وصفت مصادر مقرّبةٌ من دوائر الفاتيكان لقاءَ البابا فرنسيس مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنّه كان “صريحاً، واضحاً ومباشراً، وقد تحدّث خلاله ميقاتي عن معاناته في رئاسة الحكومة، وأسباب توقّف انعقاد الجلسات الحكومية”.
وتكشف المصادر أنّ “ميقاتي وضع البابا فرنسيس في أجواء المواقف التي يورِّط حزب الله بسببها الدولة والشعب اللبنانيّيْن في حروب مع المنطقة والجوار. ووضعه في جوّ الأزمة الداخلية التي أدّت إلى امتناعه عن الدعوة إلى عقد جلسة حكومية، شارحاً أنّ لبنان لا يمكنه أن يحلّ إشكاليّة حزب الله لأنّها قضية دوليّة لا تُحلّ إلا ضمن الأطر الدولية”.
وضع البابا فرنسيس ميقاتي في أجواء لقاءاته مع رؤساء الدول المؤثّرة في لبنان، وأهمّها الولايات المتحدة الأميركية، ومع الأمين العامّ للأمم المتحدة، وذلك لأنّ رغبة الفاتيكان تتركّز على إيجاد حلّ سياسي للأزمة
هكذا اشتكى ميقاتي من الحزب في روما، لكنّه أكّد أنّه عاجز عن مواجهته، كما لو أنّه يطلب المزيد من التدويل، والعون الفاتيكاني، والنفوذ الذي يمكن تجييره، لمواجهة تعطيل الحكومة وإعادة الانتظام إلى العمل السياسي.
وأكّد ميقاتي أنّه يبذل جهداً من أجل استمرار العمل الحكومي عبر اجتماعات ثنائية مع الوزراء، وأنّه سبق أن بدأ بتنفيذ إصلاحات على الرغم من استمرار تعطيل انعقاد مجلس الوزراء.
من جهته، وضع البابا فرنسيس ميقاتي في أجواء لقاءاته مع رؤساء الدول المؤثّرة في لبنان، وأهمّها الولايات المتحدة الأميركية، ومع الأمين العامّ للأمم المتحدة، وذلك لأنّ رغبة الفاتيكان تتركّز على إيجاد حلّ سياسي للأزمة. إلا أنّ البابا فرنسيس يدرك أنّ ذلك متعذّر حالياً، وليس ممكناً قبل نضوج قرار دولي يتعلّق بلبنان.
وقد دعا الفاتيكان اللبنانيين إلى “مساعدة أنفسهم”. هكذا عبّر الحبر الأعظم لميقاتي عن ضرورة مواكبة السلطات اللبنانية للاتصالات والمبادرات من أجل حلّ أزمة لبنان مع الخليج. وهو ما يدعو إليه الفاتيكان منذ بدء الأزمة. وطلب من ميقاتي القيام بما هو مناسب لتصحيح العلاقة من دون الدخول في التفاصيل.
وصفت مصادر مقرّبةٌ من دوائر الفاتيكان لقاءَ البابا فرنسيس مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنّه كان “صريحاً، واضحاً ومباشراً، وقد تحدّث خلاله ميقاتي عن معاناته في رئاسة الحكومة، وأسباب توقّف انعقاد الجلسات الحكومية”
أولويّة لبنان في الفاتيكان
تكتسب زيارة رئيس الحكومة اللبناني للفاتيكان أهمية كبيرة من حيث توقيتها. فهي أتت بعد أسبوعين على لقاء البابا فرنسيس الرئيس الأميركي جو بايدن، وقبل يومين من لقاء البابا فرنسيس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيزور قطر والإمارات والسعودية في 3 و4 كانون الأوّل المقبل، بعد تعثّر وانتظار طويل. فلبنان جزء من ملفّات المنطقة، وهو موجود على طاولة البحث في الفاتيكان، لكنّه يحظى بالأولويّة في هذه الأيام.
قد يغيب لبنان عن اجتماعات القمم لصغره أو لأولويّة الملفّات الأخرى، لكنّه في حاضرة الفاتيكان حاضرٌ كأولويّة مطلقة في الشرق الأوسط.
هذه الرسالة الثابتة التي أبلغها البابا فرنسيس إلى ميقاتي، وهي الرسالة التي سيؤكّدها في رحلته إلى قبرص حيث سيزور الأبرشية المارونية ويلتقي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي سيلاقيه ويكون في استقباله هناك.
