضية الفلسطينية منذ صغره. “منذ طفولتي وأنا أستمع إلى أمّ كلثوم تغنّي للعروبة، وأصغي إلى خطابات جمال عبد الناصر، وكنت أبكي. لطالما شعرت بأنّني أنتمي إلى هذه القضية. أعتقد بأنّ أم كلثوم هي التي كوّنت لديّ الوعي القومي في تلك الفترة، وكنت أتصوّر أنّها هي الأمّة العربية”. في الثامنة من العمر سافر إلى فلسطين في رحلة مع فريق رياضي. زار القدس الشرقية قبل أن تحتلّها إسرائيل بشهرين. “في اللقاء مع القدس شعرت بأنّ فلسطين تغلغلت في كياني، وبقيت أنتمي إلى هذا الإحساس حتى اليوم”.

انتسب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عمر الـ13. “عرّفني إلى الجبهة الشعبية زميل لي في كشّافة “الكرمل”، وهي جمعية مسيحية، اسمه نبيل حرب، وهو زغرتاوي ماروني، استشهد لاحقاً في عملية. كان أهله يعيشون في فلسطين. منذ ذلك الوقت وحتى خروج منظمة التحرير من لبنان في العام 1983، أي قرابة 13 عاماً، التزمت بشكل كامل بالنضال في الجبهة”. يرفض الخوض في تفاصيل العمل الفدائي الذي انغمس فيه، “لا أريد الكشف عن تفاصيل، لكنّني كنت مسؤولاً عن مجموعة استشهد تقريباً كلّ من انضمّ إليها ولم يبق سواي وشخص آخر. استشهدوا في عمليات عدّة خارج الحدود”.

في باب التبّانة، حيث شارك علوش ولداً في معارك الشوارع، كان يوجد في منزل عائلته كتب للفيلسوف الألماني هايدغر ومؤلّفات أنطون سعادة. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يتعلّق علوش بالفلسفة والسياسة. تخرّج منذ شهر فقط من جامعة الروح القدس في الكسليك حيث نال شهادة الماجستير بدرجة امتياز عن أطروحته في الفلسفة التي تناولت الفيلسوف الألماني هايدغر، وهي بعنوان: “الكينونة نحو التجاوز من خلال التكنولوجيا”. وقد درس أيضاً في غضون 8 أعوام الفلسفة واللاهوت والتاريخ. كلّ ذلك جعله ينجح في بناء فلسفته الخاصة، فهو يؤمن بالفلسفة الوجودية، لكنّ فلسفته تجمع بين سارتر وهايدغر، ويصف نفسه بالسياسة بأنّه ليبرالي اجتماعي أو ليبرالي يساري.

يؤكّد علوش أنّ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري سيعود إلى لبنان حتماً لمتابعة العمل السياسي

في السياق عينه، لدى الدكتور علوش فلسفته السياسية الخاصة، إذا صحّ التعبير، لإدارة “تيار المستقبل” في هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها التيار ولبنان، إذ يرى أنّ الفراغ الذي يحدثه غياب سعد الحريري وتيار المستقبل عن الساحة السياسية “يشكّل إشكالاً كبيراً، وخصوصاً أنّه لا توجد شخصية لديها الجرأة والقدرة على أن تحدث تغييراً، إمّا لفقدانها الكاريزما أو لافتقارها إلى الفكرة السياسية، وهذا ما قد يجعل الفراغ الذي أحدثه سعد الحريري وتيار المستقبل قاتلاً، ولذلك التشرذم هو عنوان المرحلة”.

وسط هذه السوداويّة، يؤكّد علوش أنّ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري سيعود إلى لبنان حتماً لمتابعة العمل السياسي من غير أن يقدّم تفاصيل عن الخيارات التي سيعتمدها الحريري، ولا حتى عن عدم ترشّحه في الانتخابات النيابية المقبلة.

بالنسبة إليه شخصياً، لن يترشّح في الانتخابات النيابية المقبلة مع “شخصيات ذات طابع مافيوزي”، مؤكّداً أنّه “لا يمتلك القدرة الماديّة للترشّح”.

