عنصرية أميركا الجديدة: ضدّ الصينيين والآسيويين

مدة القراءة 4 د

وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن على قرار رئاسي جديد يعلن التاسع عشر من شهر حزيران يوم عيد وطنيّ للتحرّر من العبوديّة. ويأتي التوقيع على هذا القرار فيما تشهد الولايات المتحدة تصعيداً حادّاً في نسبة الجرائم العنصريّة.

فقد تجدّدت ظاهرة الاعتداء على الأميركيين المتحدّرين من أصول آسيوية. كانت هذه الجرائم تُرتكب ضدّ الأميركيين الأفريقيي الأصل، والأميركيين اللاتين (الهيسبانيك). أمّا الآن فإنّها تُوجَّه ضدّ الأميركيين المتحدّرين من أصول صينية ويابانية أو فيتنامية، وضدّ أولئك المتحدّرين من أصول هندية – باكستانية، علماً بأنّ نائبة الرئيس الأميركي “كاميلا هاريس” هي واحدة من هؤلاء.

تجدّدت ظاهرة الاعتداء على الأميركيين المتحدّرين من أصول آسيوية

هذه الظاهرة ليست جديدة. بل هي متأصّلة في المجتمع الأميركي. فأثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد قيام اليابان بالعدوان على قاعدة بيرل هاربور الأميركية، وهو العدوان الذي كان المبرّر لدخول الولايات المتحدة الحرب، بادرت السلطات الأميركية إلى اعتقال جميع الأميركيين المتحدّرين من أصول يابانية وزجّت بهم في معسكرات اعتقال خلف أسلاك شائكة لا يدخل ولا يخرج منها أحد إلى أن انتهت الحرب. أُقيمت هذه المعسكرات في “جزيرة الملائكة” في سان فرنسيسكو. وهي اليوم حديقة عامّة. ولأنّ الأميركيين المتحدّرين من أصول صينية وكورية وفيتنامية يشبهون اليابانيين، فقد جرى اعتقالهم بموجب هذه العملية، وزُجّوا في هذه المعتقلات لعدّة سنوات، وأصبحت كلمة “ياباني” شتيمة متداولة.

وقبل اليابانيين، تعرّض الأميركيون المتحدّرون من أصول صينية لِما هو أسوأ. ففي عام 1852، خلال موجة استخراج الذهب من مناجم كاليفورنيا، اُستُقدم عمّال صينيون لحفر المناجم. ولأنّ الذهب كان لِمَن يعثر عليه، فقد صدر قانون يفرض على الصينيين ضريبة مالية مرتفعة، فيما أُعفي الآخرون من أيّ ضريبة.

واُستُخدم الصينيون لسنوات طويلة في مشاريع شاقّة، منها حفر الأقنية والطرقات. وأهمّها العمل على بناء سكّة الحديد التي تربط غرب الولايات المتحدة بشرقها. وقد مات الكثير منهم تحت ضغوط الأعمال الشاقّة. ومع أنّ الصينيين حصلوا على الجنسيّة والمواطنة، إلا أنّهم حُرِموا بموجب القانون من الأمور الآتية:

1- الشهادة أمام المحاكم. فالأميركي – الصيني لم تكن تُقبَل شهادته.

2- التصويت في الانتخابات البلديّة أو البرلمانية أو الرئاسية. لم يكن يحقّ للصيني الأميركي المشاركة في اختيار حاكم الولاية أو رئيس المدينة.

3- التملّك (تملّك البيوت أو المزارع أو المحلّات التجارية). لم يكن يحقّ للصيني الأميركي أن يكون مالكاً لأيّ عقار.

4- الزواج من غير الصينيين أو الصينيّات. حتى لو توافق صيني (أو صينيّة) على الزواج من أميركية أو من أميركي من أصول أخرى، فإنّ القانون كان يمنع عقد هذا الزواج.

جرت أوّل محاولة لإعادة النظر في هذا القانون العنصري في عام 1943، ثمّ بادرت ولاية كاليفورنيا إلى تعديل بعض موادّ دستورها التي تتعلّق بهذه النصوص العنصرية المتزمّتة في عام 1952. إلا أنّ التمييز تواصل على الرغم من ذلك لعقود عديدة أخرى.

أمّا اليوم فإنّ أبرز طلّاب كليّات العلوم والتكنولوجيا في جامعة ستانفورد، كبرى جامعات كاليفورنيا، يتحدّرون من أصول صينية. حتى إنّ الجامعة عمدت إلى فرض إجراءات تعجيزية للحدّ من نسبة التحاقهم بكليّاتها العلمية، لكنّ تلك الإجراءات كانت حافزاً لهم للطموح إلى المزيد من التفوّق.

وتشهد “سيليكون فالي”، أو مدينة التكنولوجيا الحديثة في كاليفورنيا، هيمنة صينية بارزة، من علاماتها أنّ “بول مونغ”، أحد مؤسّسي “يوتيوب” و”ياهو” مثلاً، كان والده من جملة المعتقلين في عام 1939 على خلفيّة شكله الصيني. ولذلك لم يكن غريباً أن يوقّع الرئيس بايدن على قرار إلغاء العنصرية.

لقد حوّل المتحدّرون من أصول صينية ويابانية وهندية كلّ الولايات المتحدة إلى “جزيرة الملائكة”. ولكن بدلاً من أن يكونوا هم الشياطين المنبوذين في هذه الجزيرة التي كان يحرسها رجال أمن أشدّاء متحدّرون من أصول أوروبية، تمكّنوا بفضل تفوّقهم العلمي أن يثبتوا أنّهم هم الملائكة. وقد جاء قرار الرئيس بايدن اعترافاً بذلك.

إقرأ أيضاً: هل الحرب حتميّة بين الولايات المتّحدة والصين؟

في كتابه: “مَن نحن: تحدّيات أمام الوحدة الوطنية الأميركية”، الذي صدر في عام 2004، أعرب صموئيل هانتنغتون (مؤلّف كتاب صراع الحضارات) عن تخوّفه على مستقبل الوحدة الوطنية في الولايات المتحدة، محذّراً من صراع عنصري طبقي. كان الرئيس السابق دونالد ترامب ينكر هذه الحقيقة التاريخية الموغلة في عمق الواقع المعاصر، حتى جاء الرئيس بايدن فجعل من إلغاء العبوديّة عيداً وطنيّاً جديداً.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…