يستعدّ الجميع لموعد الانتخابات النيابية المقبلة. يكثر الكلام عن تسويات سياسية ستطيح بها بعدما أجمعت شركات الإحصاء على تراجعٍ كبيرٍ لَحِق بمعظم الأحزاب السياسية، وتقدُّمٍ في أسهم المجتمع المدني لأنّه يحمل شعارات ضدّ السلطة السياسية فحسب.
لكن على الرغم من تقدُّم لوائح معارضة السلطة، غير أنّ قفزتها النوعيّة في صناديق الاقتراع تشترط ترشّحها في لوائح موحّدة على كلّ الأراضي اللبنانية. ومع الجهود المبذولة من أجل ذلك، تبدو الصراعات بينها أكبر من أن تُعالج حتى هذه اللحظة، وقد تكون نتائج انتخابات نقابة المحامين منذ أسبوع دليلاً على ذلك، ثمّ انتخابات نقابة أطباء الأسنان التي تشتّتت فيها الانتفاضة بين “نقابتي ثورتي” و”النقابة تنتفض”، ثمّ انتخابات نقابة الصيادلة التي يتشتّت فيها الصوت المعارض بين لوائح “نحو نقابة مستقلّة” و”صيادلة ينتفضون” وغيرهما. ولذلك يقرأ البعض في انتخابات النقابات تجربة غير موفّقة عشيّة الانتخابات النيابية.
وسط مشهد التزاحم الانتخابي، ولا سيّما على الساحة المسيحية، أشار عدد من الإحصاءات إلى أنّ المجتمع المدني إنْ توحّد في لوائح فسيكون أوّلَ، ويليه القوات اللبنانية ثانياً، والتيار الوطني الحر ثالثاً
إلى أيّ مدى يبدو المشهد مماثلاً في اللوائح التي تستعدّ لخوض الانتخابات النيابية عشيّة موعد إجرائها في أيار المقبل؟
كثيرة هي المجموعات التي تفرّعت عن انتفاضة 17 تشرين. وقد تشكّلت لجنة للعمل على توحيد برنامج هذه المجموعات لتقدّم نفسها في لوائح موحّدة. غير أنّ هذه المساعي اصطدمت بعوائق في أكثر من محطة، آخرها المشكلة التي اعترضت توحيد أو دمج مجموعتيْ “كلّنا إرادة” و”نحو الوطن” بعد صراع بينهما، وهما من أكثر المجموعات تأثيراً وتمويلاً.
وكانت “نحو الوطن” أصدرت بياناً نفت فيه اتّحادها مع “كلّنا إرادة” التي تسعى إلى ضمّ عدد من المجموعات تحت لوائها.
ويتمحور الصراع بين المجموعتين في عمقه حول إدارة المعركة ومموّليها. “كلنا إرادة” يديرها ألبير كوستانيان مع آخرين، وتصرّ على انضواء “الكتائب اللبنانية” وشخصيّات مستقلّة، مثل نعمة إفرام وميشال معوض، تحت مظلّة المجتمع المدني، فيما تصرّ “نحو الوطن”، التي تديرها شانتال سركيس وآخرون، على رفض أيّ شخصية لها ارتباط حزبي بأيّ جهة. وفي المعلومات أنّ كوستانيان يلتقي سامي الجميل دوريّاً لبلورة خطة انتخابات مشتركة بين المجتمع المدني وحزب الكتائب. وكان كوستانيان مدير المعركة الانتخابية للكتائب منذ 2009 إلى الانتخابات الأخيرة. في المقابل تطلّ شانتال سركيس، التي أدارت ماكينة القوات اللبنانية في معركة 2018، لتحاول تأكيد أنّها المرجع الأصلح لإدارة معركة المجتمع المدني تحت عنوان “كلّن يعني كلّن”، مدعومةً من رندلى بيضون وعلي عبد اللطيف، وذلك بهدف وقف تزويد الكتائب بالمال “الثوري” عبر كوستانيان ومجموعته.
إنّها معركة انتخابية بين المجموعتين، وتبدو غير متكافئة قياديّاً، خصوصاً بعد فشل مجموعةact ومَن يدور في فلكها في حفلة عيد الاستقلال، حيث كان الحضور هجيناً لا يليق بـ”مومنتوم” الغضب الشعبي في البلاد وبديهيّة استقطاب الجمهور من قبل المجموعات المعارِضة للسلطة.
انطلاقاً من كلّ ما تقدّم، يستمرّ الصراع ويُتوقّع أن يصبح أكثر حدّة مع المطالبة بتحييد الأحزاب والشخصيّات التي سبق أن خاضت تجربة الانتخابات والسلطة الى جانب التيار الوطني الحر (معوّض وإفرام من تكتّل لبنان القوي) أو الكتائب الذي يعتبره كثيرون مشاركاً في تاريخ لبنان ونظامه السياسي، ويتحمّل مع الطبقة السياسية مسؤوليّة الأزمة، خصوصاً بعد تحالف رئيسه “الثائر” سامي الجميل مع أحزاب السلطة في نقابة المحامين، وإعلانه بشكلٍ قاطعٍ أنّ والده أمين الجميّل كان أفضل رئيس جمهورية في تاريخ لبنان من دون منازع.
إقرأ أيضاً: المعارضة تستعدّ للانتخابات: سباقٌ بين الوحدة والفشل
وسط مشهد التزاحم الانتخابي، ولا سيّما على الساحة المسيحية، أشار عدد من الإحصاءات إلى أنّ المجتمع المدني إنْ توحّد في لوائح فسيكون أوّلَ، ويليه القوات اللبنانية ثانياً، والتيار الوطني الحر ثالثاً. وعلى الرغم من هذه التقديرات، إلا أنّ من السابق لأوانه الركون إلى هذه التراتبيّة باعتبارها نهائيّة، لكنّ الأكيد أنّ توزّع المجموعات على أكثر من لائحة سيؤدّي إلى خسارتها الصدارة، إنْ صحّت الاستطلاعات. لهذا تدعو بعض المجموعات على نحوٍ غير مباشر إلى تسعير الاشتباك السياسي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وإبرازه في الإعلام، لأنّه واحد من العوامل التي تؤدّي إلى خسارة الفريقين في البيئة المسيحية. فهل تنجح هذه المجموعات في التوحّد ضمن برنامج واحد، والقفز فوق خلافات مصالحها العميقة؟ لا يرى البعض إمكانيّة ولا حتى فرصة لذلك.