إسرائيل كحليف موضوعي لحماس

مدة القراءة 5 د

يبدو أنّ الطريق نحو إنجاز صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس لم تعد سالكة على النحو المأمول، وذلك بعد إرجاء زيارة رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل لتل أبيب ورام الله وغزّة، التي كانت مقرّرة أواخر الشهر الماضي، إلى نهاية الشهر الجاري. خصوصاً أنّ التصوّر النهائي الذي وضعته القاهرة لإتمام صفقة الأسرى، بعد مشاورات مع الفصائل الفلسطينية، لا يزال ينتظر الموافقة الإسرائيلية.

وكان عباس كامل قد قال، على هامش قمّة المناخ في غلاسكو، إنّ مصر على وشك التوصّل إلى اتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتعمل ليل نهار على إتمام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، مشدّداً على أنّ الأزمة في غزّة “يجب أن تُحلّ بصفقة واحدة كبيرة وشاملة تضمّ وقف إطلاق نار طويل الأمد، وإغاثة إنسانية إضافية للسكان، وإعادة تأهيل القطاع، وحلّ قضية الأسرى والمفقودين”.

التصوّر النهائي الذي وضعته القاهرة لإتمام صفقة الأسرى، بعد مشاورات مع الفصائل الفلسطينية، لا يزال ينتظر الموافقة الإسرائيلية

وعلى الرغم من ترجيحات المراقبين بأن تكون حكومة نفتالي بينيت مشغولة وبعيدة بسبب الملفّ النووي الإيراني، وتصعيد اللهجة ضدّ طهران. فقد وصلت الأمور بوزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس إلى حدّ التهديد بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران. وهذا ربما يكون سبب إرجاء الوزير كامل لزيارته..

وما حدث أنّ تل أبيب تراجعت عن سلسلة تفاهمات بشأن صفقة شاملة توصّلت إليها مع عباس كامل بعد لقائه مسؤولين إسرائيليين في القاهرة. وما زال ملفّ تبادل الأسرى شائكاً. فحركة حماس تشترط الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، الذين تسمّيهم إسرائيل “ملطّخين بالدماء”، باعتباره شرطاً أساسياً للإفراج عن الجنود الإسرائيليين.

إسماعيل هنية قال إنّ الأسرى الأربعة من جنود الاحتلال لدى كتائب القسام لن يروا الشمس حتى ينعم الأسرى الفلسطينيون بــ”شمس الحرية”، فيما حكومة بينيت ترى في ذلك مكسباً صافياً لحركة حماس، وخسارة لا يستطيع بينيت تحمّلها ودفع أكلافها.

وعلى الرغم من مناورات قادة الاحتلال، فإنّهم يعلمون جيداً أهميّة الدور الذي تلعبه القاهرة، والضغوط الكبيرة التي تمارسها على حركتيْ حماس والجهاد لمواصلة التهدئة المؤقّتة في قطاع غزة. مع أنّ الجانب الإسرائيلي تأخّر في الوفاء بعدد من التعهّدات الخاصة بتقديم تسهيلات لقطاع غزة. ومع أنّ جهات إقليمية تحرِّض على تفجير أزمة جديدة بالمنطقة في إطار الصراع بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني.

تتحدّث الصورة الكليّة بوضوح كبير عن قبول إسرائيل اليوم لـ”حماس” كأمر واقع في المدى البعيد، بصورة تشبه إلى حد بعيد قبول وجود “حزب الله” على الجبهة الشمالية، وذلك بعيداً عن حلّ الدولتين

خصوصية غزّة

تدرك إسرائيل أنّ خصوصيّة غزّة لا تكمن فقط في كونها ساحة نشطة وقابلة للانفجار، قاتلت فيها إسرائيل في العقد الأخير أكثر من أيّ ساحة أخرى. بل وتُعدّ من أوراق اللعب في إسرائيل، وقدرة الردع فيها محدودة، لأنّها مكبّلة بإصرار تل أبيب على بقاء حركة حماس جهةً متحكّمةً في قطاع غزّة، ضمن مشروع الفصل عن رام الله الذي تسير به تل أبيب بلا هوادة.