“لا يقتصر دور الفاتيكان على حثّ الدول والطلب منها أن تساعد لبنان ماليّاً، بل ويرتكز دوره على إيجاد حلّ سياسي للأزمة اللبنانية”. هكذا تعلِّق مصادر مواكِبة لزيارة ميقاتي الفاتيكان. فالرئيس المأسورة حكومته يحاول ملء الوقت الضائع من عمرها بحركة دبلوماسية دولية واسعة يطمح من خلالها إلى حجز مقعد له في العلاقات الدولية، ومجاراة سيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وابنه سعد. وقد التقى ميقاتي وزوجته والعائلة كبيرها وصغيرها الحبر الأعظم، وجلس على كرسي اعترافه مدلياً بدلوه أمامه في أسباب أزمات لبنان المتتالية.
ولا يمكن لِمن ينظر في سلسلة لقاءات الحبر الأعظم إلا أن يلاحظ أولوية لبنان في كلّ الاجتماعات، بدءاً من لقاء جو بايدن ووزير خارجيّته أنطوني بلينكن، مروراً بلقاء ميقاتي، وصولاً إلى لقاء ماكرون. في هذه اللقاءات فَهِم رؤساء الدول الكبرى المؤثّرة في الوضع اللبناني أنّ لبنان يعني الكثير لعاصمة الكثلكة. ولهذا، ولأكثر من مصلحة تتعلّق بشؤون الدول الكبرى وتقاطعها مع إرادة الفاتيكان بالحفاظ على ما تبقّى من صيغة لبنانية تعني الوجود المسيحي في لبنان، سيكون لبنان حاضراً في رحلة ماكرون إلى الخليج، بغضّ النظر عن إمكانية إحداث خرق في العلاقة المأزومة بين المملكة العربية السعودية وبين لبنان.
تكشف المصادر أنّ ميقاتي وضع البابا فرنسيس في أجواء المواقف التي يورِّط حزب الله بسببها الدولة والشعب اللبناني في حروب مع المنطقة والجوار. ووضعه في جوّ الأزمة الداخلية التي أدّت إلى امتناعه عن الدعوة إلى عقد جلسة حكومية
تحرّك الراعي المستمرّ
مع عودة ميقاتي من الفاتيكان بجرعة دعم، كما هي الحال بعد كلّ لقاء دولي، وبانتظار ترجمة ذلك محليّاً في خطوات من شأنها إعادة العمل المؤسساتي إلى الانتظام، تستعدّ بكركي لملاقاة البابا فرنسيس في قبرص، ضمن مسعاها المستمرّ إلى إحداث خرق في جدار الأزمة الفولاذي.
وكان الصرح البطريركي قد واكب الزيارة بعدما تواصل ميقاتي مع البطريرك قبل سفره، باعتبار أنّ التنسيق بين روما وبكركي منتظم، إن على مستوى عنوان “حياد لبنان”، أو الدعوة إلى تنظيم مؤتمر أو مسعى دولي من أجل لبنان ومن أجل الدفع باتجاه تفعيل نظام “اللامركزية الإدارية الموسّعة”.
قبل ذلك واستكمالاً للمساعي الصامتة التي لا تهدأ، يزور وزير خارجية الفاتيكان بياترو كاليغر لبنان، في جولة له تضمّ أيضاً روسيا وسوريا، للبحث في مستقبل وشؤون المنطقة المقبلة على متغيّرات كبرى.
واللافت أنّ البابا غرّد قبل يومين مصلّياً للبنان:” أيّها الرب الإله خُذ لبنان بيده وقُل له: “إنهض، قُم”، كما فعل يسوع مع ابنة يائيرس”. قد لا تكون هذه الصلاة واقعية لكثيرين من قرّائها، لكنّها في الأعراف الدولية تعني الكثير.
أمّا مَن سيأخذ لبنان بيده لينهض، ومقابل ماذا؟ هنا بيت القصيد.
إقرأ أيضاً: استقالة ميقاتي: سُنّة لبنان والغربة عن العرب
لكنّ الأكيد أنّ للبنان خصوصية فاتيكانية شديدة الأهمية: “مشروع أمّتكم قائم على تخطّي الانتماءات الطائفية للسير معاً نحو شعور وطني مشترك.” هكذا عايد البابا ميقاتي بعيد الاستقلال. فهو، وأسلافه الفاتيكانيون، عملوا طويلاً، خلال كلّ الحقبات التي مرّت على تاريخ لبنان، على إبقاء ما يعتبره الفاتيكان “صيغة خاصّة فريدة للبنان المتنوّع”، ولا سيّما بالحفاظ على مسيحيّيه.
ومن هذا المنطلق يرتكز عمل الفاتيكان من أجل لبنان على إيجاد حلّ سياسي للأزمة فيه، وليس فقط مساعدته في شؤونه الاقتصادية والماليّة.