يمتلك علوش رؤية شاملة وعميقة لِما جرى في “تيار المستقبل” ولِما آل إليه وضعه الراهن. ففي العام 1994، تعرّف إلى الرئيس رفيق الحريري وواكب مسيرته، وقد رشّحه الأخير للنيابة في العام 2005 قبل اغتياله. يرى أنّ “الخيارات السياسية التي اتّخذها الرئيس الحريري في التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، وفشل هذا التحالف، قتلا الحريري شعبيّاً”.

أمّا سبب فشل التحالف فيعود من وجهة نظره إلى أنّ “الثنائي ميشال عون وجبران باسيل صاحبا شخصيّة لا يمكن الركون إليها، وطمعهما بالسلطة لا حدود له، وقدرتهما على إيذاء الخصم والحليف لا حدود لها أيضاً”.

ويذهب الدكتور علوش بعيداً في صبّ جامّ غضبه على هذا التحالف: “سمير جعحع هو مَن أوصل ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى وليس “حزب الله”، وجعجع هو مَن أجبر الجميع على اللحاق به. لكن عمليّاً أوّل ما فعله عون هو الانقلاب على جعجع وعلى اتفاق معراب بسبب الرغبة المرضيّة بتوريث جبران باسيل، ففشلت أيّة إمكانية للإصلاح والتغيير، وفشل المشروع الذي استند إليه سعد الحريري لتغيير الأحوال الماليّة، أي مشروع “سيدر” الذي كان قادراً على تشكيل انطلاقة جديدة تنتشل البلد وتمنع الوصول إلى الحالة التي أوصلنا إليها ميشال عون”.

يضيف أنّ “فشل هذا التحالف أسقط كلّ الآمال المعقودة على الرئيس سعد الحريري. أصبح متّهماً بأنّه جزء من المشكلة وليس الحلّ. هذه التسوية الرئاسية مع ميشال عون التي بدت جيدة في ذلك الوقت كانت قاتلة للبنان ولسعد الحريري”.

إقرأ أيضاً: مصطفى علوش: مُعارضٌ لا يتعب ومُقاتلٌ لا يستسلم

بمبضع الجرّاح يقدّم الدكتور مصطفى علوش رؤيته للحلول، التي تنطلق برأيه من “تدبير إبداعي قادر على تظهير فكرة ورؤيا جديدتين”. يبدأ هذا التدبير الإبداعي بـ”التيار الأزرق” الذي يصف له علوش دواء “الخيار الثوري”. يقول لـ”أساس”: “هنالك حاجة إلى خيار ثوري في “تيار المستقبل”، وذلك على مستوى القيادات، وخصوصاً تلك الشخصيّات المحترمة في بيروت والبقاع وعكار وطرابلس التي تمّ إهمالها، والتي لم تلوّث نفسها في أيّة لحظة من اللحظات بالفساد. وتوجد ضرورة للخروج من منطق أنّ الناس التي تمتلك المال، ولو كانت فاسدة، قادرة على انتشال الوضع السياسي، ويجب إخراج المهرّجين من الساحة السياسية”. يضيف: “هذه “الحالة الثورية” يجب أن تشمل التيار بمستوياته كلّها، بدءاً من إخراج المنطق العائلي، وقد ذكرت ذلك مراراً على الرغم من أنّ أحمد الحريري صديق لي وأحبّه كثيراً، لكنّي أعتبر من الأساس أنّ إدخال منطق الوراثة العائلية والعوائلية إلى التنظيم قاتل، لذا نحن بحاجة إلى إنجاز في هذه النقطة، وفي الوقت ذاته نحتاج إلى تظهير خيار سياسي يعيد شيئاً من رونق 14 آذار وثورة 14 آذار ونضالاتها، ولا مانع من البدء ولو من الصفر. وإذا قرّرنا الخوض في الانتخابات النيابية لا يمكننا خوضها عبر شخصيّات عليها علامات استفهام”.

 

غداً في الحلقة الثانية: نحن تيار المستقبل..

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…