إلى ذلك، فإنّ الواقع في غزّة مركّب بسبب حقيقة أنّ إسرائيل لم تفكّ ارتباطها بالقطاع على الرغم من انسحابها منه بشكل أحادي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. فقطاع غزة لا يزال، بالعرف الدولي، محتلّاً ومحاصَراً من قبل إسرائيل. وعلى تل أبيب توفير الكهرباء، والماء، والوقود، والغذاء لسكّان قطاع غزة. هذا الارتباط يجعل الهدوء على طول الحدود رهينَ مخزون الغذاء والوقود وأرصدة الدولارات في القطاع. وأصبحت حركة حماس تعي أنّ الطريق نحو الدولارات يكون بإطلاق الصواريخ نحو المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وربّما أبعد من ذلك.

وبناءً على ذلك، فإنّ الهدوء الحالي في قطاع غزة مخادع، وحدث نتيجة تفاهمات متبادلة رعتها القاهرة حول توسيع التسهيلات الاقتصادية وإدخال المزيد من عمّال القطاع للعمل في إسرائيل. وعلى الأغلب ستحاول “حماس” مواصلة اللعبة المزدوجة. فمن جهة، تُشجِّع العمليات العسكرية في القدس والضفة، بدافع أن يؤدّي ذلك إلى تقويض استقرار حكم السلطة الفلسطينية وعلاقتها مع إسرائيل. ومن جهة أخرى، تحذِّر من ألا يزيد العبء في غزّة تجنّباً لمواجهة عنيفة جديدة تلغي إنجازات الأشهر الأخيرة.

وتعتقد أجهزة الأمن الإسرائيلية أنّه في أثناء الأشهر التي مضت منذ عملية “حارس الأسوار” نجحت “حماس” في تجديد قسم لا بأس به من منظومة الصواريخ التي اُستُخدمت في العملية، وتعمل على زيادة مدى صواريخها ودقّتها، وأنّه اُستُؤنف العمل في قسم كبير من مصانع السلاح المتضرّرة في القطاع، بما في ذلك بناء وسائل خاصة، مثل الطائرات المسيَّرة، والتدرُّب على تشغيلها.

إقرأ أيضاً: الحظر البريطانيّ لحماس والمركب الفلسطينيّ المثقوب

لكنّ قادة الأمن والجيش الإسرائيلي يتمسّكون بالتسوية مع حركة حماس باعتبارها عنصراً يضمن نوعاً من الاستقرار المؤقّت. ويرى المحلّل الإسرائيلي أليكس فيشمان أنّ “إسرائيل أقنعت نفسها بأنّ زعيم “حماس” في غزة يحيى السنوار يريد قبل أيّ شيءٍ تحسين شروط المعيشة في القطاع، ولذا تبدو التسوية مهمّة بالنسبة إليه، كما هي بالنسبة إلينا”، لافتاً إلى أنّ “التسوية مهمّة للسنوار من أجل إعادة بناء ذراعه العسكري، ولكنّها ليست استراتيجية من ناحيته، بل هي تكتيك هدفه كسب الوقت لأجل الوصول إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل يتمّ خوضها في وضع أفضل. وبالنسبة إلى السنوار، يُعدّ تحسين مستوى المعيشة بمنزلة علاوة تسمح له بمواصلة السيطرة على القطاع”.

في المحصّلة، تتحدّث الصورة الكليّة بوضوح كبير عن قبول إسرائيل اليوم لـ”حماس” كأمر واقع في المدى البعيد، بصورة تشبه إلى حد بعيد قبول وجود “حزب الله” على الجبهة الشمالية، وذلك بعيداً عن حلّ الدولتين. وتل أبيب تفضّل بأشواط تسوية طويلة الأجل تستغلّها “حماس” لزيادة قوّتها العسكرية على سلام دائم وعادل وفق القانون الدولي.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…